حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    المغرب يبدأ تصنيع وتجميع هياكل طائراته F-16 في الدار البيضاء    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    برقية تعزية ومواساة من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    أخنوش يطلق من الداخلة "مسار الإنجازات": أنجزنا في 4 سنوات ما عجزت عنه حكومات متعاقبة    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    العد التنازلي بدأ .. سعد لمجرد في مواجهة مصيره مجددا أمام القضاء الفرنسي    الوافي: بنكيران لا يواكب المرحلة    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    مؤسسات فلسطينية في اليوم العالمي لحرية الصحافة: نشهد أكثر مرحلة دموية بتاريخ الصحافة    الإمارات وعبث النظام الجزائري: من يصنع القرار ومن يختبئ خلف الشعارات؟    تير شتيغن يعود لحراسة مرمى برشلونة بعد غياب 7 أشهر بسبب الإصابة    دار الطالب بأولاد حمدان تحتضن بطولة مؤسسات الرعاية الاجتماعية    الدرهم يرتفع بنسبة 0,18 في المائة مقابل الأورو    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    الأزمي: لم تحترم إرادة الشعب في 2021 وحكومة أخنوش تدعم الكبار وتحتقر "الصغار"    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينهي تحضيراته استعدادا لمواجهة نيجيريا وسط شكوك حول مشاركة الزبيري وأيت بودلال    "هِمَمْ": أداء الحكومة لرواتب الصحفيين العاملين في المؤسسات الخاصة أدى إلى تدجينها    استقدمها من علبة ليلية بأكادير.. توقيف شخص اعتدى على فتاة جنسيا باستعمال الضرب والجرح بسكين    كبرى المرافئ الأميركية تعاني من حرب ترامب التجارية    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    كيوسك السبت | الحكومة تكشف بالأرقام تفاصيل دعم صغار الفلاحين و"الكسابة"    الموت يغيّب المنتج المصري وليد مصطفى    قصف منزل يخلف 11 قتيلا في غزة    زيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت تعزز "العلاقات الممتازة" بين الولايات المتحدة والمغرب (الميداوي)    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    حين تصبح الحياة لغزاً والموت خلاصاً… "ياقوت" تكشف أسراراً دفينة فيلم جديد للمخرج المصطفى بنوقاص    أشغال تجهيز وتهيئة محطة تحلية مياه البحر بالداخلة تبلغ نسبة 60 بالمائة    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصب الفعل المعتل: الذئاب والصلاة
نشر في هسبريس يوم 05 - 06 - 2013

الصلاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، عمود من أعمدة الدين. خارج المصطلح الديني، تعني الدعاء، والتضرع، والتقرب، والخشوع والانخطاف، أي أن مقيم الصلاة يَنْسَكِنُ –وهذا هو المفترض- باليقين، والسكينة، وَتَحُوطُه الروح، والنداءات العلوية، ما يفضي إلى الغياب اللحظي –الزمن الذي تستغرقه الصلاة وفقا لعدد ركعاتها وسجداتها- الغياب عن المحيط المادي بكل مؤثتاته، أسرة وناسا وصبية، وكلاما، وهرجا، ومرجا. إذ أن الصلاة خشوع، واستغراق، وانقطاع عما يجري ويدور –لفترة معينة محددة –، ثم هي انقطاع – في الآن عينه- للذات الإلهية العلوية، وسباحة روحانية في الملكوت، وطيران هفهاف في فضاء العشق، والمحبة، والخضوع لرب العالمين.
