من قلب الجزائر .. مستشار ترامب يوجه صفعة دبلوماسية بدعمه القاطع لمغربية الصحراء    الريسوني: تخلف وزارة الأوقاف سحيق لأنه مقدس وله حراسه.. وتخلف الدولة يسمى "الانتقال الديمقراطي"    ارتفاع الأصول المالية للأسر المغربية إلى 1109 مليار درهم    أسعار النفط تشهد استقرارا بعد تسجيل أدنى مستوى في أسبوع    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    "صحة غزة": ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 188 بينهم 94 طفلا    كفالة مالية تصل إلى 15 ألف دولار للحصول على تأشيرة أمريكا    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    بعد أيام من تركيبه.. مجهولون يخربون رادارا حديثا لرصد المخالفات المرورية    مالي تعلن تحرير أربعة سائقين مغاربة بعد 7 أشهر من احتجازهم لدى "داعش الساحل"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    توقيف قائد بعمالة مراكش للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المغرب ومالي ينجحان في تحرير 4 سائقين مغاربة اختطفتهم "داعش" في بوركينا فاسو    شبهات فساد مالي وإداري تهزّ مدينة مراكش وسط مطالب بفتح تحقيقات عاجلة    كيوسك الثلاثاء | المغرب من بين أفضل عشر دول إفريقية في الصحة النفسية للشباب    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    عمدة برلين يثمن التشديد في الهجرة    هولندا تدفع فاتورة أسلحة لأوكرانيا    حديقة دنماركية تخطط لتصفية حيوانات أليفة    اليابان تسجل "درجات حرارة قياسية"    الصين: نمو تجارة الخدمات بنسبة 8 بالمائة في النصف الأول من 2025    مصرع شخصين في حادثة سير مروعة بضواحي طنجة    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    سلطات المضيق تباغث من جديد المركبات السياحية والسكنية وتحجز عشرات المظلات والكراسي    منخرطو الوداد يطالبون أيت منا بعقد جمع عام لمناقشة وضعية الفريق عبر مفوض قضائي    ديون وادخار الأسر المغربية.. قروض ضمان السكن تتجاوز 32 مليار درهم    المندوبية السامية للتخطيط: جهة الشمال تسجل أدنى معدل في البطالة بالمغرب    من قلب الجزائر.. كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية يكرّس الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ويدعو لمفاوضات على أساس الحكم الذاتي    الانتخابات التشريعية في خطاب العرش: رؤية ملكية لاستكمال البناء الديمقراطي وترسيخ الثقة    قضية حكيمي تثير جدلًا حقوقيا وقانونيا.. ونشطاء فرنسيون يطالبون بإنصافه    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    أولمبيك آسفي يتعاقد رسميا مع الإيفواري "أبو بكر سيلا"    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق أوبك على خفض الإنتاج    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان شهر التحرير والتنوير
نشر في هسبريس يوم 23 - 07 - 2013

من المعلوم لكل مسلم أن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام، ومعنى ذلك أن دوره أساسي وضروري في قيام الدين وحفظه وبقائه وزيادته، وأن المجتمع والفرد الذي يصوم رمضان يقوم بحفظ دينه وتقويته. وإذا عرفنا أن الدين عقيدة وخلق وقانون، فإن الصيام يسهم في تقوية العقيدة والخلق والالتزام بالقانون.
ويحقق الصيام ذلك كله بأمرين اثنين: التحرير والتنوير.
شهر التحرير
الإنسان لا يحقق إنسانيته إلا بالحرية، وللحرية عمقان:
عقلي وهو أنه لا لعبودية لأحد من البشر إلا لله سبحانه، وكل من وما تعبد الناس له فهو طاغوت، أمر الإسلام بالكفر به، وهذا العمق العقلي للحرية تكفلت بتحقيقه عقيدة التوحيد، ومنها مخافة الله ورقابة الله، التي نجدها في الصيام.
والعمق الثاني للحرية هو عمق أخلاقي نفسي، أي تحرر الإنسان من ضغوط نفسه وغيره وبيئته، أي تحرره من شهواته أساسا، شهوة الكرسي، وشهوة المال، وشهوة الجنس، بحيث يكون رجل مبادئ وأخلاق، لا عبد شهواته يدور معها حيث دارت.
طبعا لا عاقل يقول بأن التحرر من الشهوات والضغوطات تحرر كامل، فهذا ضد على طبيعة البشر، الذي زين لهم "حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث"، ولكن المقصود التحرر النسبي منها بحيث لا تصادر هذه الشهوات الاختيارات العقلية للإنسان، أي لا تصادر التحرر العقلي الذي يميز الإنسان عن الحيوان.
وهذا التحرر الأخلاقي هو من أعظم مقاصد رمضان، وهو من أعظم وسائل التقوى، فالصائم يتحرر من شهوات بطنه وفرجه، تقربا إلى الله وحده لا شريك له، وهذا التحرر يمتد لكل المطامع والشهوات, و"المطامع أساس الاستعباد والشهوات قيود الأسر، وأساس الحرية الاستغناء، والاستغناء يستتبع المشقة، ولكنها مشقة عذبة لذيذة لأنها ستنتج الحرية، والحرية أحلى من الحياة" (حسن البنا).
