بتعليمات ملكية.. اجتماع بالديوان الملكي بالرباط لتفعيل تعليمات الملك محمد السادس بشأن تحيين مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    الأقاليم الجنوبية تحقق إقلاعا اقتصاديا بفضل مشاريع كبرى (رئيس الحكومة)    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    قضاء فرنسا يأمر بالإفراج عن ساركوزي    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    متجر "شي إن" بباريس يستقبل عددا قياسيا من الزبائن رغم فضيحة الدمى الجنسية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    حقوقيون بتيفلت يندّدون بجريمة اغتصاب واختطاف طفلة ويطالبون بتحقيق قضائي عاجل    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسمعيها يا جريدة الأحداث: هكذا علمنا معلم البشرية وتحقيقك مجرد فرية مقصية
نشر في هوية بريس يوم 04 - 03 - 2014


هوية بريس – الثلاثاء 04 مارس 2014م
الولد الصالح بهجة الحياة، وسرورها، وأنسها، وفرحتها، تحبه ويحبك، توده، ويودك، وتأمره فيطيعك ويبرّك، الولد الصالح يفتقر أول ما يفتقر إلى دعوة صالحةٍ تهديه إلى الله، يحتاج أول ما يحتاج إلى صالح الدعوات إلى الله فاطر الأرض والسموات، مصلح الأبناء والبنات.
قال الله عن عبده الخليل -عليه من الله الصلاة والسلام-: "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ" (إبراهيم:40)، وقال الله عن نبيه زكريا: "رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ" (آل عمران:8)، قل كما قال الأخيار، وصفوة عباد الله الأبرار: "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً" (الفرقان:74).
علم الأخيار أنه لا صلاح للأبناء والبنات إلا بالله، وأنه لا يهدي قلوبهم أحدٌ عداه، فصدعوا إلى ربهم بالدعوات، ما أحوج بناتك وأبنائك إلى دعواتك الصالحة، سلوا الله للأبناء البنات الصلاح، سلوا لهم الخير، والسداد، والفلاح.
صلاح الأبناء والبنات يكون أول ما يكون منك، يكون من حركاتك وسكناتك، يكون من أقوالك وأفعالك، يوم ينشأ الابن وتنشأ البنت في أحضان أب يخاف الله، وفي أحضان أم تخشى من الله.
صلاح الأبناء والبنات يقوم أول ما يقوم على قدوة صالحة من الآباء والأمهات، إن رآك ابنك تخاف من الله خافه، وإن رآك ابنك تخشى من الله عظمه وهابه، إن رآك ابنك مع المصلين كان من المصلين، إن رآك ابنك من الأخيار والصالحين كان من الأخيار والصالحين.
القدوة الصالح نبراس للذريات، ودليلٌ يهدي قلوب الأبناء والبنات
صلاح الأبناء والبنات يحتاج منك إلى كلمات نافعات، وتوجيهات ومواعظ مؤثرات: "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان:13)، أخذ بمجامع ذلك القلب البريء إلى الله، وعلمه توحيد الله والعبودية لله، فخذوا بمجامع قلوبهم إلى الله، خذوهم بنصيحة مؤثرة وموعظة بليغةٍ تأخذهم إلى محبة الله ومرضاة الله، فكم من نصيحةٍ من أبٍ ناصح، وأم مشفقة ناصحة، نفعت الأبناء والبنات ما عاشوا أبدًا.
لم يكن اهتمام الإسلام منصبًّا على حشو الأدمغة بالمعلومات والمعارف الإنسانية أو الدينية بقدر ما كان يهتم بتأديب المتلقي وتربيته على المبادئ التي تحملها تلك المعلومات؛ بل والتماهي والتمازج بين المبادئ العقلية والشخصية الإنسانية حتى تصيرا شيئًا واحدًا؛ لذلك كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يتجاوزون حفظ عشر آيات حتى يتعلموا ما فيهن من العلم ويعملوا بما فيها، فيتعلمون القرآن والتقوى معًا، وتزداد قلوبهم إيمانًا مع إيمانهم، وتتعمق في نفوسهم المعاني التربوية العظيمة التي قد لا يحويها كتاب ولكن يحويها قلب امرئ مسلم.
