الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة        أبو عبيدة: العدو عالق في رمال غزة.. وهجوم إيران أربك حسابات الاحتلال    إقبال كبير من الجالية والنساء.. هذا عدد المغاربة المستفيدين من دعم السكن وتمكنوا من اقتناء سكنهم    محلل رياضي مشهور: أمرابط بمانشستر ليس اللاعب المتألق الذي رأيناه مع المنتخب المغربي في قطر    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    طقس الأربعاء.. أمطار ورياح مع تناثر غبار بهذه المناطق    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الحوار الاجتماعي.. الحكومة والنقابات داخلين فمفاوضات مكثفة على قبل الحق في الإضراب وحرية العمل    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    سيراليون دعمات الوحدة الترابية للمملكة.. هو الحل الوحيد لي عندو مصداقية    تلاميذ متميزون يستكشفون آفاق الدراسة في كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة    رد قوي من طرابلس على التكتل مجهول الهوية لي بغات تخلقو الجزائر.. ليبيا شكرات سيدنا على دعمه الثابت لقضيتها وأكدات أهمية تعزيز اتحاد المغرب العربي    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    وزير فلسطيني: المغرب الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الصوفية و النقد الذاتي من خلال الضبط السلوكي والمصطلحي"
نشر في لكم يوم 06 - 03 - 2021


أولا:من تهافت الفلاسفة إلى تهافت المتمصوفة !!!
يبدو من خلال دراستنا المتواضعة أن الصوفية منذ زمن بعيد قد أدركوا مبكرا مشكلة التداخل الذي يمكن أن يحصل حول مصطلح التصوف والصوفي، وبالتالي بادروا إلى تحديده بطريقة موضوعية وواقعية ،كما هرعوا إلى تخصيص نقد مباشر لبعض الظواهر الشاذة والمشينة التي بدأت تتسرب إلى الطرق الصوفية الرصينة ،أو بعابرة أخرى بدأت تحاكيها في بعض إجراءاتها وأشكالها ومصطلحاتها استراقا، بينما هي قد تختلف عنها كل الاختلاف في عمق منهجها وسلوكها وغايتها.
وهذه الانتقادات تتفاوت بدورها ما بين النقد التنبيهي لتصحيح المسار والنقد التحذيري من تقليد المحتالين والأشرار. فالغزالي قد يعرف بصاحب تهافت الفلاسفة ولكنه لا يلتفت إلى نقده للمتصوفة أو بعبارة مناسبة تهافت المتصوفة أو من يتقمصون هذا المصطلح ويلعبون على أوتاره.فقد خصص حيزا مهما لهذا النقد بشقيه التنبيهي والتحذيري وإن كان الغالب فيه هو النوع الثاني،أي التحذير من الوقوع في شباك الزهو والغرور والانزلاق نحو الشطح والزندقة. وهذا الأمر سيذكره في الربع الثالث من "الإحياء" وكذلك في كتاب خاص هو"الكشف والتبيين في بيان غرور الخلق أجمعين" حيث سيذكر الصنف الرابع من المغرورين ويصطلح عليهم بالمتصوفة قائلا "وما أغلب الغرور على هؤلاء، وما المتصوفة من أهل هذا الزمان إلا من عصمه الله اغتروا بالزي والمنطق والهيئة فشابهوا الصادقين من الصوفية في زيهم وهيئتهم وألفاظهم وآدابهم ومراسمهم واصطلاحاتهم وأحوالهم الظاهرة في السماع والرقص والطهارة والصلاة والجلوس على السجادة مع إطراق الرأس وإدخاله في الجيب كالمتفكر مع تنفيس الصعداء وفي خفظ الصوت في الحديث وفي الصياح إلى غير ذلك، فلما تعلموا ذلك ظنوا أن ذلك ينجيهم فلم يتعبوا أنفسهم قط بالمجاهدة والرياضة والمراقبة للقلب وتطهير الباطن والظاهر من الآثام الجلية والخفية وكل ذلك من منازل التصوف، ثم إنهم يتكالبون على الحرام والشبهات وأموال السلاطين ويتنافسون في الرغيف والفلس والحبة ويتحاسدون على النقير والقطمير ويمزق بعضهم أعراض بعض مهما خالفه في شيء من غرضه.
فهؤلاء غرورهم ظاهر، فمثلهم كمثل عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال والمقاتلين تثبت أسماؤهم في الديوان فتزيت بزيهم فقيل لها أما تستحيي في استهزائك بالملك اطرحوها حول الفيل فطرحت حول الفيل فركضها حتى قتلها"5. ويقول عن فرقة أخرى بأنها "ادعت علم المعرفة ومشاهدة الحق ومجاورة المقامات والأحوال والملازمة في عين الشهود والوصول إلى القرب، ولا يعرف هذه الأمور إلا بالأسامي والألفاظ لأنها تلقف من ألفاظ الطامات كلمات فهو يرددها ويظن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين، فهو ينظر إلى الفقهاء والمفسرين والمحدثين وأصناف العلماء بعين الازدراء فضلا عن العوام، حتى إن الفلاح ليترك فلاحته والحائك يترك حياكته ويلازمهم أياما معدودة ويتلقف منهم تلك الكلمات المزيفة فيرددها كأنه يتكلم عن الوحي ويخبر عن سر الأسرار ويستحقر بذلك جميع العباد والعلماء، فيقول في العباد إنهم أجراء متعبون، ويقول في العلماء إنهم بالحديث عن الله محجوبون، ويدعي لنفسه انه الواصل إلى الحق وأنه من المقربين، وهو عند الله من الفجار المنافقين وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين، لم يحكم قط علما ولم يهذب خلقا ولم يرتب عملا ولم يراقب قلبا سوى اتباع الهوى وتلقف الهذيان وحفظه"6.