ومن النافل، التأكيد، على أن المسلم، الممارس لهذا الركن الركين، مطالب بالابتعاد عن الموبقات، وبحمل النفس على الخير والعمل الصالح، والنأي عن كل ما يخدش صورته، وسيرته، ومساره، إذ المنتظر، ظهور ثمرات هذه الصفات والفضائل، على مستوى التعايش الإنساني، والكرم الروحاني، والإيثار الإخواني، ومحبة الغير، والإخلاص في العمل، وإتيان الواجب على الوجه الحق، والتصرف في الحقوق بما يرضي الضمير والناس، والأغيار، من دون أن يمسهم في وجودهم المخالف، وفي حقهم – في الحياة، والتفكير، والتدبير، ما لم يسيء إلى الشخصية الآدمية الكاملة، أو التي تسعى إلى الكمال. ولهذه الأسباب، وغيرها، ربطت الصلاة التي هي علاقة فردية بين العبد وخالقه أساسا، بتداعيات ممارسها على السلوك العام لجهة الإيجاب والتقدير، والإسهام في بناء المجتمع، بناء مؤسسا، قويما، يرتكز على معايير الاستخلاف الحق في الأرض، والتي لا تخرج عن الصدق، والنزاهة، والمحبة، وإشاعة الحسنة، والنهي عن الفحشاء، ومحاربة المنكر، من بدع، وخرافات، وغيبيات، وتَقَوُّلاَت، وتَخَرُّصَات، ونبش في الأعراض، وغيبة ونميمة، والسعي الحثيث إلى استئصال الظلم، والزور، والتزوير –في أفق إقامة المدينة "الفاضلة" لا بالمعنى الديني، فإدراك هذا دونه خرط القتاد، ولكن بالمعنى الثقافي والفكري والفلسفي، والسياسي والاقتصادي. هذا ما ينبغي أن يفهم من الآية الكريمة التالية : (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
والسؤال : آه من السؤال !! لأنه يعري واقع الحال – لا في بلدنا الأمين فقط، بل في بلاد العربان والمسلمين، هو : ما مدى انعكاس التقرير الإلهي الموجب المترتب عن العبد المصلي، على مستوى سلوك هذا العبد؟ كيف يتبلور، وهل يتجسد – حقا وصدقا- من خلال التشارك، والتفاهم، والعلائق بين بني البشر –كائنا من كان هؤلاء-؟.
هل يتنادى المصلون بالمحبة، والسلام، والإيثار، والتضامن، ويبلورون ذلك على أرض الواقع؟ وكيف يتمظهر هذا التنادي إذا كان تم فعلا ، ودُعِيَ إليه ؟ .
أخشى أن أقول : إن قلة من المسلمين من هم عابدون قانتون، قلة قليلة، لا تكاد تعد. وأخشى أن أضيف أن الصلاة التي قرر القرآن أنها فرضت بحجية نهيها عن الرذيلة، والفسق، والفجور، والظلم، وأكل أموال الناس بالباطل، والسطو على ممتلكات الغير المشروعة، وبحجية أمرها بنشر قيم الحق والخير والجمال بين الناس في المجتمع، لا تقوم بهذه المهمة الجليلة، ولا تنهض بهذا الدور النبيل، كأن علاقة المصلين بالسماء تنتهي بنهاية السجدة الأخيرة، فإذا المصلون منتشرون سريعا يبيعون، ويَحْلفُون على ما يبيعون وهم أعلم بالغش الذي وضعوه ضمن البضائع التي يقدمون للناس. ويُزَوِرون الشهادة في الحين، وآثار غبار السَّجَّاد لا يزال عالقا بالشعر والجبين.
والأدهى من كل هذا، شيوع مصيبة الزنا والاغتصاب، وسط هؤلاء الذين يختلفون إلى بيوت الله من الفجر إلى العشاء.
يدعو القرآن في ما يدعو إليه، إلى النظافة، نظافة الثياب والجسد، والبعض يحافظ على السنة النبوية أو ما أُثِرَ عن النبي، بالاكتحال، والاستياك، وتمريغ اللحية، و العمامة، واللباس بالطيب، تصديقا للاية الكريمة : (يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كل مسجد). ويدعو من جهة أخرى –كما أشرنا من قبل- إلى النأي بالنفس الأمارة بالسوء عن كل سوء، وعلى رأس السوء والموبقات : الزنا، والاغتصاب، واستباحة الأعراض، وانتهاك أسرار اليتامى والأرامل، بل وتعاطي زنا المحرم، وهو أخطر منزلق، وأبشع شيء يقترفه آدمي ، وسقوط في درك الحيوانية الخام، والغريزة الوحشية المنفلتة.
وما نَقْرَأُه –بين الفينة والأخرى- في الإعلام، عن قصص واقعية مخجلة ومقرفة، أبطالها "فقهاء" و"أئمة" بالمعنى الشعبي المتداول، يقودون الصلوات في المساجد، ويخطبون أيام الجُمَعِ. وما تقوله دراسات سوسيولوجية مغربية وعربية وإسلامية، وما يتداوله الناس في منتداياتهم ومنازلهم داخل الأسر، وفي المقاهى، وبين الأصدقاء عن "زعماء" شِبقيين، مرضى جنسيا، يُسَخِّرُونَ اللِّحى، والعمائم، والكحل في العينين، والسواك في الأسنان واللسان، ويُسَخِّرُون "الذكر الحكيم" في السحر والشعوذة، واستحضار الجن و"العفاريت"، للإيقاع بضحاياهم من النساء الأميات، النساء المطلقات، النساء الأرامل-النساء اللواتي يعشن جحيما يوميا مع أزواج مفلسين. وفي المداشر البعيدة، والدواوير المعزولة والمهمشة، حيث تسود قيم القبيلة والعشيرة والبطن والفخذ، ويقتصر الزواج على أبناء وبنات السلالة الواحدة، والمنحدر الجيني المشترك، ويقام الجدار السميك في وجه الغرباء، الأغيار، ينتشر الزنا كأقوى وأشد ما يكون في تكتم، وَتَخَفٍّ، وتَقَنُّع، وينشط بعض فقهاء "الشرط" في "وِطْء" "الهَجَّالة"، أو من لها زوج "بعيد"، من خلال طقوس في البخور، والتحضير، والغمغمة، وقراءة "الطلاسم"، و"مخاطبة "الجن"، ما يفضي – وقد انحلت الأزرار، وتراخت المفاصل، و استبيحت الأسرار- إلى المضاجعة التي أمَرَ بها ملك الجن، وامبراطور العفاريت – النفاريت.