ولعلنا نلمس تلك الحالة في بعض من ينتسبون إلى الدين والصحوة والمجموعات العاملة للإسلام، على الرغم من أنه من المفترض أن يكونوا هم المصدر الأساس لهذه المعاني التي تضرب بجذورها في عمق الفهم الطبيعي للإسلام شريعةً ومنهاجًا، إلا أن طغيان بعض المعاني المظهرية على الجماعة المسلمة على حساب الشعور العام بجوهر الدين ومقاصده الأساسية والتربوية الأصيلة، بل وعلى حساب تربية الأبوين اللذيْن -منذ البداية- غابت عنهما معاني التقوى والتدين الصحيح، فراحا يهتمان بغرس مفاهيم خاطئة في نفوس الأبناء عن الإسلام والالتزام به دون الرجوع إلى المؤلفات المتخصصة في هذا المجال، والتي قد تغني قراءتها وتعلم ما فيها عن مواجهة كثير من المشكلات التي تطرأ مستقبلاً على الطفل المتربي، فضلاً عن الإعراض عن أصحاب الخبرة في مجال التربية، وهو ما أنشأ فجوة عميقة بين الأبناء وبين ما ينبغي أن يكونوا عليه من التربية الإسلامية الصحيحة.
وكما كلف الله -عز وجل- الأبناء بضرورة بر الآباء وإعانتهم على ظروف الحياة المتقلبة لاسيما في الكبر، فإنه كذلك وضع مسؤولية التربية وإخراج جيل يتحرك بالإسلام قلبًا وقالبًا على الآباء ومن قام مقامهم لاسيما في الصغر، وأي إهمال أو تفريط يقع من الآباء في هذا الشأن فهو جريمة يرتكبها الأب أو الأم في حق ولده، بل وفي حق المجتمع كله، ذلك المجتمع الذي انتدبنا الله -عز وجل- لإعماره وإصلاحه بما يتسق مع القوانين الربانية الإلهية، وأي خلل -ولو بسيطًا- من شأنه أن يعطل مسيرة الإعمار والإصلاح في الأرض؛ لذلك كانت مهمة التربية -فضلاً عن كونها مهمة فردية- فهي مهمة مجتمعية من الطراز الأول، حيث فساد المجتمع مرتبط بشكل أساسي بفساد أفراده: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم:41)، وصلاحه كذلك مرتبط بصلاحهم وتقواهم.
وعلى النقيض فإن مجتمعات إسلامية ليست قليلة فرَّط أفرادها في أداء هذا الواجب والقيام بهذه المهمة على وجهها، فكانت النتيجة شرًّا ووبالاً على المجتمع بجميع أفراده وهيئاته ومؤسساته، ففضلاً عن تفشي الأخلاق السيئة بين الشباب والأطفال وحتى الكبار، فإن أمراضًا مجتمعية خطيرة باتت تنهش في جسد الأمة الكليل، تقوض أركانه، وتزعزع مبادئه، وتهدم بناءه، وما انتشار الظلم بين أبناء الملة الواحدة والوطن الواحد رجالاً ونساءً إلا فصل من فصول هذه المأساة؛ وذلك لضعف التربية وإهمال الآباء لزرع القيم والمبادئ لدى النشء، وليس مجرد زرعها وإثبات الإعجاب بما فيها فقط، وإنما التحرك بها، واعتبارها الوقود الذي يدفع عجلة الحياة إلى الأمام، وهذا يحتاج من الآباء إلى جهد مضاعف؛ فلا يهتم الوالد بجمع الأموال اللازمة لتعليم الفتى أو الفتاة وكسوتهما وإطعامهما فحسب، بل يعلم نفسه ويثقفها أولاً ليكون جديرًا بأداء المهمة التربوية، ثم يشرع في إصلاح نفسه ليكون القدوة التي يضعها الأبناء دومًا تحت مجهر النقد والتقليد، وبدون ذلك فإنه لن يتمكن من إخراج منتج تربوي جيد يفخر به ويدفع معه عجلة الإصلاح والنهضة.
