عندما صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن أزمة كوفيد الصحية ستشكل تهديدا وامتحانا حقيقيين للديمقراطية، فهذه السياسية المحنكة لم تطلق هذا الكلام هكذا على عواهنه وإنما هي إشارة ذكية إلى القرارات التي اتخذتها مجموعة من الدول الغربية للحد من انتشار الفيروس التاجي وكان من شأنها أن شددت الخناق على ما بقي من الحريات الفردية. ببساطة، لقد انحرفت الديمقراطيات العريقة عن مسارها. وباسم الديمقراطية وعن طريق الآليات الديمقراطية تم تمرير عدد كبير من القوانين الدكتاتورية تحت ذريعة الحماية أو الوقاية من الوباء. وإذا كانت وسائل الإعلام تندد بالنازية وتشير دائما إلى فترة الحرب العالمية الثانية بأقبح النعوث فبالمقابل هناك إعجاب خفي للطبقة السياسية بالنموذج النازي في الحكم، والشواهد التاريخية كثيرة على ذلك وخصوصا بالولايات المتحدةالأمريكية.(راجع مؤلفي المتلاعبون بالعقول لهربرت شيلر وصناعة الرأي العام لشومسكي) وقد أكدت هذه الأزمة الصحية مرة أخرى وبما لا يدع مجالا للشك على هذا الانحراف الديمقراطي. هكذا وبعد الإخضاع التام لغالبية الأنظمة السياسية عبر العالم من طرف الشركات متعددة الجنسيات، أتى الدور على الأفراد والمواطنين ليخضعوا هم أيضا لنفس الشركات وخاصة في مجال الصناعات الدوائية والطبية. لقد مررنا من عملية التشجيع والتحفيز على الاستهلاك طيلة العقود الماضية إلى عملية إرغام ممنهجة على الاستهلاك ومصادرة للحرية الفردية في الاختيار.(راجع مؤلف مجتمع الاستهلاك للفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جون بودغياغ.La société de consommation, Jean Baudrillard ) نحن الآن في قلب تراجيديا إغريقية الفاعلون الأساسيون فيها هم منظمة الصحة العالمية والشركات عابرة القارات..أما المتفرجون والضحايا في نفس الوقت فهي الشعوب المقهورة على هذه الأرض تشاهد رغما عنها عروضهم الرديئة وتتحمل في صمت سياطهم الملتهبة على ظهورها. راجع مقالنا تحت عنوان ′′كورونا ومافيا الصحة العالمية′′ طيلة الأشهر الماضية، أبانت هذه الأزمة عن شيء واحد : درجة الانحطاط والانتهازية التي انحدرت إليها غالبية الطبقة السياسية في العالم..بكلمة واحدة..فساد السياسة والسياسيين! من الكذب حول مصدر الفيروس التاجي إلى التكتم حول أعراضه وانتهاء إلى اللقاح المعجزة الذي ظهر ما بين عشية وضحاها في تحد سافر لبروتوكولات البحث العلمي ودفاتر التحملات في هذا المجال…وما زلنا في حالة ترقب رهيب لما ستجود به قريحة هؤلاء الديمقراطيين النازيين! (أنظر مقالنا في الموضوع بالموقع تحت عنوان ′′كورونا وما ينتظرنا′′ بتاريخ 09 أبريل 2020 ) أزمة كوفيد هي أزمة صحية..لكن وعوض التعامل معها وفق الإجراءات الصحية المتعارف عليها أكاديميا في حالة الأمراض والأوبئة، انتهج الديمقراطيون النازيون المقاربة الأمنية ليصادروا ما تبقى من الحريات الفردية وكأن ما اقتلعوه باسم قوانين الإرهاب لا يكفيهم. لا مناص من الاعتراف الحارق بالملاحظة التالية : نحن نسير من سيء إلى أسوأ منذ تغلغل الاقتصاد في السياسة واستفراد التيار النيولبرالي المتوحش بقيادة العالم عبر شركاته العملاقة. وقد أسقطت هذه الأزمة عن النظام الرأسمالي ورقة التوت وتكشف بالملموس أنه لا يعترف إلا بالربح ولا شيء غير الربح ولو على حساب البيئة والإنسان. أخيرا، لا يسعنا والحالة هذه إلا أن نصيح عاليا وبقوة كما صرخت الممرضة أخصائية التوليد Nathalie Derivaux في الشريط الوثائقي الذي انتشر بشكل سريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي Hold-up للمخرج Pierre Barnérias : ′′آلهة العصر الحديث- المدراء العامون للشركات العملاقة- يعيثون في الأرض فسادا ويستعبدوننا، فماذا نحن فاعلون؟′′ ′′الى متى سنظل صامتين؟′′ ′′ماذا سنقول لأبنائنا من بعدنا؟′′ ′′أي عالم سنتركه لأبنائنا وأحفادنا؟′′