بوتين وترامب يختتمان اجتماعهما ب"تفاهمات" لا تشمل "وقف إطلاق النار".. ولقاءهما المقبل في موسكو    نائبة رئيس محكمة العدل الدولية: الرب يعتمد عليّ للوقوف إلى جانب إسرائيل    صرف الدرهم يرتفع مقابل الدولار    أسعار النفط تترقب قمة ترامب وبوتين    كينيدي يخوض معركة جديدة ضد صناعة المكملات الغذائية في أمريكا    قمة ترامب وبوتين في "ألاسكا" تنتهي دون اتفاق نهائي حول أوكرانيا    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    زيارتي لمالقة    "أسود الأطلس" يطمحون لحسم التأهل أمام الكونغو الديمقراطية    كرة القدم.. برشلونة الإسباني يمدد عقد مدافعه كوندي حتى 2030    فنان ال"راب" مسلم يجدد اللقاء بآلاف المغاربة بمهرجان الشواطئ لاتصالات المغرب            القنيطرة: توقيف شخص تورط في السياقة الاستعراضية بالشارع العام وعرض مستعملي الطريق للخطر    الحسيمة.. حادثة سير خطيرة على الطريق الساحلي بجماعة اجدير (صور)    "الشان"..تعادل النيجر وجنوب إفريقيا    قتيل في إطلاق نار قرب مسجد بالسويد    موجة حر مع "الشركي" وزخات رعدية من الجمعة إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة    موجة حر شديد تدفع إسبانيا للرفع من حالة التأهب        "ربيع الكرامة" يدعو إلى رقابة المحكمة الدستورية على المسطرة الجنائية لإسقاط فصول مكرسة للتمييز ضد النساء    غضب فلسطيني ودعوات لتدخل دولي بعد تهديد المتطرف بن غفير لمروان البرغوثي داخل زنزانته    "الجمعية" تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا        اعتراض سفينة محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين غرب جزر الكناري بتعاون مع المغرب            مشاريع المياه المهيكلة بسوس.. رؤية ملكية استراتيجية لمواجهة الجفاف لا ورقة للركمجة والمزايدات السياسية            الملك محمد السادس يهنئ رئيسة جمهورية الهند بمناسبة عيد استقلال بلادها    هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة: ارتفاع صافي الأصول تحت التدبير بنسبة 9,12 في المائة متم شهر يوليوز (جمعية)    الحكومة تراهن على "التوازن" بين رعاية الحيوانات الضالة والأمن العام    الشرطة الإسبانيا تطالب باتفاق مع المغرب لإعادة المهاجرين    الحسيمة.. المضاربة ترفع أسعار الدجاج والسردين إلى مستويات قياسية    بطولة إنجلترا.. الأنظار نحو شيشكو ويوكيريس في قمة يونايتد وأرسنال    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    كرنفال وعروض موسيقية وفروسية في افتتاح مهرجان وادي زم    منظمة حقوقية تشكل لجنة لتقصي أسباب حرائق شفشاون    حزب الله يؤكد رفض قرار تجريده من سلاحه ويتهم الحكومة ب"تسليم" لبنان إلى إسرائيل    طقس حار في توقعات اليوم الجمعة بالمغرب    العين يفتقد رحيمي في افتتاح الدوري    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"    إحتارن يقترب من محطة جديدة في الدوري الهولندي        "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    طاقم الإسعاف بتعاونية الجرف SST... جندي الخفاء بموسم مولاي عبد الله    المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانية: شعار مزيف لا ينتج إلا أجوبة مزيفة
نشر في هوية بريس يوم 01 - 06 - 2020

يعد مفهوم العلمانية من المفاهيم التي يلفها كثير من الغموض والالتباس، إذ يتعذر وضع مفهوم واضح ومحدد له، عند أحدهم هو فصل الدين عن السياسة، وعند آخرين فصل الدين عن الدولة، وعند فريق ثالث التمييز بين السلطة الروحية والسلطة السياسية، أو الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية، "من أكثر مفاهيم الفكر السياسي العربي التباسا، سواء على مستوى اللفظ والرسم الجذري اللغوي، أم على مستوى الدلالة المباشرة، أم الدلالات المختزنة ضمن تلافيف طبقات معانيه العديدة، المتربسة بفعل الزمان، نقصد بذلك مفهوم العلمانية"[1]، لهذا ظلت عبر تاريخها مثار خلاف وجدال بين المفكرين و الباحثين.