ثانيا:الوعي الصوفي النبيه بمخاطر المتمصوف الشبيه
وهذه النماذج الشاذة والمنحرفة هي التي يمكن أن نصطلح على أصحابها ب"المتمصوفة وعلى مسلكهم بالتمصوف"، إذ يمثله نوع من المتطفلين والمتحايلين المزيفين على بعض الطرق التي قد تسمى صوفية بحسب المظهر خطأ، بينما يكون هدفها هو الإساءة إلى التصوف واستغلال الميل الروحي والتعاطف الاجتماعي مع الأولياء والصالحين لتحقيق غاية غير شريفة وهادفة، وبالتالي فإن المتزعمين لهذا الأسلوب هم الذين يصطلح عليهم بالمقابل والمناسبة الصرفية بالمتمشيخة كما عبر عنهم الشعراني في التمييز بينهم وبين الصوفية والمتصوفة الصادقين "ومن آدابهم –أي الصوفية- البعد عن مواطن التهم، وليس من طريقهم مؤاخاة النسوان والأحداث ولا مكالمتهم لغير ضرورة وما قال بإباحة النظر إلى المستحسنات التي نهى الشارع عنها إلا قوم فجار خرجوا عن الطريق ولبسوا على العامة بلبس الزي حتى ظن من لا معرفة له بميزان الشريعة أنهم من الأولياء مع أنهم أفسق الفاسقين… وهم على جانب عظيم من الكسل والفتور عن الخير، وكل من رأى زيهم الذي لبسوه وتقصير ثيابهم وحف شواربهم وتصغير عمائمهم وإرخاء عذبتهم تمشيخا لا اتباعا للسنة اعتقدهم ظاهرا"7.
وهذا النوع من التمشيخ قد حذر منه في بداية الجزء الأول من كتاب "الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية" حيث عبر بمرارة وأسى عن الواقع الذي آل إليه الميدان الصوفي في نظر الجمهور وتصوره من خلال تصرفات هؤلاء المتمشيخة قائلا: "وكان من الباعث لي على تأليف هذه الرسالة طلب النصح لنفسي ولإخواني حيث تحلسنا بحلاس الأشياخ ومشينا على مراسمهم الظاهرة، وظن كل واحد منا نفسه أنه صار من أشياخ الطريق فوضعت هذه الرسالة كالميزان الذي يوزن بها المحق والمبطل، فمن وافق حاله ما فيها فليحمد الله، وإلا فليستغفر الله من دعاويه الكاذبة".
وقد بلغنا أن الذئب الذي اتهم بأنه أكل يوسف عليه الصلاة والسلام كان من حلفه أنه قال: "وألا أكون من مشايخ القرن العاشر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما أكلت يوسف؟!" فكيف يصح لأحد منا دعوى الطريق وهو في النصف الثاني من القرن العاشر الذي استعاذ الذئب أن يكون واحدا من أشباهنا فيها!؟"8
فإذا كان الشعراني قد حذر من تفاقم ظاهرة التمشيخ أو التمصوف وخطورتها في القرن العاشر فما بالك الحديث عن القرن الخامس عشر الهجري والواحد والعشرين ميلادي بحيث إن الوضع سيكون أدهى وأمر، خاصة أمام هذا الطوفان من الانحلال الخلقي وتطور أساليب التزوير وتقدم وتسيب الإعلام في تزيين الصور وتلفيقها، بحيث قد بدأ تفشي هذه الظاهرة في مرحلة الاختلال السياسي والاجتماعي للأمة قبيل مرحلة الاستعمار وفي بدايات القرن العشرين وخاصة عند انحدار الخلافة العثمانية وظهور ما يعرف بالدراويش وغيرهم، وبالتالي تفشي الجهل والقلق والانحلال الخلقي في العالم الإسلامي إلا من رحم الله تعالى، وذلك بسبب غياب العلماء والصلحاء والأولياء عن الحضور الفعال في توجيه المجتمع وتأطيره، حتى طغت الخرافات والشعبذات وأنواع من الدجل والألعاب البهلوانية والسحرية على الساحة العامة تحت زعم أنها من الكرامات وأنها مما ينبغي التسليم لأصحابها، مستغلين في ذلك عطف وميل الجمهور إلى الاعتقاد في الصلحاء والأولياء، وبالتالي اختلط الذهب الخالص بالبهرج والمزيف، مما حدا بالمتشددين والمتربصين من زعماء الحنابلة المتسلفين في ثوبها الأكثر تطرفا وهي الوهابية النجدية المحدثة إلى استغلال ظاهرة التسيب في النسبة إلى التصوف والصوفية بغير مراقبة من طرف المتصوفة لاتخاذها ذريعة لفرض مخططها في سحق وقبر الحياة الوجدانية والروحية للأمة. فخرجت مرة بزعم محاربة البدع و ومرة بمنع التوسل والاجتماع على ذكر الله تعالى جهرا وجماعة وتلقينا، وذلك تحت مبرر الدعوة إلى التوحيد بالمفهوم المتسلف الجامد والأقرب إلى التجسيم والتشبيه عبارة ولفظا منه إلى التنزيه والتقديس. كما قد يبدو في كثير من تصريحاتهم وتفسيراتهم للعقيدة، وحسب ما استخلصه كثير من علماء ومفكري الأمة المعتدلين والمنفتحين في فكرهم ورؤيتهم النقدية والتحليلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.