تدبير الغيابات غير المبررة للمستشارين الجماعيين على طاولة لفتيت    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تدعو إلى انفراج سياسي وإصلاحات عميقة خلال اختتام مؤتمرها الوطني السابع    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تطالب بالسحب الفوري لمشروع قانون تنظيم مجلس الصحافة    الادعاء العام الأوروبي يوجه تهم الاحتيال والفساد لمسؤولة السياسة الخارجية السابقة    مونديال 2026… قرعة النسخة الأكبر على الإطلاق الجمعة في واشنطن    الصحافيون شركاء استراتيجيون لإنجاح المونديال    "مندوبية السجون": زيان لم يقدم أي إشعار بالدخول في إضراب عن الطعام وحالته الصحية عادية    المدينة الحمراء : من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات .. ألف عام من الفرجة!    شكري في ذكرىَ رحيله.. وعزلة بُول بَاولز في طنجة وآخرين    إسرائيل تعلن أن معبر رفح سيفتح "في الأيام المقبلة" لخروج سكان غزة إلى مصر    المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ينوه بلقاء تطوان الحاشد والركاني يكسب الرهان    التقدم والاشتراكية يدعو الشباب للتسجيل في اللوائح الانتخابية وينتقد الحكومة بخصوص ملف الصحافة ويُحذّر من تزايد العنف ضد النساء    فحوصات طبية جديدة لحمزة الهنوري لتحديد طبيعة إصابته    أسعار اللحوم الحمراء تواصل الارتفاع ومهنيون يوضحون..    وزارة الصحة تطلق عملية "رعاية 2025-2026" لمواجهة موجات البرد        الإنفاق العالمي على شبكات الكهرباء قد يتجاوز عتبة 470 مليار دولار    عدول استئنافية الحسيمة يرفضون مشروع القانون المنظم للمهنة ويطالبون بسحبه        كأس أمم إفريقيا.. حسام حسن يكشف لائحة منتخب "الفراعنة"    توظيف مالي لمبلغ 4,9 مليار درهم من فائض الخزينة    بورصة البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    استمرار ارتفاع أسعار المحروقات رغم التراجع الدولي يُعرض الحكومة للمساءلة البرلمانية    عائلات المختفين مجهولي المصير تتهم الدولة بالتلكؤ في الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري    مولودية وجدة يكتفي بالتعادل مع رجاء بني ملال وجاره الاتحاد يحقق فوزه الثاني تواليا على حساب "الراك"    ألونسو: "مستوى ريال مدريد مقلق.. ونسعى لكسر سلسلة النتائج السلبية خارج الديار"    يسرا : فخري الأكبر هو الرصيد الفني الذي ستتناقله الأجيال القادمة    رقم قياسي.. المغرب يستقبل 18 مليون سائح خلال 11 شهرا    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    كيوسك الأربعاء | المغرب يراهن على الجمع بين التحلية والتكنولوجيات لبناء مستقبله المائي    أمن مراكش يوقف شابا بحوزته هاتف سائحة تعرضت للسرقة بالخطف    أمريكا تعلّق جميع طلبات الهجرة لرعايا 19 دولة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    مسؤولون يدعون إلى تعزيز الاستثمار وتسريع وتيرة تجديد الوحدات السياحية في سوس ماسة        مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    جماعة المحمدية.. اتهامات لأيت منا بالتناقض في ملف النخيل.. "الواقع يكشف عكس تصريحاته"    الاتحاد الأوروبي يطوق الغاز الروسي    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    إسرائيل تتوصل برفات غير مطابق    سامسونغ تُفاجئ العالم بهاتف ثلاثي الطي .. والسعر يصدم الجميع!    