وبين أبناء العمومة، والخؤولة أصولا وفروعا، ينشط زنا المحارم، وسط ضباب كثيف من الأمية والجهل والحشيش "والخمر" المهربة، والكبت العام الذي يلعب بعض "الفقهاء" الجهلة" في تسييده وتأبيده بصنيعهم اللاواعي، ينشط هذا الزنا الإجرامي الذي يهدم كل القيم الدينية والخلقية،والإنسانية، و"الطبيعة"، والثقافية، ضمن هذه الأوساط المسحوبة من "الحضارة"، البعيدة عن أسباب الثقافة، وعوامل التفتح والتعارف والاختراق. وإذا علمنا أن بعض الزناة البغاة هم من معلمي "لَمْحَضْارٍية" في الكتاتيب القرآنية، الذين يعمدون إلى انتهاك براءة الطفولة، وقد يعتدون على ذوي "الرحم"، والفروع، فإن الطامة تطم، والمصيبة تشتد، والعياذ بالله يعلو. إذ ينطرح السؤال المر : ما جدوى الدين ما لم يكبح الاهتياج، ويصحح الإعوجاج، ويُقَوِّم السلوك، ويسمو بالإنسان من حيث هو إنسان، يبصر ويسمع ويحس ويعقل، ويميز، ويختار، ويعرف الحدود والقوانين، والمواضعات البشرية، والخطوط الحمراء من الخطوط الخضراء؟
ما جدوى الصلاة، وتلك "الزبيبة" التي تتقدم أعلى الجبين، لتقول بالصمت وبالرنين: حاملي هذا مُصَلٍّ، ومثابر على الصلوات؟. ما جدواها، إذا لم تَنْهَ فعلا وتطبيقا، عن المنكر، وتفتح طريقا وأفقا للمسلمين، للمؤمنين، لِلتَّوَادِّ، والتَّصَافي، والتَّحَاب، والسعي إلى مجافاة طريق "الشيطان"، ما يعني التخلص النهائي من آفة السحر، والشعوذة، وامتطاء القرآن ذريعة للمداوة والعلاج عبر "البخور" والرُّقَى، و"الأحجبة" والتمائم، وهي بقايا –كما نعرف – أنتروبولوجيا- أَعْصُرٍ وثنية، تسربت –إبان عصور الانحطاط والتراجع الحضاري- إلى عقولنا وأفكارنا، وبعض كتبنا الصفراء، وَلاَكَها ويَلُوكُها بعض الأدعياء "الدعاة" عبر الفضائيات؟.
يتعين –إذًا- تحرير الدين من هذه الآثام التي هي طريق لاَ حِبَةٌ مُعَبَّدةٌ موصلة إلى ما تعانيه شرائح مجتمعية، وفئات من ساكنتنا، في المغرب العميق –شمالا وجنوبا- لأسباب تاريخية – في صمت قاتل، وألم ناهش، وفاجعة منكرة، حيث لا يملكون لها دفعا، ولا فضحا، خوفا من ألسنة الناس، من الفضيحة، من العار، ومن رب العالمين !. والحال أن الوحوش تنتشي لهذا الخوف، وتحكم قبضتها الشرسة على فرائسها التي تئن، وتتلوى يتناهبها الخزي واللعنة، ولا فِكَاك.
كَأَنَّ القرآن الكريم من خلال سوره، وآياته في العقائد وفي الأحكام، لم يتمكن من أفئدة ووجدانات وعقول الناس؟ وكأن العرب المسلمين، هم الأعراب الذين يشملهم معنى الآية : (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا...). ما يعني أننا نَنْتَسِبُ إلى الدين الذي هو الإسلام، ونتصف به، ونتوشحه بَرَّانِيا لاَ جَوَّانِيا.
