الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد الاشتراكي
الأحداث المغربية
الأستاذ
الاقتصادية
الأول
الأيام 24
البوصلة
التجديد
التصوف
الجديدة 24
الجسور
الحدود المغربية
الحرة
الدار
الرأي المغربية
الرهان
السند
الشرق المغربية
الشمال 24
الصحراء المغربية
الصحيفة
الصويرة نيوز
الفوانيس السينمائية
القصر الكبير 24
القناة
العرائش أنفو
العلم
العمق المغربي
المساء
المسائية العربية
المغرب 24
المنتخب
النخبة
النهار المغربية
الوجدية
اليوم 24
أخبارنا
أخبار الجنوب
أخبار الناظور
أخبار اليوم
أخبار بلادي
أريفينو
أكادير 24
أكورا بريس
أنا الخبر
أنا المغرب
أون مغاربية
أيت ملول
آسفي اليوم
أسيف
اشتوكة بريس
برلمان
بزنسمان
بوابة القصر الكبير
بوابة إقليم الفقيه بن صالح
أزيلال أون لاين
بريس تطوان
بني ملال أون لاين
خنيفرة أون لاين
بوابة إقليم ميدلت
بوابة قصر السوق
بيان اليوم
تازا سيتي
تازة اليوم وغدا
تطاوين
تطوان بلوس
تطوان نيوز
تليكسبريس
تيزبريس
خريبكة أون لاين
دنيابريس
دوزيم
ديموك بريس
رسالة الأمة
رياضة.ما
ريف بوست
زابريس
زنقة 20
سلا كلوب
سوس رياضة
شباب المغرب
شبكة أندلس الإخبارية
شبكة دليل الريف
شبكة أنباء الشمال
شبكة طنجة الإخبارية
شعب بريس
شمال بوست
شمالي
شورى بريس
صحراء بريس
صوت الحرية
صوت بلادي
طنجة 24
طنجة الأدبية
طنجة نيوز
عالم برس
فبراير
قناة المهاجر
كاب 24 تيفي
كشـ24
كود
كوورة بريس
لكم
لكم الرياضة
لوفوت
محمدية بريس
مراكش بريس
مرايا برس
مغارب كم
مغرب سكوب
ميثاق الرابطة
ناظور برس
ناظور سيتي
ناظور24
نبراس الشباب
نون بريس
نيوز24
هبة سوس
هسبريس
هسبريس الرياضية
هوية بريس
وجدة نيوز
وكالة المغرب العربي
موضوع
كاتب
منطقة
Maghress
حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني
الصحراء المغربية.. توافق دولي لا رجعة فيه حول مغربية الصحراء ودعم ثابت للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لهذا النزاع الإقليمي
المغرب يعيد فتح سفارته في دمشق تنفيذا لتعليمات جلالة الملك
مراكش.. توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية مطلوب لدى السلطات القضائية الفرنسية
بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر
أكثر من 790 مليون شخص في 12 دولة عانوا من درجات حرارة قصوى في يونيو 2025
مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض رقم 54.23
أزيد من 160 مفقودا بفيضانات تكساس
لبؤات الأطلس تواجه الكونغو الديمقراطية وعينهن على صدارة المجموعة في "كان السيدات 2024"
إنريكي يشيد بحكيمي قبل مواجهة ريال مدريد في نصف نهائي مونديال الأندية
بنسعيد: التحولات التي يشهدها قطاع الصحافة أفرزت الحاجة إلى تحيين الإطار التشريعي المنظم لمهنة الصحافة
الوكيل العام بالرشيدية ينفي تعرض طفل بومية لاعتداء جنسي ويكشف نتائج تشريح الجثة
نشرة إنذارية من المستوى البرتقالي: زخات رعدية قوية بعدد من مناطق المملكة
الزيّ والرقص والإيقاع.. مهرجان مراكش للفنون الشعبية يروي حكاية الانتماء
المدافع المغربي محمد حمدون ينضم إلى ريال بيتيس إشبيلية
محكمة إسبانية تدين أنشيلوتي بالحبس
إسرائيل تنفذ عملية برية بجنوب لبنان
اليونان توقف طلبات اللجوء للأفارقة
ترامب يدفع بتطبيع موريتانيا وإسرائيل
21 قتيلا و2931 جريحا بحوادث السير
الحسيمة.. سقوط سيارة في منحدر بجماعة أجدير
المغرب يفتح باب المشاركة بالأوسكار
"مجرم حرب يدعم تاجر سلاح".. بوريل ينتقد ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل
هذه توقعات أحوال الطقس بالريف واجهة الشرقية اليوم الأربعاء
الوكالات الجهوية للتعمير والإسكان: مقاربة قانونية لإصلاح المنظومة العمرانية في المغرب
الغرفة الثانية تصادق على مشروع قانون المسطرة المدنية
أصيلة تحتضن الدورة الخامسة للأكاديمية المتوسّطية للشباب من 11 إلى 19 يوليوز
بنسعيد يقدم شروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة ويعلن رفع تمثيلية "الناشرين"
نسبة تقدم أشغال إنجاز سد الرتبة بإقليم تاونات تصل إلى حوالي 30 في المائة (وزير)
بنك المغرب: 58% من المغاربة يمتلكون حسابات بنكية بنهاية 2024
الحسابات الوطنية توضح المسيرة الإيجابية للاقتصاد الوطني
سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة
رياض: "أبذل قصارى جهدي للعودة للميادين وهدفي هو المشاركة في "الكان"
أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة
الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025
عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!
كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية
ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟
أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي
كأس العالم للأندية لكرة القدم.. تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي (2-0)
الدوري الإنجليزي لكرة القدم.. سندرلاند يضم الظهير الأيسر رينيلدو ماندافا قادما من أتلتيكو مدريد الإسباني
من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب
الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي
تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي
الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا
ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال
دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي
التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية
دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة
"مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية
التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي
التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً
التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس
طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
التّدَيُّنُ وَالتَّعْلِيمُ وَظَاهِرَةُ التّطَرُّفِ الدِّينِيِّ
عبد الله كوعلي
نشر في
هوية بريس
يوم 18 - 03 - 2019
بِسمِ الله الرّحمنِ الرحيمِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على رَسولِ الله.
يشْهد العالمُ في العقودِ الأخيرةِ تناميّاً حادّاً للفِكر المُتَطرِّف، الذي يميل إلى الإقصاء وكُرهِ الآخر، والعملِ على مصادرةِ الحقِّ في الرّأيِ وعدمِ قبولِ الاختلافِ. إلّا أنّ ظاهرةَ التّطرفِ ليْستْ دِينية دَائماً -كما يظُنّ البعضُ- إذْ في الوقتِ الذِي نَجدُ فيه متديّناً متَطرِّفا نجدُ أيْضا عَلمانيّا متطرِّفاً ومُلحداً متطرِّفا، فالتّطرفُ صفةٌ قبيحةٌ وناشزةٌ تَعتَري مُختلفَ التّوجهاتِ الدّينيةِ أو الفِكريّة، لكنْ هدفَنا في هذه المقالةِ بيانُ مردِّ التّطرف الدينيّ ومنشئهِ.
أولا: فطريةُ التّدينِ
يقول ابنُ منظور في لسانِ العَرب: "والفِطرةُ مَا فطرَ اللهُ عليهِ الخلقَ، من المَعرفةِ بهِ، وقد فَطرَهُ يفطُرهُ (بالضَّم) فَطْراً أيْ خَلقَهُ" ]1 [ فَالفِطرةُ هِي الخِلقةُ التي خُلق عَليهَا الإنسانُ، والسّجيّةُ التي جُبلَ عليهَا المرءُ منذُ ولادتِه، وتَتَمثَّل في المُيُول إلى التّديُّنِ والنُّزوع الغَريزِيِّ إلى السُّلوكِ الدِّينيّ. ولوْ دَقّقْنا أكثَر لقُلنَا إنّ الفِطرةَ التي خُلقَ عليْها الإنسانُ فِي جَانبِها الدِّينيِّ هِي التّوحيدُ، وإِنّ اعتناقَ غَيرِها اِنحرافٌ عنْها. ومِصدَاقُ ذلك في الذّكر الحَكيم قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ) ]الأعراف/172 [ ، يقول العلامةُ المكّي الناصِري رحمهُ اللهُ: "أقْدَمُ وأَوَّلُ ميثاقٍ أخَذَه اللهُ عَلى كافَّةِ العِبَادِ وهُم لا يَزالونَ فِي أصْلابِ آبَائِهم سرّاً مِكنوناً فِي عَالم الغَيبِ، وهذا المِيثاقُ هُو ميثاقُ فِطرةِ اللهِ التي فَطرَ النَّاس عليها، وهُو يتضمّن في جَوهرهِ الإقرارَ بِربوبيّة اللهِ وبِعبوديةِ الإنسانِ، على أساسٍ من التّوحيدِ والإيمانِ. فما مِن إنسانٍ إنسانٍ وُكِلَ إلى فطرتِهِ الأولى، ولم تتعرَّض فطرتُه لعواملِ التَّشويهِ والإفسادِ، إلَّا وَهو مُقِرٌّ بألوهية اللهِ ورُبوبيّتِهِ للعبادِ، ومُعترِفٌ منْ أعمَاقِ قلبِهِ بِهذا المِيثَاقِ" ]2 [ فَانطِلاقاً من هذا الكلامِ نَعِي أنَّ التَّدينَ سُلوكٌ فطريٌّ لازمٌ لِلإنسانِ منْذ نَشأتِه على هذه الأرضِ. وقَد أقَرَّ الفيلسوفُ الفَرنسيّ هِنْري بِرغْسون بِهذهِ المُلازَمةِ الضَّاربَة في المَاضي السَّحيقِ فيَقولُ: (فَلقَد نَرَى في السَّابِق أوْ في الحَاضِر مُجتمعاتٍ إنسانيةً لا حَظَّ لَها مِن علمٍ أو فَنٍّ أو فَلسَفةٍ، ولكنّا لا نَعرِفُ مُجتَمعاً لا دِينَ لهُ) ]3 [، ويُحاولُ الدّكتور عبد الله الخَريجي أنْ يُقدِّم تفسيراً نفسيّاً واجتماعيّاً لهذه المُلازمةِ المطَّرِدَةِ بيْن الإنسانِ والتّدَيّن فيَقولُ: (إنّ الإنسانَ بفِطرتِه لا يُمكنُ أنْ يَستَقِرَّ في هَذا الكوْنِ الهائلِ ذّرةً تائهةً معلَّقةً ضائعةً، إذْ لابدَّ لهُ من رِبَاطٍ مُعيَّنٍ في هذا الكونِ يضْمنُ له الاستقرارَ ومعرفةَ مكانِهِ في هذا الكونِ الذي يعيشُ فيهِ، ولذَلك لابُدَّ له منْ عقيدةٍ تُفسِّر له ما يُحيطُ به وتُفسِّر له مكانَه فيما حولهُ، فالدِّين ضَرورةٌ فطريَّةٌ شعوريَّةٌ لا علاقةَ لهُ بمُلابَساتِ العصْرِ والبِيئةِ، وكمْ كانَ شقاءُ الإنسانِ وحيرتُه وضلالُه حينَ اخْطأ في فَهمِ حقِيقةِ هذا الارتِباطِ وهذَا التَّفسيرُ، أيْ أنَّ حاجةَ الإنسانِ إلى الدِّين حاجةٌ فطريّةٌ مُركَّزةٌ في طبيعتِه النّفسيّةِ ومغروسَةٌ في شعورِهِ) [4].
إنَّ فِطريَّةَ التَّديُّن حقيقةٌ يُقرُّها القُرآنُ الكريمُ، وتُؤكدُها مختَلفُ العلومِ، ويُصدِّقهَا الوَاقعُ، فلا سَبِيلَ لاعتِقادِ أَنّ التّديّنَ أمرٌ عَارضٌ أو سُلوكٌ مكْتَسَبٌ يُمكنُ الاسْتِغْناءُ عنه بسُهولةٍ، كَلَّا إنَّهُ شعورٌ فطريٌّ راسخٌ، يستحيلُ تَبديلُه، قال اللهُ تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم/30].
