وهبي يقدم مشروع قانون المسطرة الجنائية المعدل أمام مجلس النواب    المغرب يدعم مبادرة حل الدولتين لأنهاء مأساة الفلسطينيين    أحد شدا رئيس جماعة بني ملال يمثل اليوم أمام الوكيل العام للملك    "أمان"، دورية شرطة ذكية تضع المغرب في مصاف البلدان الرائدة في المجال الأمني    البرلمان يقر قانون المفوضين القضائيين الجديد في قراءة ثانية    40.1% نسبة ملء السدود في المغرب    "حماة المال العام" يؤكدون غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد ويحتجون بالرباط على منعهم من التبليغ    عطل في شبكة "تيلفونيكا" يشل الإنترنت وخدمة الطوارئ بإسبانيا    رئيس حزب عبري: إسرائيل تقتل الأطفال كهواية.. وفي طريقها لأن تصبح "دولة منبوذة" مثل نظام الفصل العنصري    دو فيلبان منتقدا أوروبا: لا تكفي بيانات الشجب.. أوقفوا التجارة والأسلحة مع إسرائيل وحاكموا قادتها    الوداد يستعد للمونديال بوديتين أمام إشبيلية وبورتو ويتجه إلى أمريكا في يونيو    الوداد الرياضي يُحدد موعد سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية    مسؤولون دوليون يشيدون بريادة المغرب في مجال تعزيز السلامة الطرقية    استئنافية الرباط تؤجل محاكمة الصحافي حميد المهدوي إلى 26 ماي الجاري    الاهتمام الثقافي في الصين يتجلى: أكثر من مليار و400 مليون زيارة للمتاحف خلال عام 2024    مشاركة أعرق تشكيلات المشاة في الجيش الإسرائيلي في مناورات "الأسد الإفريقي" بالمغرب    تيمور الشرقية: ملف الصحراء المغربية يطرح بقوة على طاولة المؤتمر الإقليمي اللجنة ال24 الأممية    المغرب والإمارات يعلنان شراكات ب14 مليار دولار في مشاريع طاقة ومياه    صلاح رابع لاعب أفريقي يصل إلى 300 مباراة في الدوري الإنجليزي    يوسف العربي يتوج بجائزة هداف الدوري القبرصي لموسم 2024-2025    لهذه الأسباب قلق كبير داخل الوداد … !    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    توقيع مذكرة تفاهم بين شركة موانئ دبي العالمية والهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ماكرون وستارمر وكارني يهددون إسرائيل بإجراءات "عقابية" بسبب أفعالها "المشينة" في غزة    العدالة والتنمية يحذر من فساد الدعم وغياب العدالة في تدبير الفلاحة    مكالمة الساعتين: هل يمهّد حوار بوتين وترامب لتحول دراماتيكي في الحرب الأوكرانية؟    طقس حار نسبيا في توقعات اليوم الثلاثاء    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بالجديدة.. مناسبة لتحسيس الأطفال بموضوع اختفاء القاصرين    الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة أساسية لتنمية شاملة ومستدافة" شعار النسخة 6 للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بوجدة    جماعة الجديدة تطلق صفقة لتهيئة شارع K في حي المطار بقيمة 185 مليون سنتيم    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    "win by inwi" تُتَوَّج بلقب "انتخب منتج العام 2025" للسنة الثالثة على التوالي!    عامل إقليم العرائش في زيارة تفقدية إلى شاطئ رأس الرمل استعدادًا للموسم الصيفي 2025    شاطئ رأس الرمل... وجهة سياحية برؤية ضبابية ووسائل نقل "خردة"!    عامل إقليم العرائش يوافق مبدئيًا على استعمال الجيتسكي صيف 2025 بشروط صارمة    أن تكون فلسطينياً حين تُستدعى أمنيّا: في انحطاط الخطاب الحقوقي وتحوّلات النضال الرمزي!    