الوظيفة العقابية للمحاكم المالية : درس أكاديمي بمختبر القانون العام بكلية المحمدية    مجموعة بريد المغرب تصدر دفتر طوابع بريدية لصيقة تكريماً للمهن ذات المعارف العريقة    شكل جديد للوحات تسجيل السيارات المتجهة إلى الخارج    مسيرة وطنية بالرباط تدين إبادة غزة واستهداف إيران وتتشبث بإسقاط التطبيع    مشروع لتشييد عدد من السدود التلية باقليم الحسيمة    استمرار موجة الحر وأمطار رعدية مرتقبة في الريف ومناطق أخرى    قضية الطفلة غيثة تثير موجة تضامن واسع ومطالب بالمحاسبة    مفتشو التعليم يعلّقون "برنامجا نضاليا"    جائزتان لفيلم «سامية» في مهرجان الداخلة السينمائي بالمغرب    «سي نورمال» جديد الفنان توفيق البوشيتي بستيل شبابي‬    الحضور الفيلموغرافي المغربي في برمجة الدورة الجديدة للمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    الركراكي يشارك في مؤتمر للمدربين نظمه الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم    بين سبورت: حادث مأساوي في ليلة تتويج مولودية الجزائر بلقب الدوري الجزائري    أمريكا تقصف مواقع ايران النووية    الوكالة الذرية الدولية تعقد "اجتماعا طارئا" الاثنين بعد الضربات الأميركية على إيران    تراجع في كميات الأسماك المفرغة بميناء الحسيمة خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    التجارة تقود نشاط المقاولات الجديدة في كلميم-واد نون    حالة هستيرية تصيب لاعبا في مونديال الأندية    ارتفاع حصيلة ضحايا سقوط أنصار مولودية الجزائر من مدرجات ملعب 5 جويلية إلى 3 وفيات و74 مصابا    مهرجان كناوة بالصويرة يختتم دورته ال26 بعروض عالمية    البحرية الإسبانية تكرم تلاميذ بإحياء إنزال الحسيمة وتتناسى ضحايا حرب الريف    أمواج شاطئ غابة ميريكان تبتلع طفلا وتحول نزهة اصطياف لمأساة    كأس العالم للأندية: الوداد يواجه يوفنتوس الإيطالي بحثا عن الانتصار لمواصلة مشوار البطولة    البطل المغربي أيوب الخضراوي يحقق فوزه الأول في منظمة وان تشامبيونشيب لرياضة المواي طاي الاحترافية في تايلاند"    كأس العالم للأندية: دورتموند يحبط انتفاضة صن دوانز وصحوة متأخرة تنقذ إنتر    في مسيرة غزة ضد العدوان..السريتي: المغاربة مع فلسطين ومع المقاومة الباسلة    حبل حول عنق ينهي حياة ثلاثيني في جماعة لغدير بإقليم شفشاون    واشنطن تستخدم قنابل خارقة للمرة الأولى في قصف منشأة فوردو الإيرانية    أوزين: الحكومة دعمت "كسّاب" رومانيا    أزمة انقطاع الماء الصالح للشرب بمدينة سطات تثير استنكار الساكنة    موجة حر تمتد إلى الأربعاء القادم بعدد من مناطق المملكة    مطالب برلمانية لوزير الفلاحة بتوضيحات حول تهديد سكن طلبة معهد الزراعة والبيطرة بالهدم دون إشعار أو بدائل    سعيد حجي .. اهتمامٌ متزايد يبعث فكر "رائد الصحافة الوطنية المغربية"    باحثون يوصون بمناقشة "الحق في الموت" والمساعدة الطبية على الإنجاب    الرجاء يواجه ناديين أوروبيين بالصيف    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    عمور تستعرض "إنجازات وزارة السياحة".. برادة ينتشي بنتائج مدارس "الريادة"    حملة دولية تعارض قتل الكلاب الضالة بالمغرب.. و"محتج فيلادلفيا" في سراح    عاجل: ترامب يعلن عن ضربات جوية أمريكية "ناجحة جداً" ضد منشآت نووية إيرانية    تل أبيب تبارك القصف الأمريكي لإيران وتؤكد ان التنسيق كان على أعلى مستوى    نتنياهو بعد ضرب إيران: ترامب غيّر مجرى التاريخ    لحسن السعدي: الشباب يحتلون مكانة مهمة في حزب "التجمع" وأخنوش نموذج ملهم    الحكم على الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي !!    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار        روبي تشعل منصة موازين بالرباط بأغانيها الشبابية    اتصالات المغرب تستثمر 370 مليار لتطوير الأنترنت في مالي وتشاد        وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    حرب الماء آتية    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البوتلاتش.. المجتمع والمدرسة وصورة الذات المغربية
نشر في هسبريس يوم 22 - 05 - 2021

يتحدد مفهوم البوتلاتش (potlatch) عند الباحث Marcel Mauss وفق العطاء والعطاء المتبادل.