لا شك أن مفهوم العلمانية الذي تشكل في دائرة الصراع السياسي والديني في التجربة الغربية، والذي تحددت معانيه في أدبيات فلسفة الأنوار بمعنى إبعاد الدين عن التدبير اليومي للإنسان، أو الفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، إن كان حلا لمجتمع ما في زمن ما وفق شروط تاريخية وسياسية محددة، فليس بالضرورة حلا قابلا للاستنساخ والتطبيق، وليس من الحكمة والعقل سحبه على كل المجتمعات، فالذي يؤمن بهذا المنطق في إدارة حياة الشعوب، يكون كمن يهدم مقدسات يرى أنها تحول بين الإنسان ومقولات العقل ويفرض في ذات الوقت عليهم مقدسا جديدا، وهذا ما لا يقول به عاقل.
ظهر الجدال حول شعار العلمانية في الفكر العربي المعاصر، نتيجة السجالات والمناظرات التي راجت بين دعاة الجامعة الإسلامية، ودعاة القومية العربية، على صفحات بعض الصحف والمجلات العربية "الجامعة" و"المنار"، التي حوت بعض الحوارات والآراء الفكرية بين أنصار التيارين المتخاصمين، مثل رسالة الأفغاني" الرد على الدهريين"، أو من خلال المناظرة الشهيرة بين فرح أنطوان والشيخ محمد عبده، التي دشنت باب التفكير في سؤال العلمانية في الثقافة العربية المعاصرة. والشرارة التي أثارت جدالا واسعا، وأسست لسجالات فكرية وخصومات معرفية.
في مقابل البعض الذي يرى صراحة ألا حل للمشاكل العربية وتحقيق نهضتها إلا بالعلمانية، كما نجد عند فؤاد زكريا الذي يقول "العلمانية ضرورة حضارية"[2]، وعند فرج فودة الذي يقول: "لا حل إلا بالعلمانية"[3]، وآخرين يميزون بين أنواع العلمانية، كما نجد عند عبد الوهاب المسيري الذي يميز بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وفريق آخر يميز بين العلمانية المعتدلة والعلمانية المتوحشة، وفريق رابع حاول جاهدا التوفيق بين هذه الفرق، فخلص إلى أن الإسلام في جوهره دين علماني مثل ما ذهب إليه الدكتور حسن حنفي الذي يقول:" أن الإسلام دين علماني في جوهره ومن ثم لا حاجة له لعلمانية زائدة عليه مستمدة من الحضارة الغربية"[4]. في محاولة منهم جميعا لتسويق العلمانية كحل للدولة الوطنية المعاصرة، خاصة في ظل هذه الظروف السياسية المضطربة، التي تعيش على إيقاعها بعض الدول العربية والإسلامية، فتم طرح شعار العلمانية من جديد، باعتباره حلا لتجاوز الخلافات العرقية والرغبات الانفصالية التي تهدد كيان الأمة بكاملها.
في مقابل هذه المشاريع الفكرية، نجد قراءة مغايرة تماما لكل هذه القراءات، نجد الدكتور عابد الجابري يخصص حيزا مهما من مشروعه الفكري لمدارسة موضوع العلمانية، فنجده يرفض مطلقا مسلك التوفيق الذي يقول به حسن حنفي، ناهيك عمن يدعي العلمانية صراحة، ويقول ردا على حسن حنفي"سيكون منطلقي هو الفكرة التي عبرت عنها حيث قلت أن الإسلام دين علماني في جوهره، وهنا أجدني مضطرا إلى القول أني أرى أن الكيفية التي عبرت بها عنه غير مناسبة، إن عبارة "الإسلام دين علماني" التي استعملتها، لا تختلف في نظري عن عبارات أخرى مثل الإسلام اشتراكي، أو الإسلام رأسمالي، أو الإسىلام دين ليبرالي، إن هذه العبارات لا تحل المشكل ولا تدفع إلى التفاهم"[5].