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    مستشفى صيني ينجح في زرع قلب اصطناعي مغناطيسي لطفل في السابعة من عمره    إننا في حاجة ماسة لحلبة سباق سياسي نظيفة    حفل "الكرة الذهبية" يقام في شتنبر    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    المهرجان الدولي لفن القفطان يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    إيهاب أمير يطلق جديده الفني "انساني"    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    مدرب منتخب أقل من 20 سنة: اللاعبون قدموا كل ما لديهم والتركيز حاليا على كأس العالم المقبل    مرسيليا تحتفي بالثقافة الأمازيغية المغربية في معرض فني غير مسبوق    العيش البيئي واقتصاد الكارثة    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    النصيري يسكت صافرات استهجان    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احسان الفقيه تكتب: القائد المُهرِّج... من هو؟
نشر في هوية بريس يوم 12 - 03 - 2018


هوية بريس – احسان الفقيه*
المُهرِّج، ذلك الفنان الذي يُغير معالم وجهه بمستحضرات التجميل، ويرتدي ملابس غريبة ذات أحجام كبيرة، كم أضحك الناس كبارا وصغارا، وربما أبكاهم أيضا، كما فعل الممثل الهندي راج كومار في رائعته «ميرانام جوكر»، عندما أدى في الفيلم فقرة كوميدية بعد وفاة أمه، اختلطت فيها دموعه الحقيقية بالزائفة، يُضحِك خلالها الجماهير وقلبه مُمزق نازف.
لكن المُهرج ليس فقط من يُضحك الناس ويرسم على وجوهم البسمة أو يبكيهم شفقة وتأثُّرا، فأحيانا يتسلط على رقابهم، ويدفن كرامتهم، ويستبيح دماءهم وأرزاقهم، ذلك هو القائد المهرج، وفق أحد تقسيمات أساتذة العلوم السياسية وخبراء الإعلام لأنواع القادة، فإنهم قالوا إن هناك نوعين من القادة، القائد المهرج، والقائد الزعيم، ولكُلٍّ منهما سماته ومسالكه.
للوهلة الأولى قد يبدو للقارئ، أن وصف القائد الطاغية بالمُهرج لا يناسب أحواله من الجوْر والاستبداد، إلا أن المُتخصّصين أحسنوا التوصيف من وجهة نظري، فالحاكم الطاغية المُستبد أشبه ما يكون في حكمه بالمُهرج في فوضاه وعدم منطقية قراراته ومسلكه، إضافة إلى خداع الآخرين، وتخدير عقولهم بحركاته البهلوانية، وبالتالي استنزاف أموالهم، فهو كما قال عبد الوهاب المسيري في وصف الجيل الأول من أبناء المهاجرين من يهود اليديشية لدخول المجتمع المُضيف: «يسْخَر من نفسه ليُضحك الآخرين، في الوقت الذي يَضحك هو عليهم فيه ويأخذ أموالهم».
وبالمناسبة، اليديشية هي لغة يهود أوروبا التي تشكلت منذ حوالي ألف عام من عدة لغات الآرامية والألمانية والإيطالية والفرنسية والعبرية.
لقد تملكني العجب عندما قرأت في بعض كتب مختار التهامي، رحمه الله –أقدم عمداء كلية الإعلام في جامعة القاهرة وأستاذ الرأي العام– حديثا له عن القائد المُهرج، فبدا كأن الرجل ينقل في كتبه واقع قادة بعينهم، نعرفهم بسيماهم. فالقائد المُهرج كما يصفه التهامي يصل إلى الحكم عادة في أوقات الأزمات العنيفة، وعندها تحين الفرصة لكي ينْقضَّ هذا الحاكم على الدولة ويُمسك بزمام الأمور فيها، ويستولي على قيادتها بالأماني والوعود المعسولة التي يُوزعها بلا حساب، مستغلا الحالة النفسية والعقلية للجماهير، وتعاوُن القُوى الرجعية معه. فسبحان الله، كلام يُجسّد واقع حكام مستبدين، استغلوا أزمات البلاد، وقفزوا على الحكم، وباعوا الأوهام لشعوبهم، ووعدوا بمشروعات ضخمة زعموا أنها ستحدث نقلة بعيدة في الاقتصاد تزدهر معها حياة المواطنين.