وبإمكان الباحث التربوي أو الاجتماعي أن يحمِّل سوء تربية النشء وإهمال إيجاد القدوات مسؤولية التقهقر والفساد الذي نما وتغوَّل؛ بل إننا لا نكون مخطئين إذا أشرنا بأصابع الاتهام العشرة في أية جريمة أخلاقية أو سياسية أو اجتماعية أو من أي نوع إلى الخلل التربوي والتعليمي، فالجريمة -أيًّا كان نوعها- ما هي إلا سلوك مذموم، والسلوكيات المذمومة عادة ما تنشأ من طغيان جانب الشر على جانب الخير في الأفراد، والشر ليس طبيعة في بني آدم، بل هو مكتسب، فكل مولود يولد على الفطرة السوية السليمة، وهي صفحة بيضاء نقية مثل الصفا، والأبوان يرسمان على هذه الصفحة بألوانهما، فإن كانت الصورة المرسومة قاتمة بألوان سوداء أو رمادية، انطبعت في قلب الطفل بالقتامة نفسها، فأثرت في وجدانه وسلوكه، لتقيمه على طريق الشر، قائدًا أو مقودًا، فيسلك مسالكه، ويتتبع خطاه. وإن كانت ألوان الأبوين زاهية مبهجة، تلفت الأنظار إلى الخير، وتقيم الولد على طريقه، وتربي فيه المعاني السامية، والأخلاق الرفيعة، والآداب الإسلامية العالية، أقامته على طريق الخير، فسلك سبيله وتتبع خطواته بخفة ورشاقة.
إذا زينة الحياة الدنيا وعدّة الزمان بعد الله هُم أولادنا والناشئون في طاعة ربهم، يتسابقون في ميادين الصالحات، أولئك لهم الحياة الطيبة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه. في الحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((شابًا نشأ في طاعة الله)).
إن العناية بالنشء مسلك الأخيار وطريق الأبرار، ولا تفسد الأمم إلا حين يفسد أجيالها الناشئة، ولا ينال منها الأعداء إلا حين ينالون من شبابها وصغارها.
لهذا كانت مرحلة الطفولة من أخطر المراحل، ولقد كان السلف الصالح يعنون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم، يعلّمونهم وينشّئونهم على الخير، ويلعبونهم، ويضاحكونهم، ويبعدونهم عن الشرّ، ويختارون لهم المعلمين الصالحين والمربين والحكماء والأتقياء.
وكان محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة في هذا الباب، فقد راعى الأطفال واهتم بأمرهم. فلم يكن يتضجر ولا يغضب منهم، إن أخطأوا دلهم من غير تعنيف، وإن أصابوا دعا لهم.
وإليكم نماذج يسيرة من معاملته صلى الله عليه وسلم للأطفال:
روى الإمام أحمد في مسنده أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي العشاء، فإذا سجد رسول الله وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذًا رفيقًا ووضعهما على الأرض، فإذا عاد إلى السجود عادا إلى ظهره حتى قضى صلاته، ثم أقعد أحدهما على فخذيه، يقول أبو هريرة: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أردهما؟ فبرقت برقة في السماء، فقال لهما: ((الحقا بأمكما))، فمكث ضوؤها حتى دخلا. والحديث متكلم في أحد طريقيه.
وعن أم خالد رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله مع أبي وأنا صغيرة، وعلي قميص أصفر، فقال رسول الله: ((سنه سنه))، أي: حسن حسن، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة على ظهر رسول الله، فزبرني أبي، فقال رسول الله : ((أبلي وأخلِقي، ثم أبلي وأخلقي))، فعمرت أم خالد بعد ذلك. رواه البخاري.