معاني أشكال الحياة مطروحة على الأرض، وإنما الشأن في إقامة الوطن والوطنية.
اخترنا أن تكون بدايتنا بتناص مع الجاحظ: "إن المعاني مطروحة على الطريق يعرفها العجمي والعربي وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيُّر اللفظ."
نسأل، ما هي الأزمة؟ مقصديتنا تتجه نحو أزمة التعليم الابتدائي والإعدادي وإنتاجية التمزق الاجتماعي بين أوساط طبقات المجتمع المغربي. كيف ذلك؟
صحيح أن صدفة أشكال الطفولة هي السبب الأول عند العظماء في كل المستويات المعرفية: دينيا وفلسفيا وعلميا وأدبيا وفنيا. النجاح في عمر متقدم رهين بالذاكرة الطفولية، أي الشخص الذي نراه اليوم في مرحلة عمرية متقدمة وعلاقته بسلوك ما أو تصرف ما أو وضعية كيفما كانت، هو ذلك الطفل تلك الطفولة. عديدة هي الإيجابيات التي تحققت وتتحقق الآن، لكن اختيارنا من باب مقاربة أزمة مدرسة – الأم الوطن – وطفولة الابن – تُنتجان صورا تتناقض وما كان عليه مغرب الأمس القريب.
يبدو أن هناك خللا ما في بنيات تأليف شباب المستقبل، باعتبار أن المدرسة الابتدائية – الإعدادية من أهم ركائز بناء الطفل المغربي الوطني، إن الضرورة تقتضي وقف نزيف التمزق الاجتماعي والتشوه البصري المتمظهر في سلوكات عنيفة رمزيا وماديا، إذن، إعادة تشكيل وتشييد المدرسة الوطنية، وتكثيف جهود الاستثمار في المُعلم، هذا، سيُسهم في تنظيم البنيات التحية وتفاعل كل مكونات بناء الورش الوطني الاجتماعي، وأيضا، التطلع إلى جمالية القيم الوطنية، بعيدا عن كماليات البناء الاجتماعي، ومقصديتنا هي لذة تشييد الدعامات/الأساسات الرئيسة لوطن ومواطن الغد القريب وأشكال فرح أسر الطبقة الشاسعة التي تؤلف مكونات المجتمع المغربي، باعتباره نهرا إنسانيا يمتد في العمق التاريخي.
إن قوة مصب نهر القيم في توليد طاقات مستقبلية تكمن في قوة المنبع الوطني، الطفولة المدرسية الأولى في علاقتها بالسيرورة التاريخية والوطنية للمعلم(ة) والمدرسة، إذن، هي مسألة سيرورة معرفية إنسانية علمية ترتبط والثقافة الدينية المغربية، حيث إن العلم والدين هما مقومان رئيسان في بناء الإنسان/الطفل، بناء الوطن، بناء الوطنية، أي بناء كل ما يندرج ضمن منتجات القيم الإنسانية الكونية، لكن اليوم ومن خلال تمظهرات العديد من اللا-أخلاقيات وجب إعادة بناء المعلم/الأب الوطني، ومن ثمة بناء التلميذ، رجل المستقبل.