بيليغريني: أمرابط لم يعد إلى التداريب    زنقة الفارابي بطنجة تتحول لفوضى.. عاملات "سبا" يعتدين على شرطي ويهرّبن مشتبهاً فيه وسط غضب السكان!    مراكش تحتفي براوية .. ليلة تكريم لمسار فني استثنائي    وصول السفير الأمريكي الجديد ريتشارد بوكان إلى الرباط    المنتخب المغربي الرديف يهزم جزر القمر بثلاثية في مستهل مشواره بكأس العرب    شهد شاهد من أهلها.. منظمات إسرائيلية تكشف أبشع عام قتل وتهجير للفلسطينيين منذ 1967    قاموس أكسفورد يعلن عن كلمة العام 2025    التوزاني: فيلمي "زنقة مالقة"عودة إلى الجذور والأكثر حميمية في مساري    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب الإسبانيّ إدوَارْدُو مِينُدوسَا رصد الإنتقال الدّيمقراطيّ روائيّاً
نشر في لكم يوم 16 - 05 - 2019

يُصنّف مُعظم النقاد الإسبان أعمالَ الكاتب والرّوائي الكطلاني – الإسباني "إدواردو ميندوسا "من بين أجود ما كُتب في حقل الرّواية خلال مرحلة التحوّل أو الإنتقال من ديكتاتورية مطلقة إلى ديموقراطية قائمة التي عرفتها إسبانيا أواسط السّبعينيّات من القرن الفائت، إذ في أحد إستطلاعات الرّأى لدى القرّاء والكتّاب والنقّاد على الصّعيد الوطني الإسباني كانت قد أجمعت كوكبة من الكتّاب، والنقّاد والقرّاء أنّ إثنتين من روايات الكتّاب الرّوائيين الإسبان وهما رواية "الحقيقة حول قضية سافولتا" لإدواردو ميندوسا، ورواية "كلّ الأرواح" للكاتب خافيير مارياس كانتا من أجود ما كتب في إسبانيا في حقل الإبداع الرّوائي خلال مرحلة التَحوّل الديمقراطي فيها، بعد سنوات عديدة خلت، دون أن يلتفت القائمون والمشرفون من الكتّاب والنقاد إلى هذا الكاتب، الذي كاد أن يُصبح في طيّ النسيان طفق هؤلاء النقاد والكتاب والقرّاء مؤخّراً فى العناية به وبابداعاته الرّوائية المتنوّعة الهادفة والملتزمة .
الإنتقال الديمقراطي روائيّاً
لقد أخذ النقّاد الإسبان بعين الإعتبار مراحل تطور الّرواية الإسبانية في تلك الحقبة من الزّمن التي كانت إسبانيا تعرف فيها قفزة نوعية هامّة نحو الإنفتاح، أو طفرة كبرى نحو الديمقراطية بعد حقبة الحكم الدكتاتوري المُطلق للجنرال فرانسيسكو فرانكو الذي إستغرق زهاء أربعين سنة 1936- 1975، إنطلقت إسبانيا على بكرة أبيها بعد هذه الحقبة إلى معانقة نسائم الحريّة، والديمقراطيّة، والإنعتاق، وهذا العنصر هو الذي وفّر حظاً كبيراً لهذا الكاتب بأن تعاد قراءة ما كان قد كتبه في تلك المرحلة الإنتقالية الصّعبة نحو الديمقراطية من تاريخ إسبانيا المعاصر في حقل الرّواية على وجه الخصوص.