وهو الانتساب الذي يميزنا مثلا عن اليهود، وعن البوذيين. غير أن الدرجة الأعلى التي هي الإيمان لم تتغلغل بالكامل فينا؛ وَهَبْ أنها تغلغلت، فهي لا تخرج عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره، ولا تتخطاه إلى التربية الذاتية، وحمل النفس على التشبع بالقيم، والمُثل، والتوقير، واحترام الإنسان؟
ما المطلوب –إذًا؟-، المطلوب هو الاستمساك بمنطوق و"معموق" الآية التي هي مدار هذه المقالة : (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
إذ يكفي هذا التأكيد، ليجعل المصلي، القائم ليله ونهاره، المختلف للمساجد، الزائر لها آناء الليل، وأطراف النهار، ساميا، رفيعا، قويما في أخلاقه، وسلوكه، وتعاطيه المعاملاتي مع الناس، وتقدير الغير، واحترام إنسانية الإنسان : امرأة أو رجلا أو طفلا. ذلك أن الفحش هو وَطْءَ الآية، ودوس معناها ودلالتها، وإتيان عمل الشيطان، وتلبية نداء الغريزة، وإشباع شبقية الوحش الذي يسكننا.
من جهة أخرى، ماذا ننتظر لنفجر هذا المسكوت هذا المكبوت،؟
ذلك أن إخفاء الشيء، وإبعاد الدواء عنه، يُوَرِّمُه، وَيُسَرْطِنُه، فيصبح آفة وجائحة ووباء..؟
ولماذا لا ينزعج "رجال الدين" من هذه "الاتهامات" التي تمسهم في شخصهم، وآدميتهم، والتي تطولهم من حيث صدقية ما يأتون وما يدعونه من تقوى، وحكمة ووقار؟ فتطول –بالتداعي والتلازم- دينهم الذي هو الإسلام، الذي يحملونه، ويتنافسون في دعوى أحقيتهم به من أي أحد آخر؟.
هل للدين علاقة سلسلة مباشرة ومكشوفة بالجنس؟ هل يحث عليه، كيفما اتفق؟
وماذا نقول عن آية الزنا؟ أم أن تعقيدات البَيِنة، واستحالة إقامتها على الزَّانِييْنِ، شجعت على الفسق والفجور باعتبار الجنس لذة، وإبرازا للفحولة، وتصريفا لنية المجامعة والمضاجعة، وبلورة مادية لعملية "الوطء" و"الردح"؟.
أليس لنا في تاريخنا ما يدل على شيوع الجنس، والتسري، والسبي، والاستحلال، والزواج بأربعة نساء، فضلا عن ملك اليمين، وزواج المتعة، وقضايا الجواري والحريم، وظاهرة الغلمان المُرْدِ الذين جُنَّ بهم شعراء وفقهاء، فسعوا في "سبيل الله"، يطلبونهم عوضا عن النساء؟؟ ألا يمكن تسمية هذا باللواط؟، وماذا نفهم من ذكر القرآن الكريم ل: "الولدان المخلدون" الذين يطوفون على المؤمنين بأكواب وأباريق.. إلخ) وهم ولدان مُرْدٌ يزري جمالهم بالجمال الأنثوي، ويعلو عليه؟
أمن الممكن القول –بعد هذا- أن "الفقهاء- وغيرهم من ضعاف النفوس- وقد وعوا واستوعبوا تاريخ اللذة، والملذات، والشهوات، والشبق، وتشبعوا بالقصص، والغرائب والحكايات في هذا المجال، وهذا الباب، تعاطوا للجنس، كيفما اتفق حتى وإن تجاوزوا الحد، وتَخَطَّواْ المتعين، وخرقوا المحرم، وأتوا إثما وفعلا شنيعا؟، أمن الممكن قول هذا؟
وهم بهذا استعاضوا عن الخمر التي هي من اللذائذ والمحرمات، بالجنس، يأتونه في الليل والنهار، مع المومسات، كما مع الفقيرات المحتاجات، والأرامل، والمطلقات، كما يبحثون عنه – ظِمَاءً- تكاد عيونهم تخرج من محاجرها بفعل الاحتقان، وفيض اللذة، ووجوب تصريفها في جعبة أنثى أو ذكر.
فكأن لسان حالهم يقول : لكم خمركم أيها السكارى – ولنا جنسنا: أما الحد، فلا ضَيْرَ منه وعليه. اللذة تعمي، وتذهب بالعقل والروية، وكذلك البصيرة.