التعليم ضرورة كضرورة الماء والهواء كما قال طه حسين.
لماذا التعليم الأولي؟
يبدو الجواب سهلا للوهلة الأولى، لكن في علاقته بمفهوم الوطنية نكون أمام صعوبة الفصل بين التضحية والإيثار والتطلع إلى تحقيق القيم الإنسانية: حرية، عدالة اجتماعية، كرامة.. إلخ. هذا ويستبين مع ما جاء به ذ.عبد الله العروي في مؤلفه استبانة.
إذن، تحقيق قيمة أخلاقية يرتبط وشرط المدرسة الوطنية، لا أدري، أو أغامر بالقول: إن المدرسة الابتدائية هي حليب الأم الثاني، حليب الوطن، استكمال شروط الرضاعة الطبيعية في تسعة أعوام، رضاعة وطنية، دعائم بناء رجال الغد، إذن، هي مفاتيح مشروع وطني ينفتح على مجالات الدولة فيما بعد الإعدادي، وعليه، تفاعل الذوات المغربية ونسق حليب الوطن.
القطران يندثر والحليب ينتصر:
هذه الرضاعة الوطنية، حليب الوطن، ستنتصر لقيم بناء الوطن، وهزم وطرد كل اللا-أخلاقيات والصور المُشوهة التي أصبحنا نتخبط فيها وسيطر علينا من خلالها الخوف من اللا-متوقع، هي تمظهرات: تمزق الطبقات الفقيرة ومظاهر المقارنة السلبية وسط عوالم الاستهلاك المدرسي الخصوصي، التيه وسط متاهات التفاهة، الانحرافات الخطيرة المعقدة، المخدرات، التسول ذو البعد التبرجزي الجديد والعدوانية الإنسانية، السطو، الاقتتال في الأحياء الشعبية والفضاءات العمومية، الانتحار.... إلخ.
وفي هذا، نستحضر حكمة ذ. أمجد الطرابلسي: "إن تأليف الرجال خير من تأليف الكتب".
أقتبس القول وأُنَصْنِصُ وفقه: إن تأليف مُعلم وطني، ومدرسة وطنية خير من بناء آلاف المدارس الخصوصية".
لست ضد التعليم الخصوصي، لكن في حدود إعطاء قيمة إنسانية، وأيضا في الدفع بالعلم والعلمية في ما بعد الإعدادي، أي تحقيق تنمية ومعرفة علمية، هذه العلمية تتطلب إمكانيات، فلا غرابة من تضافر جهود التعليم الخصوصي وما يتطلب من موارد مالية، لكن، نحن أمام طفل يتلمس أولى خطوات الحياة الوطنية والمبادئ الأولية في الأخلاقيات، إذن، نحن في الحاجة إلى العناصر الرئيسة في تشييد مغرب يسعى نحو التطلع إلى قيم إنسانية.
نسق لذة الطفولة:
يبدو أن الوعاء الذهني للطفل في علاقة بالمجتمع، قد نعتبره خزانا لذاكرة الغد، إذن، فعل إشباع وعاء نسق الطفولة بالحب المدرسي الوطني هو فعل -أكيد- سيحقق استجابة ما بعد الطفولة وسيُسهِمُ في البناء، ونقصد بالبناء كُليّة طرائق تفاعل هذا الخزان الذهني مع نسق الشباب وحالة استثمار الخزان في تفاعل الأنا المغربية مع الآخر ولو كان الآخر مغربيا أيضا. لم نصل بعدُ إلى المرحلة التاريخية الكنفانية: لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟ ولكن، نحن في مرحلة من الضروري إشباع الخزان الطفولي الإنساني بقيم الوطنية المغربية. إن لذة مذاق حياة الطفل(ة) عموما والمغربي اختصارا تنبعُ من الطفولة الوطنية، حيث إن قوة شباب الطفل تكمنُ في المنبع الوطني الرئيس، أي حليب المدرسة وأدب المُعلم. وإذا أكد غاستون باشلار على أن كل مشروب أمومي فهو مشروب إلاهي، ندفع بقولنا نحو: إن مشروب الوطن هو مشروب إلاهي، تفاعلا مع نسق المقاومة المغربية وشعار: الله الوطن الملك.
