1 – مكنت الظروف المناسبة السيد صلاح الدين مزوار أن يهيئ لنفسه مسارا مهنيا ناجحا ، إذ حصل على شهادات جامعية محترمة في مجال الاقتصاد و التدبير بفرنسا ، كما انه " وجد " طريقا مخملية نحو تقلد المكاسب و المناصب الرفيعة ، فأصبح وزيرا للصناعة و التجارة وتأهيل الاقتصاد ثم وزيرا للاقتصاد و المالية و وزيرا للشؤون الخارجية و التعاون ، دون أن ننسى رئاسته لحزب التجمع الوطني للأحرار ، مما يفترض أنه اكتسب تجارب جمة ، وواجه ضروبا من الإشكالات ذات الطابع السياسي والاجتماعي والثقافي .. تجعله بمنأى عن السقوط في الأخطاء الجسيمة و المكلفة على مستوى الذات والوطن . سبب نزول هذا الحديث الورطة غير المسبوقة التي وقع فيها خلال مؤتمر دولي هام ، حيث سمح لنفسه أن يوجه خطابا مباشرا للنظام الجزائري قائلا : " حل الإشكالية التي تعيشها الجزائر اليوم يكمن في جر السلطة الجزائرية لقبول حل تقسيم السلطة .. " . والحال أن السيد مزوار كان عليه ببساطة ، وللوظائف السامية التي تحملها ، أن يلتزم بقانون التحفظ و الامتناع عن أي تصريح إزاء بلد شقيق وجار يواجه الاحتجاجات الشعبية المشروعة بالطرق التي يراها مناسبة ، وليس في حاجة إلى " نصائح " أجنبية ، خاصة وأن الممل المغربية قررت منذ انطلاق الحراك الجزائري السلمي التمسك بنهج عدم التدخل في شؤون هذا البلد ، الذي نعتبر استقراره من استقرارنا وأمنه من أمننا . 2 – وليست هذه هي المرة الأولى التي أخطأ فيها مسؤولون مغاربة كبار ، و هم يعبرون عن " وجهة نظرهم " حول قضايا تخص دولا شقيقة و صديقة مثل روسيا و تركيا و إيران ، وهذا يعني من جملة ما يعني أن عددا كبيرا من السياسيين المغاربة ( وزراء و برلمانيين و رؤساء هيئات سياسية .. ) يعانون من نقص فظيع في الكفاية التواصلية و التفاعل الدبلوماسي الراجح ، منهم من تخرج من المعاهد الغربية تخصص العلوم التطبيقية ، لكن دون استلهام لروح التفكير العلمي المؤسس للعقلانية والتحليل البرهاني الهادئ ! ومنهم مناضلون في أحزاب لا قيمة لها يفتقرون إلى الوعي السياسي المنفتح ، وفن الخطابة المستند إلى قيم الرصانة و قبول التعددية و القدرة على التعبير السلس عن الفكرة و إيصالها إلى المتلقي محكمة المبنى و المعنى ، بل إننا نجتهد في البحث عن سياسيين مغاربة في الحكومة أو مجلسي المستشارين والنواب .. يتوفرون على الكفاية التواصلية و المحاججة وإقناع المتلقي بلسان عربي أو أجنبي "مبين" فلا نكاد نعثر إلا على النزر القليل ! 3 – إن خطيئة السيد صلاح الدين مزوار ما هي إلا قمة جبل الثلج ، لذلك فمعظم رجال ونساء السياسة المغاربة يفضلون "مقاطعة" الإعلام الوطني ويميلون إلى الانزواء بعيدا عن الأنظار ، لأنهم "يفضلون العمل عن الكلام" كما يزعمون ! إن الكفاءات التي ينتظرها مغرب اليوم والغد لبلورة النموذج التنموي الجديد لا تقتصر على الحصول على أفضل الدبلومات والشهادات المهنية و الجامعية فقط ، بل لا بد من الكفاءات النوعية ذات الصلة بالتنوع الثقافي ، والتمكن من التحصيل المعرفي فائق الجودة والاستعداد للحديث بطلاقة وانسيابية أثناء التصريح بالمواقف في اللقاءات والمؤتمرات والندوات الوطنية والإقليمية والدولية ، فالسياسة كانت وستظل فنا للممكنات لكن بذهن متوقد وإنجاز دبلوماسي بالغ الذكاء وصوغ لغوي فاصل ! ومن باب المستملحات سألني أحد الأصدقاء قبل سنوات ممازحا لماذا لا تجد أنت مكانا لك ضمن تشكيلة حكومية مغربية رغم اهتمامك الجاد بالشأن الوطني والدولي ، فكان جوابي بصدق وواقعية : أمثالي وهم كثر لا مجال لهم في هذا الميدان ، لقد تركنا لهم كل شيء مرددين مع المطرب التونسي الكبير لطفي بوشناق : خذوا المناصب و المكاسب و اتركوا لي الوطن !