أم أننا "أمة" ناجحة بالنفاق، والشقاق، والكذب، و"الترك"، والتَّعْمية.
الذين مُقَوِّمٌ أخلاقي أساس، لكنه لم يُقَوِّمْ فئة عريضة من الناس، بيدها المقود، والدفة، وتدعي أنها تنطق باسم الله، وهي تُمَرِّغُ اسم الله، وتتاجر به، فما العمل..؟
إشارات :
1-إننا نقول كل هذا وغيره مما لا يتسع له المقام، ونحن نعلم كيف نعامل "الحب" لفظا ودلالة، ومفهوما، وتصريفا، فكلمة حب مثار عيب ومذمة في الأعراف والتقاليد، والمواضعات البالية ، والدين أيضا .
فكيف والحال هذه، أن لا نسقط في فخ الجنس الملتهب المريض، وتسليع المرأة، وتدويل لغة الافتراس، والوطء والردح، ما يدعو إلى الدهشة والقرف. وفي هذا ما يحيل على أبجديات التذرع بالدين والأخلاق والفضيلة !.
2-المفردات المستعملة –عادة- من قِبَلِ رجال الدين والوعظ والإرشاد، في مجال الحب، والعلاقة الجنسية، تنطوي على معاني القسوة، والغِلْظة، والخشونة، والفتك، والهتك، والإمتطاء العنيف، والركوب الشرس والنخس، وتعضيل الساقين ليقوما بالمهمة الحربية الجليلة والمصيرية، إذ هي الاختبار والفيصل بين الفحولة، والنحولة ! بين الفارس المغوار، و"الرجل" المتردد المعثار.
لنتأمل –إذًا- هذا المعجم المسلح، لكأننا في معترك حرب، وساحة وَغَى، لا في أحضان لحظة حب سامية، لحظة وفاء وعطاء، وتركيب مزجي سام ، وحنان متبادل، وانصهار روحي، وجمال . وهي لغة يستمرئها رجال الدين، وَيَتَلَمَّظُون لسماعها، وَلَوْكها على ألسنتهم، لأنها تترجم قلق وعطش نفسياتهم، واندفاعهم "الجاموسي"، واختراقهم "للسياج" والرتاج، واحتواء المفعول به وفيه.
3-يشار إلى أن زنا المحارم، ينشط وينتشر بليل، وباحتراف إجرامي كبير كما الخفافيش العمياء، ماصة الدم والكرامة، داخل الأوساط التقليدية المكبوتة، والمقهورة التي تضع جدارا سميكا بين النساء والرجال اتقاء "للغواية والإغواء"، وطردا، "للشيطان الرجيم". وهنا تنشط –أيضا- ماكينة التفسير الديني الأعرج المسئول –بطريقة ما- عن هذا الزنا الفظيع، والمستبشع، الذي يدمر الإستقرار النفسي، ويُجْهِزُ على قيم التقدم والتطور، والحضارة، ويسائل إنسانية الإنسان.
تزعم التفاسير الدينية اللامسئولة، من أن التقارب، والإختلاط بين الذكور والإناث، يشيع الفاحشة، وينشر المشاعية والرذيلة. وفيما هي تدعو إلى ذلك، بالصراخ والنواح المفتعلين، يبيح أصحاب هذه التفاسير كل شيء لأنفسهم، بالمكر والحيلة، وتوظيف نُتَفٍ من القرآن، والحديث يخدمون بها أجنداتهم الشبقية، واسْتراتيجياتهم في الاستحواذ والقيادة.
4-من جهة أخرى، أعجب، والله، العجب كله- لمن ينزرع وسط الناس وَهُو مُزَنَّرٌ ومدجج بالديناميت، والأحزمة الناسفة؟ كيف لم تَنْهَهُ الصلاة، والدين السمح عن ارتكاب هذه الفعلة المنكرة، التي يتبرأ منها الإسلام، والأديان، والثقافة والحضارة الإنسانيتان؟، لكن، كيف نطلب منه ذلك، وهو الأمي، الفقير المدقع، الخاضع لرحمة "الأمراء"؟
ثم، كيف يُعَبِّرُ "الأمراء"، أمراء الدم عن انشراحهم، وابتهاجهم بهذه الحماقات المخزية، والسلوكات الرعناء، فيسارعون إلى الحمدلة وشكرالله ، ويقومون إلى الصلاة، منتشين، مكبرين، ومهللين؟ !، من دون أن يشعروا – البتة- بوخز من ضمير، وتأنيب من دين ، ولسعة من إحساس آدمي ؟ .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.