وهذا التحرر الأخلاقي والنفسي هو ما عبر عنه القرآن بنهي النفس عن الهوى، وهذا النهي للنفس عن الأهواء لا يمكن أن يقوى عليه الإنسان إلا إذا استحضر رقابة الله، وارتبط بالخوف من الله والتقرب إليه، وليس خوفا من أحد من البشر، ولهذا فنهي النفس عن الهوى هو سر النجاح والنجاة كما نص القرآن (فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى).
وهذا هو السر العظيم في رمضان، فهو يمرن أقسى تمرين على الرقابة الإلهية، والانضباط الخلقي، أي بين تحرير الإرادة البشرية من الخضوع لغير الله، وهذا التحرر العقدي والفكري، ومن المكبلات الشهوانية، وهذا هو التحرر الخلقي، فيا له من مشهد ملائكي أن الإنسان بإمكانه أن يشرب ويأكل خاليا، ولا يفعل ذلك قربة لله، ولهذا جعل الله تعالى أجر الصيام سرا عظيما لم يطلع عليه أحد من ملائكته أو أنبيائه أو خلقه، ففي الحديث الصحيح عند البخاري: (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها). ولعل لهذا نجد عددا من العلماء يرون أن صالحي البشر أفضل من الملائكة، وتوسط آخرون فقال البشر أفضل باعتبار النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية.
إن الإنسان هو كائن حر، وحريته لا تكون إلا بأن يكون كائنا موحدا، ويكون كائنا متخلقا. وهذا ما يهدف إليه الإسلام من خلال تشريعاته، ومنها الصيام. ولهذا فالصائم حقا هو الصائم المتخلق، ومن ساء خلقه ساء صيامه، وساء دينه، ففي الحديث "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري، "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر" رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والحاكم.
وهذا التحرير العقلي الفكري، والتحرير الخلقي النفسي، الذي يهدف إليه الإسلام، يصنع لنا الإنسان الحر، والإنسان الحر، والمجتمع الحر، لن يقبل باستبداد، ولا استعمار، ولا تقليد أعمى، ولا تبعية وذيلية، حتى لشهواته ومطامعه، فكيف بشهوات غيره ومطامعه وأفكاره، وهذا سر حضاري عظيم في الإسلام وتشريعاته.
شهر التنوير
الله نور سبحانه، وأنزل للبشرية نورا مبينا، هي كتبه التي فيها كلامه، ففي التوراة ورد قوله سبحانه {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} (المائدة:44)، قال الطبري: فيها جلاء ما أظلم عليهم، وضياء ما التبس من الحكم، وقال ابن كثير: "ليُستضاء بها في كشف المشكلات، ويُهتدى بها من ظُلَمِ الشبهات". نظيره قوله سبحانه: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس} (الأنعام:91)، وبعد نور التوراة جاء نور الإنجيل {وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين} (المائدة: 46).
أما القرآن فهو نور يهدي إلى صراط مستقيم، { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور} (الشورى: 52-53). قال الطبري: يعني ضياء للناس، يستضيئون بضوئه الذي بين الله فيه، وهو بيانه الذي بين فيه، مما لهم فيه في العمل به الرشاد، ومن النار النجاة.
فالقرآن هو نور الأنوار الإلهية، وأعظمها تأثيرا في تاريخ البشرية، ورمضان هو شهر القرآن، سماعا في التراويح، ولهذا يستحب التطويل فيها من أجل القرآن، وقراءةً ومدارسةً، ولهذا جرت عادة السلف الصالح أن يتركوا ما ليس محتاجا إليه من العلوم في رمضان، ليتفرغوا للقرآن، ولا يقف التنوير بالقرآن عن طريق سماعه وقراءته ومدارسته، بل لا بد أن يتعداه إلى تنشيط الحياة الثقافية بالإبداع الفكري والأدبي والفني المستنير بنور القرآن، ولهذا نجد أن السوق الثقافية في رمضان أنشط من غيره من الشهور على الإطلاق، وتلك حسنة من حسنات رمضان.
وهذه الحالة الثقافية للأمة التي تشع بالقرآن في رمضان، تتكرر على ملايين المسلمين سنويا، وهي حالة لا بد أن تؤتي أكلها، في إخراج الناس من ظلمات المشاكل إلى نور الحلول، وظلمات الجمود إلى نور الإبداع، وظلمات الجهل إلى نور العلم، هذا الإخراج لا مناص أن يكون بالتفاعل بين نور الوحي الإلهي، ونور العقل البشري، (نور على نور).
ولكن التنوير بالقرآن تمارس عليه عمليات تشويش، وتشويه، تحول دون الاستنارة المثلى به، لأن هذه الاستنارة تحتاج إلى شروط ذاتية وموضوعية، فيها خلل كبير في عصرنا الحاضر، نظرا لعملية الفساد والإفساد الممنهج الذي تعرضت لها الأمة عقودا طويلة، ولكن الأمة بدأت تصحو، وهي صحوة موعودة بالنصر والظهور، (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} (التوبة: 32-33).
*عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.