من الرّوايات التي كانت قد حققت نجاحاً كبيراً في ذلك الحين روايته التي تحمل عنوان "الحقيقة حول قضية سافولتا "1975، وروايته "مدينة الأعاجيب" 1986، فالكاتب إدواردو ميندوسا يقدّم في هاتين الرّوايتين الوقائع وكأنها كانت تتشابك، وتتلاحق، وتتداخل في ما بينها لتكوّن أو تقدّم لنا في آخر المطاف مشهداً تاريخياً حافلاً بالأحداث المتتابِعة، والمتواترة في هذا المجتمع الجديد الذي أصبحت إسبانيا تعيش في كنفه بعد رحيل فرانكو عنها، هذا المشهد الفريد في بابه في رواية ميندوزا الحقيقة حول قضية سافولتا يقدّم لنا مدينة برشلونة، في النّصف الأوّل من القرن العشرين، بما فيها من تناقضات، ومواجهات، بين متحمِّسٍ للعهد البائد، ومُرحِّبٍ بالعهد الجديد، كان هذا المشهد يضمّ مختلف الأوساط، والشرائح الإجتماعية، والثقافية، والإقتصادية، فضلاً عن الهجرات المتوالية والمتعاقبة التي عرفتها برشلونة على وجه الخصوص، هذه المدينة المُصنّعة العملاقة المترامية الأطراف منها وإليها، لم تخلُ رواية الحقيقة حول قضية سافولتا من زخم القلاقل، والمشاكل التي عرفتها المدينة في هذه الحقبة من حياتها، ويشيرالنقاد أنّ هاتين الرّوايتين الآنفتيْ الذّكر كأنهما كانتا تتحدثان عن مَنهَاتنْ بشكل مغاير، إنهما يغوصان في الذاكرة الجماعيّة للسكّان، وفي السّاحات العمومية، والحدائق الكبرى، والمآثر، والمعالم، والدّور والقصور، والقلاع، والحصون، التي جعلت من مدينة برشلونة على وجه التحديد حاضرة ذات طابع خاص ومميّز، الرّوايتان كانتا تخاطبان جميع الشرائح الإجتماعية بإسبانيا، ومن ثم كان سرّ نجاحهما.
أزمنة الصّمت
يرى بعض النقّاد أنّ روايات الكاتب إدواردو ميندوزا كانت وكأنّها تعمل على تدارك وإصلاح الأعطاب التي كانت تعاني منها الرّواية في إسبانيا منذ الستينيّات من القرن الماضي. منذ ذلك الزّمان الذي كان يُطلق عليه، أو يُنعت ب" أزمنة الصّمت"، وكانت برشلونة وهي المدينة التي وُلد فيها الكاتب، كأنّها تتأهّب لإستقبال موجة التحرّر التي ستطولها عام 1975 مع رحيل الجنرال فرانكو. وفجأة أصبح الكطلانيّون – الإسبان ! ينعمون، ويعيشون في كنف مجتمع جديد أكثر إنفتاحاً، وإنشراحاً، وإرتياحاً، ومرحاً، وجذلاً، يفتح لهم ذراعيْه لمعانقة الحياة الجديدة، حيث طفقت العُقَد، والأفكار النمطية المُسبقة، والأحكام الخاطئة الجاهزة، والتخوّفات تتلاشى، وتضمحلّ، وتزول رويداً رويداً، وصارت تمّحي معها كذلك تدريجياً مُخلّفات العهد الفرنكاوي السّابق البائد، وكأنّ الناس، ومعهم إسبانيا كانوا ينتظرون كِتاباً مثل الذي وضعه إدواردو ميندوزا وهو لم يزل بعدُ في شرخ الشباب، وريعان العُمر، وهو الحقيقة حول قضية سافولتا، وأصبح في مقدورالجميع السّفرإلى باريس، وأن تستمرّ حياتهم بشكل طبيعي بدون خوف أو رهبة في مدينة النّور.
عريس إسبانيا الوسيم !
