بالصور.. توافد غفير لحضور افتتاح فعاليات المؤتمر 18 لحزب الاستقلال    ودابا يتفگص ليهم كابرانات الدزاير. فرانسا تعتارف بالسيادة المغربية على الصحرا. ها المشروع الكبير للي علن على تمويلو وزير المالية ديالهم    اليوم العاشر بجامعات أمريكية.. تضامن مع فلسطين والشرطة تقمع    الجماهير المغربية ستدعم نهضة بركان أمام اتحاد العاصمة الجزائري    طنجة.. إغلاق السجن المحلي "سات فيلاج" بصفة نهائية    الطرق السيارة توصي بتنظيم التنقلات خلالة العطلة المدرسية    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    المغرب يسجل 10 إصابات جديدة بكورونا    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    "صدى لجنة القدس" تسلط الضوء على العملية الإنسانية الكبرى لوكالة بيت مال القدس لفائدة السكان الفلسطينيين في شهر رمضان    القمة الاجتماعية العالمية.. هلال يتباحث في جنيف مع المدراء العامين للمنظمات الدولية    بيدرو روشا رئيسا للاتحاد الإسباني لكرة القدم    لجنة الانضباط بالرابطة الفرنسية توقف بنصغير لثلاث مباريات    الوداد يعلن تشكيلة مكتبه المديري    أنخيل موراتينوس : دعم إسبانيا للمخطط المغربي للحكم الذاتي يعكس التزاما سياسيا واستراتيجيا    لأميرة للا مريم تترأس المجلس الإداري للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    مكناس : المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 16يفتح أبوابه في وجه العموم    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    توقيف مطلوب لبلجيكا بميناء طريفة قادما من طنجة    جمهور ليفار ممنوع من الديبلاصمون لأكادير    اتحاد العاصمة شدو الطريق من الجزائر للمغرب    الفنان المغربي الروسي عبد الله وهبي يعرض "لوحات من روسيا" في الرباط    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    الحكومة تقترح على النقابات زيادة 10% في الحد الأدنى للأجور    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب على غزة إلى 34356 قتيلا    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    الطقس غدا السبت.. أمطار فوق هذه المناطق ورياح قوية مصحوبة بتناثر غبار محليا    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى        العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    الأمثال العامية بتطوان... (582)    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسلم تسلم ..
نشر في هسبريس يوم 27 - 04 - 2013

(سمو مراسلات النبي صلى الله عليه وسلم لملوك الأرض وكشف شبهات المدعو عصيد بشأنها)
لقد راسل النبي صلى الله عليه وسلم أبرز الملوك في عهده يدعوهم إلى الإسلام، وعددهم عشرة؛ وهم: قيصر ملك الروم، وكسرى ملك فارس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك الإسكندرية، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام، والحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن، وابنا الجلندي الأزديان ملِكا عمان، والمنذر بن ساوى ملك البحرين، وهوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة.
وكانت أكثر هذه المراسلات في يوم واحد في المحرم سنة سبع للهجرة / 628 للميلاد، بعد رجوعه من الحديبية.
وأول كتاب أرسله عليه الصلاة والسلام؛ كتابه الى النجاشي ملك الحبشة (السودان اليوم) واسمه: أصحمة بن أبجر، كلف به: عمرو بن أمية الضمري؛ وهذا نص الكتاب الشريف: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخته، كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني، فإنى رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاءوك فأقرهم، ودع التجبر فإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى" .
وأما كتابه عليه السلام إلى القيصر؛ فهو أصح كتاب وصلنا من مراسلات النبي صلى الله عليه وسلم لملوك الأرض، والقيصر هو ملك الروم، واسمه هرقل، بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ دحية بن خليفة الكلبي بكتاب نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و{يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}" .
وأما حاكم مصر؛ وهو المقوقس، واسمه جريج بن ميناء؛ فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ حاطب بن أبي بلتعة، بكتاب نصه: "بسم الله الرّحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتّبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}" .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى، واسمه أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وبعث معه كتابا مختوما، فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بداعية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، {لينذر من كان حيا، ويحق القول على الكافرين}، أسلم تسلم، فإن أبيت، فإن عليك إثم المجوس" .
تلك هي أهم وأوثق المراسلات النبوية لأقوى الزعامات السياسية في العالم آنذاك، وهي وثائق سياسية دعوية ذات حمولة عقدية بالدرجة الأولى، انسجاما مع التكليف الرباني للنبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الناس ودعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
وتتسم هذه الرسائل بسمات أهمها:
1 نبل الهدف، وهو الدعوة إلى توحيد الخالق سبحانه ونبذ الشرك والوثنية التي انحدرت بالعقل البشري إلى أحط الدركات وجعلت الإنسان أسير هواه وشهواته، وهو ما أدى إلى تفشي الظلم والانحلال الأخلاقي والطغيان السياسي.