على عكس منهجية المفكر عابد الجابري، الذي يتمتع بقدرة عجيبة على الصبر والتريث في إصدار الأحكام، خاصة في القضايا الإنسانية التي تحتمل التأويل وتعدد الآراء والمواقف، يفاجأ القارئ لمتن الجابري، بموقف رافض بالمطلق لشعار العلمانية، إلى درجة أنه دعا إلى استبعاده وسحبه من ساحة الفكر العربي الإسلامي، "في رأيي أنه من الواجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر القومي العربي وتعويضه بشعار الديمقراطية والعقلانية لأنهما اللذان يعبران تعبيرا مطلقا عن حاجات المجتمع العربي"[6]، بل نجده يصف العلمانية بأنها شعار مزيف لا ينتج إلا أجوبة مزيفة، بعيدة ومنفصلة عن واقع التجربة العربية الإسلامية، فهو يرى "أنه ما من شعار من شعارات الفكر العربي الحديث، كان وما يزال مدعاة للبس وسوء التفاهم كشعار العلمانية"[7]. وهذا ما يؤكده دعاة العلمانية، إذ بعد مرور نصف قرن نجدهم يعترفون بالإكراهات الواقعية التي واجهتهم، وبصعوبة تنزيل شعار العلمانية في المجتمع العربي و الإسلامي، فيتساءل د كما عبد اللطيف بلسان حالهم، فيقول لماذا لم يتمكن الفكر السياسي العربي من تركيب وبناء ما يطور المقالة العلمانية ؟ لماذا مازال مفهوم العلمانية يحمل دلالة قدحية في الفكر المعاصر ؟ لقد غاب عنهم، أولم يريدوا أن يعترفوا بأن العلمانية بمعناها الأوربي لا تقبل التبيئة في الحقل الإسلامي تماما، مثلما أن الخلافة والإمامة بالمعنى الإسلامي لا تقبل التبيئة في الحقل الثقافي الأوربي مطلقا. لهذا نجد العلمانيين اليوم، يدعون إلى مراجعات خاصة بالمفاهيم التي يتأسس عليها الفكر السياسي العربي الحديث، ومن ضمنها مفهوم العلمانية، وذلك بالعمل على تخليص المفهوم من حمولاته ودلالاته الفكرية التي ارتبطت به منذ عصر الأنوار، في محاولة لاستدماجه في الفكر العربي دون أن يثير الخلاف أو الاختلاف. فمثلا المفكر الجزائري أركون نجده ينتقد المرجعية الأنوارية لمفهوم العلمانية، ويبين محدوديتها مبرزا أن الغرب الذي يدعي الحداثة والقطيعة عن الدين، لم يتمكن في ثوراته السياسية والمعرفية من إحداث قطيعة حقيقية مع الدين. لهذا يدعو إلى إعادة بناء المفهوم بناء يتجاوز حمولته الأنوارية مستحضرا ومراعيا المتغيرات والمعطيات الجارية والواقعية.
إن شعار العلمانية خارج السياق العام للمجتمع الإسلامي، فهو طرح غير مستساغ لأن البنية الفكرية والمعرفية الإسلامية، تتناقض والدعوة إلى علمنة المجتمع: إن"فصل الدين عن الدولة عبارة غير مستساغة إطلاقا في مجتمع إسلامي، لأنه لا معنى في الإسلام لإقامة التعارض بين الدين والدولة"[8]، على اعتبار أن الإسلام منهج حياة، يتكامل في فلسفته عالم الشهادة وعالم الغيب.
[1] كما عبد اللطيف "من سؤال العلمانية إلى إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي" ص12
[2] فؤاد زكريا "العلمانية ضرورة حضارية" قضايا فكرية 8 السنة 1989 ص272
[3] فرج فودة "قبل السقوط" ص12
[4] سلسلة مواقف عدد 56 السنة 2006 دار النشر أديما ص 55
[5] السابق ص 56
[6] عابد الجابري "الدين و الدولة" " الدين و الدولة وتطبيق الشريعة" مركز دراسات الوحدة العربية ط5 السنة 2017 ص 108
[7] الدين والدولة" ص108
[8] د عابد الجابري " الدين و الدولة وتطبيق الشريعة" مركز دراسات الوحدة العربية ط5 السنة 2017 ص112


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.