ولما جاءت أم قيس بنت محصن إلى رسول الله بابنٍ لها صغيرٍ لم يأكل الطعام، فحمله رسول الله فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله. وتقول أم الفضل رضي الله عنها: بال الحسين بن علي رضي الله عنهما في حجر النبي، فقلت: يا رسول الله، أعطني ثوبك والبس ثوبًا غيره حتى أغسله، فقال: ((إنما ينضج من بول الذكر، ويغسل من بول الأنثى)) رواه الثلاثة.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يلاعب الأطفال، ويمشي خلفهم أمام الناس، وكان يقبلهم ويضاحكهم. روى الإمام أحمد وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: خرجت مع النبي وقد دعينا إلى طعام فإذا الحسين بن علي يلعب في الطريق، فأسرع النبي أمام القوم ثم بسط يديه ليأخذه، فطفق الغلام يفرّ ها هنا ويفرّ ها هنا، ورسول الله يلحقه يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه ثم اعتنقه ثم أقبل علينا وقال: ((حسين مني وأنا من حسين)).
ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت أذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله أخذ بيديه جميعًا بكفي الحسن أو الحسين، وقدماه على قدم رسول الله، ورسول الله يقول: ((ارقه ارقه))، قال: فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ، ثم قال رسول الله : ((افتح فاك))، ثم قبله، ثم قال: ((اللهم أحبه فإني أحبّه)) رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني في معجمه.
وجاء الأقرع بن حابس إلى رسول الله فرآه يقبّل الحسن بن علي، فقال الأقرع: أتقبّلون صبيانكم؟! فقال رسول الله: ((نعم))، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت واحدًا منهم قط، فقال له رسول الله : ((من لا يرحم لا يرحم)) متفق عليه.
لقد بلغ من عناية الرسول بأطفاله أن ألقى لهم باله حتى أثناء تأديته للعبادة، يقول أبو قتادة: كان رسول الله يصلي وهو حامل أمامة بنت بنته زينب، فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها، وكان إذا سمع بكاء الصبي وهو في صلاته تجوّز فيها مخالفة الشفقة من أمه. متفق عليهما.
وكان رسول الله يخطب ذات يوم فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: ((صدق الله ورسوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما))، ثم أكمل خطبته، رواه أهل السنن.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه معاملته لأطفاله، أترونه يهمل تعليمهم؟! روى البخاري ومسلم أن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: ((يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)). ولما أراد الحسين أن يأكل تمرة من تمر الصدقة قال له الرسول: ((كخ كخ، أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة؟!)).
وروى البخاري أن النبي كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كلّ شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)).
إن عناية المصطفى صلى الله عليه وسلم تستمر معهم حتى بعد بلوغهم مبلغ الرجال، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت فاطمة بنت رسول الله عندي، وكانت أحبّ أهله إليه، فجرّت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثّرت في نحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكِنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضرّ، فسمعنا أن رقيقًا أتِي بهم النبيّ فقلت: لو أتيتِ أباك فسألتيه خادمًا يكفيك، فأتته فوجدت عنده ناسًا فاستحيت فرجعت، يقول علي: فغدا علينا رسول الله من الليل ونحن في لفاعنا أي: لحافنا قد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم فقال: ((مكانكما))، ثم جلس بيننا، وأدخل قدمه بيني وبين فاطمة، وجلس عند رأسها، فأدخلت فاطمة رأسها في اللفاع حياءً من أبيها، فقال: ((ما كان حاجتُك أمس إلى آل محمد؟)) فسكتت، فقلت: أنا والله أحدّثك يا رسول الله، إنّ هذه جرّت عندي بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، وخبزت حتى تغير وجهها، وبلَغَنا أنه قد أتاك رقيق فقلت: سليه خادمًا، فقال: ((أوَلاَ أدلّكما على ما هو خير لكما من خادم؟! إذا أويتما إلى فراشكما فسبّحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبّرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم)) رواه البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له.
هؤلاء الأولاد الذين جعلهم الله فتنة لكم، إما قرّة عين في الدنيا والآخرة، وإما حسرة وندم ونكد. وإن من شكر نعمة الله عليكم فيهم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم بأحسن الأخلاق والأعمال وتنشئتهم تنشئة صالحة.
فالأطفال هم حياة البيوت، بيت لا أطفال فيه بيت فيه نقص. إنهم يملؤون البيت إزعاجًا ولكنهم يملؤونه فرحًا وسرورًا، يملؤونه فوضى ولكنهم يملؤونه ضحكًا وابتهاجًا.