2 الأدب في الخطاب وإنزال الناس منازلهم وإظهار حب الخير لهم، واجتناب العنف والألفاظ الغليظة.
3 البلاغة العالية، المتمثلة في الإيجاز في اللفظ مع تضمينه المعنى المطلوب.
4 عذوبة الأسلوب وجمال السبك.
5 بيان حقائق عقدية أخل بها النصارى أو اليهود؛ أهمها أن المسيح ابن مريم صلى الله عليه وسلم؛ رسول عظيم (ردا على اليهود) وأنه مخلوق عبد لله تعالى وليس إلاها (ردا على النصارى)، ومنها:
6 بيان عموم رسالة الإسلام وأنها موجهة إلى البشرية جمعاء.
7 ترغيب النصارى في الإسلام ببيان أن استجابتهم تجعلهم يؤجرون مرتين.
8 الذب عن عرض السيدة مريم البتول عليها السلام.
9 تضمين الآية القرآنية الكريمة الداعية إلى الحوار مع أهل الكتاب، وآية سورة يس المبينة أن الحجة قائمة بالتبليغ المحمدي.
10 تأكيد أن البشر كلهم في الأصل سواء؛ فلا يجوز لبعضهم عبادة البعض الآخر مهما كان فضله وقربه من الله.
.. لقد تجرأ أحد الملاحدة عندنا في المغرب على هذه النصوص النبوية، وزعم أنها رسائل إرهابية تؤكد بأن الإسلام انتشر بالسيف، وذهب في تطرفه الإلحادي إلى حد المطالبة بعدم تدريسها في مقررات مادة التربية الإسلامية!
وإنما أوقعه في هذه الجريمة الكبرى؛ سوء فهمه لمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أسلم تسلم"، وظنه أنه إكراه على الإسلام بتهديد المكرَه بالقتل.
بينما المعنى الظاهر لهذه الكلمة البليغة الرحيمة الرقراقة: أدعوك إلى الإسلام؛ الدين الذي ارتضاه الله تعالى للبشرية، والذي لن يقبل منهم غيره؛ كما قال عز من قائل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
فإذا أردت أن تسلم وتنجو من الخسر؛ فعليك بإسلام الوجه لله تعالى، فإن لم تفعل عرضت نفسك لعقوبة أعظم إثم؛ وهو الشرك بالله سبحانه، وسيكون إثمك مضاعفا، لأن شعبك سيتابعك على هذا الشرك؛ وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "وإلا فعليك إثم الأريسيين" .
قال القاضي عياض في المشارق: "معناه أن عليك إثم رعاياك وأتباعك ممن صددته عن الإسلام واتبعك على كفرك؛ كما قال الله تعالى: {وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين}، وكما جاء في بعض طرق هذا الحديث: "وإلا فلا تحُلْ بين الفلاحين والإسلام"، قال أبو عبيد: "ليس الفلاحون هنا الزراعون خاصة؛ لكن جميع أهل المملكة؛ لأن كل من زرع هو عند العرب فلاح؛ تولى ذلك بنفسه أو تُولّي له"اه.
وقال صلى الله عليه وسلم لكسرى: "فإن أبيت فإن عليك إثم المجوس".
وقال صلى الله عليه وسلم لملك الإسكندرية: "فإن توليت فعليك إثم القبط".
ولم يثبت أنه قال لأحدهم: "فإن توليت قتلتك"، لما هو معلوم من أنه لا إكراه في الدين، وأن الإيمان لا يفرض بالقتال، وإنما شرع القتال لمواجهة العدوان، ومنه: العدوان على الحق في الدعوة الى الله سبحانه ..
لهذا شرع الجهاد، خلافا لما زعمه مستشرقون وقلدهم فيه المستلَبون؛ من أن الإسلام متعطش للدماء، وأنه انتشر بالسيف:
إن أول آية نزلت في مشروعية الجهاد هي قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج:39-41].
وبالرجوع إلى فقه الآية وسبب نزولها ندرك منطقية تشريع الجهاد:
قال العماد ابن كثير: "وإنما شرع الله تعالى الجهاد في الوقت الأليق به؛ ولهذا لما بايع أهلُ يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا نيفا وثمانين، قالوا: يا رسول الله، ألا نميل على أهل الوادي -يعنون أهل مِنَى- ليالي مِنى فنقتلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر بهذا".