ثانيا: تَدبِيرُ الشَّأنِ الدِّينيّ، نَماذجُ ونتائجُ
عطْفاً على مَا تَقدَّمَ ذِكْرُه في المِحورِ السّابقِ من قَاعدةِ فِطريّةِ الشُّعورِ الدِّينيِّ والنُّزوعِ الجِبِلِّيِّ إلى التَّديُّن الرّاسِخِ فِي الكَائنِ البَشريِّ، فإنّه لنْ يَبْقى أمَامَنا سِوى التّعامُلِ الإيجَابيِّ معَ الدِّينِ في حُدودٍ معيّنَةٍ تُراعي منهجَ الوسطيّةِ. إِلا أنَّنَا في هَذا المَقامِ آثَرنَا أنْ نَدرسَ نَموذجيْن في التَّعاملِ مع الدِّين، أحدُهما سلَك مسْلكَ الإفْراطِ والتَّشدُّد فيهِ وهُو النَّموذجُ الدِّينيُّ السّعوديُّ، أمّا ثانيهما فقَد سَلكَ مسلكَ التّفريطِ فيهِ ومُواجهتهِ وهو النّموذجُ التّونسيّ. وسَيَتَبَيَّنُ لكَ أيّها القارِئُ الكريمُ كمَ سَاهَم هذان النّموذجانِ في إنتاجِ المُتَطَرِّفين والمُتَشَدِّدينَ، إما بطريقةٍ مُباشرةٍ أو غيرِ مُباشرةٍ.
1- النّمُوذَجُ الدِّينيُّ السّعودِيُّ
إنّ النَّموذَجَ الدِّينيَّ السَّعوديَّ يقومُ عَلى الإفراطِ في كُل مِن التَّبْدِيعِ والتَّحريمِ والتَّكفيرِ، وهيَ أحْكَامٌ تَتَرتَّبُ عليها نتائجُ ثقيلةٌ كَوجُوبِ المُحاربَةِ واستِحْلالِ الدَّمِ وغيرِها، وَهو أسْلوبٌ أبْعدُ ما يَكونُ عنِ الحكمةِ والوسطيَّة والاعتِدالِ التي دَعَتْ إليها الشّريعةُ السَّمْحةُ. وبسبَبِ الإفراطِ فيمَا ذكرنَاهُ، نَهج مُحمدُ بنُ سعودٍ -المُؤسِّسُ الأولُ للدولةِ السّعوديةِ – وأتباعَه مِمَّن تَأثّروا بالشيخِ محمّد بنِ عبدِ الوهاب مَنهجَ العُنْفِ والقتالِ بالسّيفِ ضدَّ المُخالفينَ بدعوى كَونِهم أَهلَ بِدعٍ ومحدثاتٍ، ويُبَيِّنُ الدّكتور أبُو زُهرة -رحمه الله- أنماطَ تَشَدُّدِهم، وذَكرَ منْ بينِها أنَّهم: (لمْ يكتَفُوا بِجعلِ العبَادَةِ كمَا قرَّرهَا الإسلامُ في القُرآن والسُّنَّة وكَما ذَكرَ ابنُ تيْميةَ، بل وأرادُوا أنْ تَكونَ العباداتُ أيضاً غيرَ خارجَةٍ عن نطاقِ الإسلامِ، فيلتزم المسلمون ما لتزمَ، ولِذا حرّمُوا الدُّخانَ، وشَدَّدوا في التَّحريمِ، حتّى أنّ العامّة منهم يعتَبِرونَ المُدَخِّنَ كالمُشركِ، فكانوا يُشبِهونَ الخَوارجَ الذينَ كَانوا يُكفِّرونَ مُرْتَكبَ الذَّنْبِ) ] 5 [. فهذِه أهمُّ سِماتِ النَّموذجِ الدِّينيِّ المُتَشدِّدِ الذِي تَتَبَنَّاهُ السّعوديّة، وقد فَصَّل في المَوضوعِ أكثرَ الدّكتور أحمد الرّيسُونِي في مَقالٍ لَه بِعنوان "الإسلامُ السّعودي، من الازْدهارِ إلى الاندِحارِ" وقد نُشِرَ في مَواقعَ إلكترونيةٍ كثيرةٍ.
2- النّموذجُ التّونسيُّ في التَّعامُل مَع الدّينِ
لم نُسَمِّه نَموذجاٌ دِينيّاً، بسببِ أنَّ الدّولةَ التّونسيّةَ في زمنِ حكمِ كلٍّ منْ بُورقيبَة وبْنعلي، وَقَفتْ في مواجهةِ الدّينِ وتَحدِّيهِ، ومُحاربَة مظاهرِ التّديُّن في البِلادِ، وحَاولتْ بالقوَّةِ طمسَ المَعالمِ الظاهرةِ للإسلامِ في المُجتمعِ التّونسيِّ المُحافِظِ، وعليهِ فإنّ تُونُس آنذاكَ لمْ تَتَبنَّ علمانِيةَ (محايِدةً) تُعطي الحرّيّة للأفرادِ والجَماعاتِ، بلْ تَبَنَّتْ علمانيةً متَطَرِّفةً ومتَشدِّدَةً، نَصَبَتْ العدَاءَ للدِّين فأغلقتْ المُؤسّساتِ المُهتمَّة بالتّعليمِ الدِّينيّ من بينِها جَامع الزيتونة، وفَرضَت الرَّقابَةَ على المساجدِ والخُطَب واضْطَهَدتْ الأحزابَ والحركاتِ الإسلاميةَ ومنَعتْ المُحَجّباتِ من وُلوجِ الجَامعاتِ والمُؤسسّاتِ العموميةِ … فعمِلت على استبدال الهُوية الغَربيةِ بالهويةِ التّونسيَّةِ، دُون تفويضٍ من الشّعبِ المُسلمِ.