سئل غيلان بن سلمة الثقفي: من أحب ولدك إليك؟ فقال: "صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يحضر".
شعور يحسّ به الوالد حين يرى صغاره أمامَه، ويتذكّر قول الرسول: ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرّ منه))، ويرى ما هو فيه وما مر به من فتن لا يثبت فيها إلا من عصمه الله، وماذا بعده؟ أو كيف السبيل إلى وقايته مما أمامه؟ ويعلم أن ثمة أمورًا جعلها الله من فِعل الأب وتنفع الابن من بعده، ومن أهمّ هذه الأمور صلاح الوالد في نفسه، فإنه سبب لحفظ الله عز وجل لأبنائه من بعده، يقول الله سبحانه: "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ" (الكهف:82)، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (حفظهما الله بصلاح والدهما ولم يذكر الله للولدين صلاحًا). وإن الله بفضله وكرمه إذا أدخل المؤمنين الجنة يلحِق بالآباء أبناءهم وإن كانوا دونهم في العمل، يقول الله سبحانه: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ" (الطور:21)، يقول ابن عباس رضي الله عنهما عند هذه الآية: (إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل كي تقرّ بهم أعينهم)، وجاء في حديث مرسل: ((إن الله ليحفظ المرء المسلم من بعده في ولده وولد ولده وفي داره والدويرات حوله)).
وختاما أليس لنا في العلاقة ما بين إبراهيم وإسماعيل عبرة، فقد كانت بينهم صلة قوية قوية، عطاء غزير من الأب، واستقبال راشد من الابن، بالرغم من وجود الفارق الزمني الكبير؛ ألا تذكرون قول إبراهيم "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ" (إبراهيم:39)؟
لم يقل إسماعيل لأبيه الشيخ الكبير: أنت من جيل قديم ولا تفهمنا نحن الشباب. كلا وحاشاه! بل كان مستمعاً لأبيه، عاملا بإرشاداته، منتفعا بحكمته وخبرته؛ لأن الفارق في السن لا يعني إلغاء كل قيمة، فهناك قيم لا يؤثر فيها الزمن، لا متغيرات فيها من زمن نوح إلى يوم الدين؛ لأن مصدرها الدين.
قِيَم كالتقوى والتأني والكرم والشفقة والرحمة والاحترام والعدل والصبر والتواضع للحق والسماحة والصدق… قيم ثابتة لا تتغير ما دامت السماوات والأرض، يحتاجها الصغير والكبير في كل عصر، فينبغي وجود القابلية من التلقي من الكبار أو غير الكبار، فيما ينمي هذه الصفحات ويحييها في النفس.
فلا يغلبنّكم الشيطان على باب آخر مفتوح للمؤمنين وهو دعاء الوالد لولده، فقد صحّ عنه من حديث أبي هريرة أنه قال: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهن))، وذكر منهن: ((دعوة الوالد لولده)).
ولقد كان دأب الأنبياء عليهم السلام الدعوة لأبنائهم، يقول إبراهيم: "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ إبراهيم:35، رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي" (إبراهيم:40)، وقال هو وولده إسماعيل: "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ" (البقرة:128)، قال زكريا: "رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ" (آل عمران:38).
كما أننا لا نعترض على النزهة والترويح المباح والمزاح الحق، فقد قال الصحابة رضوان الله عليهم يا رسول الله: إنك تمازحنا فأجابهم بقوله: (ولكني لا أقول إلا حقا)، فإننا بحاجة إلى الراحة بعد الكد والتعب، وبحاجة إلى الهدوء بعد الضجيج، وبحاجة إلى الاجازة بعد العمل، ولا ينكر ذلك إلا مكابر.
إن الاسلام يقر ذلك، وهو دين الفطرة، وقد جاء حنظلة بن عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الغفلة عن الطاعة أثناء ملاعبة الأطفال، ومعاشرة النساء، قال: "قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك؟) قلت: يا رسول الله! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) ثلاث مرات" رواه البخاري.
والكلام عن معاملة الأولاد بالتفصيل فهذا بحث آخر.
والحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.