لقد وصف بعض النقاد الإسبان الكاتب إدواردو ميندوسا وكأنه كان عريساً لإسبانيا الجديدة في مرحلتها الإنتقالية نحو الديمقراطية والإنفتاح والإنعتاق، كان وسيماً، أنيقاً، متعلّماً، ومثقّفاً، ذا أخلاق عالية، ونزعة عالمية، كان الكاتب يعمل على إعادة القيم القديمة، وإسترجاع العناصر المضيئة للرّواية الإسبانية، كان يملأ صفحاتها بالرّوح الخفيفة المرحة، ويجعلها تنأى عن التعقيد، حتىّ تلقن الناسَ حبّ الحياة، والتعلق بها، والتشبّث بأهدابها، والتمسّك بتلابيبها، كان يجعلها تعلّمنا كيف نعيش الحياة حتى الثمالة، وكيف يعامل الكتّابُ القارئَ بلطف، كان وكأنّه يشجّع على القراءة، ويعود بالرّواية إلى ينابيعها الأولى، إلى عوالم المرح، والسّخرية، والبساطة، وإلى دهاليز، ومنعطفات، ومتاهات المُخبرين السرييّن المثيرة، الذين يشحذون خيالنا، وكأنّه كان يرجع بنا إلى الرّاويات التاريخية التي تغذي أرواحنا، وتوقظ حواسّنا، وتدغدغ عواطفنا، وترفع هممنا، كلّ هذه الخيارات قادت الكاتب ميندوزا إلى كتابة روايته الأخرى الناجحة التي تحمل عنوان "شِجَار القطط " التي إعتبرها البعض الوجه الآخر، أو النسخة الأخرى لروايته الحقيقة حول قضية سافولتا، ولكن هذه المرّة عن مدينة مدريد، وليس عن مدينة برشلونة.
روعة الإمتاع ومُتعة الإستمتاع
بمثل هذه الأعمال الرّوائية كان إدواردو ميندوسا قد حصد على جائزة سيرفانطيس في دورتها لعام 2016، كما سبق له أن حصل من قبل على إحدى أكبر الجوائز الأدبية الإسبانية الأخرى وهي جائزة بلانيطا عام 2010. وعلى جائزة فرانز كافكا 2015، فضلاً عن حصوله عن جوائز أدبية أخرى، ولابدّ أن العديد من زملائه الكتّاب، والنقّاد، ومعهم القرّاء يحتفون اليوم بهذه التكريمات الأدبية الهامة التي حققها ميندوزا فى عالم الخلق والعطاء والابداع ،حيث يؤكّد النقاد أن ميندوزا يتمّيز كروائي محنّك بأسلوبه الأدبي واللغوي السّلس، وإنتشاره الإستثنائي، وشهرته العالمية، ممّا أفضى به إلى إثراء التراث الأدبي الإسباني المعاصر، وأنّ روايته "الحقيقة حول قضية سافولتا" تفتح عهداً جديداً في الرّواية الإسبانية المعاصرة، وهي تعيد للقارئ روعة الإمتاع، ومتعة الإستمتاع بما يُقرأ، كما أنها تشجّعه وتحثّه على العناية بالتاريخ الذي يُقدّم له في هذه الرّواية الخصلة أو الميزة التي إتّسم بها هذا الكاتب على إمتداد حياته، وعطاءاته في عالم الرّواية والإبداع.
وُلد الكاتب إدواردو ميندوسا في مدينة برشلونة عام 1943، وحصل على الليسانس في الحقوق من الجامعة المستقلة بنفس المدينة، ثم إنتقل للعيش في مدينة نيويورك حيث كان يعمل مترجماً بالأمم المتحدة، ممّا هيّأ له عن قرب فرصة الإتصال، والإطلاع على الآداب العالمية المعاصرة في ذلك الشقّ من العالم، وقد نقلت بعض أعماله الرّوائية إلى السينما الإسبانية التي حققت نجاحات متوالية هامّة، وحصلت على جوائز قيّمة في مجال الفنّ السابع.، من أعماله الرّوائية الأخرى: "متاهات الزيتون"، "عساكر من رصاص"،" مدينة الأعاجيب"، "عام الطوفان"، وآخر أعماله الرّوائية تحمل عنوان "فتاة المُوضة المفقودة"، وهو مُترجم مسرحية حلم ليلة صيف لوليم شكسبير إلى اللغة الإسبانية، هذا كما إعتبر كتابه "ملهاة خفيفة" أحسن كتاب أجنبي في فرنسا منذ بضعة سنوات.
كاتب وباحث من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأميركية للآداب والعلوم – بوغوطا – كولومبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.