3- حَصِيلةُ النّموذجَينِ
إذَا تأمّلنا النّموذجينِ السّابقينِ في التّعاملِ معَ الدّينِ فإنّنا سنُلاحظُ أنّ النّموذَجَ السّعوديَّ يَطْبَعُهُ الإفرَاطُ والتّشدّدُ في الخِطابِ وفي المُمَارسَةِ، وأنّ النّموذَجَ التّونُسيّ يطْبَعُهُ التّفريطُ في الدّينِ بلْ مُحارَبتُه. فكِلاهُما مُنحرِفٌ وزَائغٌ عن المنهجِ الوَسَطيِّ المَطلوبِ، وكِلاهُما مُتَطَرّفٌ. أمّا على مستوى النّتائجِ والحَصيلةِ فقدْ كانتْ ثَقيلةً للغايةِ، فلنْ نَستغربَ إذا عَلِمنا أنّ السّعوديّة هِي المُصدِّر الأول للمُقاتلينَ في التّنظيمات المُتطرِّفةِ (على المُستوى العَربِي) كتنظيمِ القاعدَة وتنظيمِ الدَّولة الإسْلامية (داعش) وغيرِهما، وهذا أمرٌ متَوَقَّع خاصّةً إذا أخَذنا بِعينِ الاعتبارِ سِمة الخِطابِ الدِّينيّ السّعوديّ في تَعليمِها وإِعلامِها، ومَكانَتها المَركزيةِ في العالمِ الإسلامي، وكثافتها السُّكانيةِ غيرِ القليلةِ. لكن من المُثيرِ للاستغرابِ حقّاً هو احتلال دولةِ تونُس المرتبةَ الثّانيةَ عَربيّا بعد السّعوديةِ مباشرةً في تصديرِ المًقاتلينَ إلى التّنظيماتِ القِتاليةِ في سورية والعِراق وغَيرها، رغم قِلّة كثافتِها السُّكانيّة، وصِغَر مِساحتِها الجغرافيةِ، ونَموذَجها العَلمانِي المُتَطَرِّف، الذي جعل شبابَها لم يتلقّوْا تعليماً دِينيّاً كافِيّا ! وقد ذَكرتْ العديدُ من المواقعِ الإلكترونيةِ إحصائياتٍ تؤكدُ ما قُلناهُ، ولإثبات ذلك أكثرَ أنقلُ فقرةً من كتابِ "الدولة الإسلامية" -يقصِد داعش- للإعلامي الدّكتور عبد الباري عَطوان جاءَ فيها: (ويُشكِّل المقاتلونَ الأجَانِبُ جانباً مُهمّا من تركيبةِ "الدّولةِ الإسلاميّة" وهيئاتِها الإداريةِ والقِتاليّةِ … ويحتَل السّعوديّون النِّسبةَ الأكبَرَ بين العربِ والمسلمين، حيث يزيدُ عددهم عن سبعةِ آلافِ مقاتلٍ، يليهم التّونسيّون، وعددهم خمسةَ آلاف مقاتلٍ) ]6 [
ثالثا: النِّظامُ التّعليميُّ الجَيِّدُ في مُواجَهةِ التَّطرُّفِ
إذَا تأمّلنا النّموذجين السّابقين في التّعامل مع الدِّينِ، فإنه لا يخلو الأمرُ من توظيفِ المَنظومةِ التّعليميةِ لإذكاء خِطاب التّطرف الدّيني في النَّموذج السّعودي، أو التّطرف العلماني المُؤدي بطريقةٍ غير مُباشرة إلى تَطرف دينيٍّ في النّموذج التّونسي. فالتّعليم يُعَدُّ من بَينِ القَنَاطِر الكُبرى لتَمريرِ الأفكارِ، سواءٌ كانت إيجابيةً أو سلبيةً، ولتَرسيخِ القِيم سواءٌ كانت مُعْتدِلةً أو متَطَرِّفةً.
