لاغلو إذا قلنا أن أبيات الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، تحلق اليوم فوق قبر شهداء الخبز، الذين اغتالتهم رصاصة الشرطة في غفلة عن أعين الملائكة. أكيد أن أبي القاسم الشابي لم يكن يحسب أن أبياته الشعرية ستكون نبراسا لجيوش الشباب الغاضب العاطل بتونس، واعتقد أن القدر قد استجاب، لكن السلطات التونسية لم تستجب وأطلقت عوض منصب شغل وراتب شهري، رصاص قمعها بقوة وأسقطت العديد من الأرواح. وقد ذكرتني هذه الصور للمظاهرات، التي شهدناها جميعا و التي يقوم بها الشعبين التونسي والجزائري، احتجاجا على العطالة وعلى ارتفاع الأسعار، بخروج الشعب المغربي في أحداث حزيران يونيو 1981 احتجاجا على ارتفاع الأسعار والبطالة والفقر والجوع، حيث أسقط وزير الداخلية الراحل إدريس البصري عدد من الشهداء وخلف عدد كبير من المختفين والمعتقلين والمصابين والجرحى. شهداء الخبز ( كوميرة) بالمغرب آنذاك ، يعاد صياغة دمهم اليوم بتونس والجزائر، بنفس الطريقة في اختلاف الزمن، وكأن قدر هذه البلدان هو الجوع والفقر والعطالة وغياب الكرامة.. مرت أجيال وأجيال، ولازال وضع هذه المنطقة في تدهور وتراجع وتخلف. لا شيء تغير سوى الوجوه، وكلما أردنا أن نتنفس قليلا من هواء الكرامة يتسلط علينا وجه مريض بالسلطة ويبدأ في التنكيل بنا وإذلالنا أمام العالم. هذه أرضنا ووطاننا، وكما يريد هؤلاء العيش بعزة وغنى، فإننا نحن أيضا لنا الحق في العيش وبطوننا شبعانة. ورأسنا مرفوع بالكرامة. فأكيد أن شباب المغرب العربي الذي يركب قوارب الموت، لا يجد سوى هذا الحل من أجل إنقاذ روحه وحياته، ومن بقي فإنه إما ينتحر أو يمسه الجنون بقوة ويمتهن التخدير بكل أنواعه.. هلاك إذن منظم ومتقون بطريقة يصعب على خبراء الإجراء في العالم اختراقه. إن هذه المظاهرات هي إشارة قوية للقائمين على أمر الشعوب العربية، أن لا أمريكا ولا أوربا يريدون أن تستقر الأوضاع بهذه الدول العربية، وهي تحاول أن تشرعن أسلوب شمال هادئ وغني وجنوب مكهرب وفقير وجائع، وهذه هي خلاصة الحرب العالمية الثانية التي استخلصها الغرب. وهي تسعى دائما تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ. وعلى القائمين في السلطة أن يدركوا أن لا خروج من هذه الوضعية إلا بالديمقراطية وحرية التعبير والنضج السياسي الإقتصادي والإجتماعي وتفعيل مفهوم المواطنة والوطنية وكرامة الشعوب العربية من اجل تفادي فوضى مستقبلية إنها لامحالة قادمة فاحذروها. والتاريخ لن يرحم. فالشعب أراد الحياة والقدر قد استجاب