فلما بَغَى المشركون، وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شَذرَ مَذَر، فذهب منهم طائفة إلى الحبشة، وآخرون إلى المدينة. فلما استقروا بالمدينة، ووافاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا عليه، وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومَعْقلا يلجؤون إليه؛ شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق}"( ).
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أُخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم! إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن، فنزلت: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}، فعرفت أنه سيكون قتال".
قال ابن عباس: فهي أول آية نزلت في القتال"( ).
قلت: وقيل بأن أول آية نزلت في جهاد القتال؛ قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة:190].
روى ابن أبي حاتم في تفسيره (1719) بسنده عن أبي العالية في قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} قال: "هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة".
وروى في (1721) بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: {ولا تعتدوا}؛ يقول: "لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير، ولا من ألقى السلم وكف يده، فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم".
وبالرجوع إلى فقه هذه الآية وسبب نزولها –أيضا- يتأكد لنا مدى منطقية الجهاد ومشروعيته، وأنه تشريع عادل منطقي لحفظ الحق وصد العدوان، ولا يمكن بحال إدخاله في معنى الإرهاب ..
عن ابن عباس قال: "نزلت هذه الآيات في صلح الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صُدَّ عن البيت هو وأصحابه نحر الهدي بالحديبية، ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه، ثم يأتي القابل على أن يخلوا له مكة ثلاثة أيام، فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء، وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله تعالى {وَقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم} يعني قريشاً"( ).
"والمعنى: يا أيها المؤمنون الذين يخافون أن يمنعهم مشركو مكة عن زيارة بيت الله والاعتمار فيه نكثا منهم للعهد، ويكرهون أن يدافعوا عن أنفسهم في الحرم وفي الشهر الحرام، اعلموا أنني قد أذنت لكم في القتال، وأنتم إذ تقاتلونهم فإنما تفعلون ذلك في سبيل الله للتمكن من عبادته، وفوق ذلك فإنما تفعلون هذا مع من نكثوا عهد الصلح فقاتلوا في هذه السبيل الشريفة من يقاتلونهم، ولا تعتدوا بالقتال فتبدءوهم، ولا في القتال فلا تقتلوا من لم يقاتل كالنساء والصبيان والشيوخ والمرضى الذين لم يستطيعوا قتالا، أو من ألقى إليكم السلم وكف عن حربكم"( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فقوله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم}؛ تعليق للحكم بكونهم يقاتلوننا، فدل على أن هذا علة الأمر بالقتال.
ثم قال: {ولا تعتدوا}؛ والعدوان مجاوزة الحد، فدل على أن قتال من لا يقاتلنا عدوان ...
وقال في الفتاوى (20/101102) مبينا مذاهب العلماء: "فأبو حنيفة رأى أن الكفر مطلقا إنما يقاتل صاحبه لمحاربته، فمن لا حراب فيه لا يقاتل؛ ولهذا يأخذ الجزية من غير أهل الكتاب والعرب وإن كانوا وثنيين، وقد وافقه على ذلك مالك وأحمد في أحد قوليه، .. وأما الشافعي فعنده نفس الكفر هو المبيح للدم".
وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (1/79): "القتل إنما وجب في مقابلة الحراب لا في مقابلة الكفر، ولذلك لا يقتل النساء، ولا الصبيان، ولا الزمنى، والعميان، ولا الرهبان، الذين لا يقاتلون؛ بل نقاتل من حاربنا، وهذه كانت سيرة رسول الله في أهل الأرض، كان يقاتل من حاربه إلى أن يدخل في دينه، أو يهادنه أو يدخل تحت قهره بالجزية، وبهذا كان يأمر سراياه وجيوشه إذا حاربوا أعداءهم، كما تقدم من حديث بريدة".
وقال في كتاب آخر: "ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبين له أنه لم يكره أحدا على دينه قط، وأنه إنما قاتل من قاتله، وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته لم ينقض عهده، بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له .. ولما قدم المدينة صالح اليهود، وأقرهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم، فمنّ على بعضهم، وأجلى بعضهم، وقتل بعضهم، وكذلك لما هادن قريشا عشر سنين، ولم يبدأهم بقتال حتى بدؤوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم في ديارهم، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك لما قصدوه يوم أحد، ويوم الخندق، ويوم بدر أيضا هم جاؤوا لقتاله، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم، والمقصود: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره أحدا على الدخول في دينه البتة، وإنما دخل الناس في دينه اختيارا وطوعا"اه( ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.