الوطن قاوَم مقاومة عادِلة عرفتها الأرض المغربية، وحققت قيما شريفة (بارود الشرف) (الجهاد الأصغر) (الجهاد الأكبر)، هذه القيم احتضنتها وسهرت على رعايتها مؤسسات الدولة الوطنية، وأسهمت في بلورتها نسقية الذات المغربية – رجالا ونساءً – على اختلافها اللغوي، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي والحقوقي.
مفتاح الفعل هو العطاء/ الإيثار:
الطفل وطنٌ، والمُعلم العظيم هو إنتاجية مدرسة عظيمة. ربما كرامة الوطن هي سلسلة تعاقدية وفق المثلث المعلم/المدرسة/ الطفل، إذن: المعلم الرسالة/ الرسول/ المدرسة، الوطن الفضاء، الأرض المغربية/ الطفل، مُتلقي الرسالة وحاملها، الوسيط مُعجزة السيرورة الإنتاجية من خلال ما أخذ من العطاء وأيضا ما هو ملزم بإرجاعه، علاقة تبادل وفرح، وليس علاقة عنف وحزن:
– مدرسة وطنية منبثقة من الهيئات الشرعية ومؤسسات الدولة، الوزارة، الأكاديمية، النيابة، النقابة، الحزب، المجتمع المدني والأسرة.
– المعلم: الفيلسوف العظيم، ثاني الآباء، المبدع الأول، الرسول في استيضاح عوالم الأخلاق وأبجديات التلقين والتمدرس.
– الطفل: المادة الخام، الوعاء الطفولي الذهني الذهبي، الخطوة الأولى في تحقيق الاستمرارية ودلالات العطاء/ الإيثار المتبادل.
العطاء وضد العطاء (Le don et anti-don)
بتعبير ذ.عبد الفتاح كيليطو من خلال ما جاء به مارسيل موسMarcel Mauss: البوتلاتش (potlatch) باعتباره مفهوما موسوما بالعطاء وضد العطاء. نصيغ فرضيتنا على قانون السببية، وعليه، هذا التبادل أو نقول "التعاقد في العطاء/ الإيثار" يكون إلزاميا بين الطرفين: الوطن -المدرسة الوطنية – والطفل الذي هو الذات/الأداة الوطنية مستقبلا، بمعنى أن شرط تحقق العطاء والعطاء المتبادل، يرتكز على مقولة الحب والتفاعل والإيثار حتى وإن كان طرفي العطاء أو أحدهما في وضعية أزمة، هذا الإيثار سيتحقق وشرط الحب والانسجام.
من يحب الطفل اليوم غدا سيجد -أكيد- ذاتا تحب الوطن وتهبه هبات لا محدودة باعتبار أن الإنسان هو من يصنع الأرض وليس العكس، في حين أن الوطن يصنع وطنيين / مواطنين، إنها جمالية ذوات مغربية تتفاعل وفق نسقية المشروب الأمومي "التمدرس الوطني" وإعادة إنتاج جمالية الطفولة. من الخطأ والحمق أن نقول إن التعليم مجاني، "المجانية" هنا كارثية لا قيمة ولا معنى لها، التعليم حب وضرورة، إنها نسق عطاء/ إيثار/تضحية، تبادل وتفاعل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.