وإنّنا هُنا لا نُقلِّل من شأنِ المُقاربَاتِ والإجراءاتِ الأمنِيَّةِ التي تَنهَجُها الدّولةُ غالباً لمواجهةِ هذه الظّاهرةَ، إلّا أنّها ليستْ كافيةً. فالتّطرّف فكرٌ، والفِكرُ لا يُهزَمُ إلّا بفكرٍ أقوى وأثْبَتَ منه. وعليه يَتَعيَّن على الدّولة والمُجتمعِ تَوفيرَ نَموذجٍ تعليميٍّ مَبنيٍّ على قِيم الوَسطيَّةِ والاعتدالِ، وأقصِد هُنا بالتَّحديدِ الجَانبَ الدِّيني والقِيميّ من المَنظومةِ التّعليميّة، كالتّربيةِ الإسلاميةِ والفَلسَفةِ والتّاريخ.. وغَيرها.
وقَد أخْطأ كثيرٌ من النّاس حينَما زَعَموا أنّ مَحو التّعليمِ الدّينيّ وإزالةَ مادّة التّربيةِ الإسلاميةِ من البرامجِ الدّراسيةِ هو السّبيلُ للتّخلصِ من ظَاهرةِ التّطرفِ! ومحلُّ خطئِهم هُنا يَكْمُنُ في جهْلِهم بِفطريّةِ التّدَيُّن في الإنسانِ، وبأن العَالمَ أضحى كغُرفةٍ صغيرةٍ يَتِمُّ تداولُ الأفكارِ فيها بسُهولةٍ ودُون أدنى تَكلُّفٍ. فإنْ منَعتَ إنساناً من تَعلُّمِ دِينِهِ في مؤسّسةٍ تعليميةٍ عُموميةٍ، ترعاها الدّولةُ وتَحرُسُها، فإنّه لا شكَّ سيبْحثُ عن أماكنَ أخرى غيرِ آمنةٍ، لتلقِّى التّعاليمِ الدّينيةِ قصْدَ إشباعِ حاجاتِه الرُّوحية والفِطريّةِ، وفي هذه الحالةِ سيسْقطُ ضَحيّةَ الخِطابِ المُتَطَرِّف، ورُبَّما سينْخرِط في تَنظيمٍ عنيفٍ للقتالِ. وعليهِ فالسبيلُ الصَّائبُ، بل الأصْوبُ هو تقويَّةُ مكانةِ التَّعليمِ الدّينيِّ، مع تجْويدِ مناهجهِ، وملاءمتها مع الواقعِ المُعاصِرِ. وذلك هُو أقوى مناعةٍ يُمْكنُ أنْ نُزودَ بها الشَّبابَ ضدَّ خِطابِ الغُلوِّ والتّطرُّفِ.
الهوامش:
1 – "لسان العرب" ابن منظور، ج:5، مادة "فطر".
2 – "التيسير في أحاديث التفسير" العلامة المكي الناصري، ج:2/ص:290.
3- "منبعا الأخلاق والدين" برغسون، ص:113.
4 – "علم الاجتماع الديني" عبد الله الخريجي، ص:37.
5 – "تاريخ المذاهب الإسلامية" أبو زُهرة، ص:199.
6 – "الدولة الإسلامية، الجذور، التوحش، المستقبل" عبدالباري عطوان، ص:18.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
التّدَيُّنُ وَالتَّعْلِيمُ وَظَاهِرَةُ التّطَرُّفِ الدِّينِيِّ
التّدَيُّنُ وَالتَّعْلِيمُ وَظَاهِرَةُ التّطَرُّفِ الدِّينِيِّ
التّدَيُّنُ وَالتَّعْلِيمُ وَظَاهِرَةُ التّطَرُّفِ الدِّينِيِّ مقال رأي
التّدَيُّنُ وَالتَّعْلِيمُ وَظَاهِرَةُ التّطَرُّفِ الدِّينِيِّ
هَلْ تَرْبِيَّتُنَا الدِّينِيَّةُ تُغَذِّي التَّطَرُّفَ وَالْإِرْهَابَ؟
أبلغ عن إشهار غير لائق