لكن هذا القائد المُهرج الذي يبيع الوهم، سرعان ما ينقلب ويُفصح عن وجهه الحقيقي القبيح، فيحكم الأمة بالحديد والنار، ويُصادر الحريات ويسوق الشعب سوْق القطيع ليحقق رغباته الأنانية، أو رغبات أسياده المختفين وراء الستار. وهذا اللون من القادة يعتبر الشعب وسيلة لا غاية، وهو في الوقت نفسه يحتقر الجماهير ويخافها، ويسوقها ولا يقودها، ويُخضعها ولا يُخلص لها، بمعنى أوسع يتخذ من كتاب «الأمير» لمكيافيللي دستورا له، حيث تصبح الغاية مُبرِّرة لكل وسيلة، أي وسيلة.
ولئن كان هتلر يُؤخذ كمثال على هؤلاء القادة الذين أضرّوا ببلادهم وبالعالم بأسره، إلا أن الزعيم النازي كان مُخلصا لعرقه وقوميته، وأراد لذلك الجنس الآري التفوق، بخلاف المُهرجين في بلاد العرب، الذين لا ينظرون إلا إلى البقاء فوق العروش أطول فترة ممكنة، قبل أن يداهمهم الموت أو تأكلهم الشعوب أو يبيعهم الأحلاف والأسياد.
هذا النوع من القادة، لا ينْفكّ عن التلَبُّسِ بِمُصارعة التفاهات التي لا تخدم الأمة والشعوب، فأصدق ما يمكن أن تُوصف بها سياساته، أنها تعني الصراع مع التفاهة بما فيها التفاهات الشخصية، حسب تعبير الرئيس التشيكي الظريف المُثقّف ميلوش زيمان.
أما الدكتور سرمد الجادر أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، فيطرح في كتابه «تطور الحرب النفسية في السياسة الصهيونية»، فرقا جوهريا بين القائد المهرج والقائد الزعيم، فالأول لا يُخاطب سوى عواطف ومشاعر الجماهير ليُلْهبها ويُثيرها، ناقلا المجتمع إلى حالة الهيجان والتوتر، بل إنه لا يتوانى عن استخدام الكذب في تعامله، والثاني قائدٌ مُدرك لأهدافه، ويُخاطب عقول الجماهير معتمدا على الصراحة والثقة، وإذا استخدم أسلوب إثارة الحماس الجماهيري، فإنما يخدم به الجماهير والمصالح الكلية العليا لا أغراضه الشخصية.
وهو يأتي إلى سُدّة الحكم بالاختيار السليم والإرادة الشعبية الكاملة، لا يدّعي العصمة ولا حيازة الحق المطلق، يستفيد من الأخطاء التي نتجت عن التجارب، يُؤمن بالعلم وحرية الرأي، ويضع نصب عينيه أن الشعب هو الزعيم الحقيقي، وأن بقاءه مرتبط بقناعات الشعب بصلاحيته وأهليته للحكم عن طريق الانتخاب الحر، يستجيب لمطالب الشعب ويُعبر عنها ويسعى لإيجاد الوسائل لتحقيقها.
أتخيل لو أنني تحدثت عن القائد الطاغية المهرج من تلقاء نفسي بدون الاستناد إلى تعريفات أهل التخصص، لسارع البعض إذن إلى القول بأنني مدفوعة بمواقف شخصية تجاه بعض الحكام، لكن تناول هؤلاء الخبراء والمتخصصين للقادة المهرجين يُضفي على الحديث بُعدا موضوعيا، بعيدا عن الأحاديث الإنشائية العاطفية، ومن ثم يكتسب مصداقية لدى الجماهير، ربما تمكنوا من خلالها من تقييم حكامٍ خدعوا شعوبهم فانساقت وراءهم كالقطعان.
إن من ينظر في حال الأمة، يُدرك بدون عناء أنها وقعت في معظم أرجائها تحت حكم
المُهرجين، إلا مَن رحم ربك وقليل ما هم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
* كاتبة أردنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.