تنعقد دورات المجالس المنتخبة بالمغرب وسط انتقادات كبيرة بسبب التعويضات التي يتم إقرارها للرئيس والمستشارين، والتي تعتبرها الكثير من الأصوات "ريعا" وتبذيرا للمال العام دون جدوى. وتتعالى الأصوات داخل العديد من المجالس منددة بالمبالغ الكبيرة التي يتم رصدها لهذه الأغراض الثانوية، والتي تكون في جزء كبير منها على حساب المصلحة العامة والتنمية. ففي جماعة الرباط، اتهم فريق العدالة والتنمية العمدة بالبذخ والإسراف غير المبرر في تسيير شؤون الجماعة، منتقدا مصاريف نقل الرئيسة والمستشارين بالخارج والتي ارتفعت بنسبة 400%، ومصاريف المهام بالخارج التي زادت بنسبة 300%، ومصاريف التنقل داخل المملكة التي تضاعفت ثلاث مرات، وميزانية الإطعام والاستقبالات التي تضاعفت 5 مرات. كما استنكر "البيجيدي" بالجماعة انتقال مصاريف اكتراء آليات النقل من 0 إلى مليون و500 ألف درهم، وتضاعف نفقات الدراسات العامة ب 20 مرة، وغيرها من النفقات التي تنهك الميزانية. محمد أبو درار، عضو مجلس جهة كلميم واد نون، رصد ذات الممارسات في مجلس الجهة، وانتقد بشدة ارتفاع ميزانية الجهة بشكل كبير، خاصة فيما يتعلق بمصاريف نقل الرئيس والمستشارين، والهدايا والإطعام، ومصاريف المحروقات وغيرها. وعقد أبو درار مقارنة بين ميزانية الجهة وجهة سوس-ماسة، حيث رصد تضاعف المصاريف المخصصة لهذه الجوانب الثانوية، حيث تبلغ ميزانية التنقل داخل وخارج الوطن بكلميم واد نون 470 مليون سنتيم، أما المحروقات ومصاريف السيارات فحددت في 270 مليون سنتيم، وكذلك الشأن فيما يتعلق بمصاريف الاستقبال والإطعام وغيرها. ولا يتوقف الأمر عند رصد مبالغ مهمة لهذه الأغراض من ميزانية المجالس، بل إن النفقات والتعويضات قد تكون على حساب مشاريع تهم المواطنين والتنمية، ففي جماعة أربعاء الساحل بإقليم تيزنيت، خرجت طالبات للاحتجاج الشهر الماضي بسبب تحويل مجلس الجماعة اعتمادات مالية لدعم السكن الجامعي، إلى تغطية نفقات تعويضات الرئيس والمستشارين. كما لا ينحصر انتقاد الميزانيات المخصصة لهذه التعويضات على حجمها فقط، بل يتم ربطه أيضا بالأداء "الضعيف" لبعض المجالس، والذي يجعل هذه التعويضات بلا معنى. ففي جماعة مكناس، دعا المستشار عبد الوهاب البقالي عن الحزب الاشتراكي الموحد رئيس الجماعة والمستشارين إلى إرجاع سيارات المصلحة وثمن المحروقات، والتعويضات التي حصلوا عليها طيلة السنة، معتبرا أنه لا يمكن الاستمرار في الاستفادة من الامتيازات في الوقت الذي يعيش فيه المجلس شللا. وتذهب الكثير من الأصوات إلى التأكيد على أن هذه التعويضات والمصاريف الكبيرة، هي مخالفة صريحة لمنشور رئيس الحكومة حول "التقليص لأقصى حد من نفقات النقل والتنقل داخل وخارج المملكة ونفقات الاستقبال والفندقة وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات وكذا نفقات الدراسات"، مع المطالبة بالمراقبة والمحاسبة. محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أكد أن قضية تبديد وهدر أموال عمومية تحت عناوين مختلفة مثل؛ تعويضات تنقل المستشارين والرئيس داخل وخارج المغرب، ومصروف الجيب، والوقود، والإقامة والإطعام والاستقبال، هي سمة تلازم تقريبا معظم المجالس والجماعات الترابية على الصعيد الوطني. وأبرز الغلوسي أن المطلع على تلك التعويضات سيشعر بالحيرة، لأنها ببساطة لا تخضع لأي منطق أو مبررات موضوعية، ولا يمكن الوقوف على أسباب وجدوى وجودها، في الوقت الذي يجب أن تنصب على تنمية المجال وخدمة الساكنة لا خدمة المصالح الخاصة. وشدد على أن المفروض في صرف المال العام أن يكون مبررا تبريرا موضوعيا وليس تبريرا مقنّعا تحت غطاء الشرعية، من خلال التواطؤ أثناء عرضها على التصويت وذلك بسوء نية، مع العلم أن المستشارين أصبحوا يتقاضون تعويضا شهريا عن مهامهم. وأكد وجود اتفاق بسوء نية وتواطؤ ضد المصالح الحيوية للمواطنين بين المستشارين، لتمرير التصويت على تلك المبالغ الضخمة لتظهر بمظهر المشروعية، وهي مشروعية تزكيها سلطات الرقابة الإدارية في شخص الولاة والعمال الذين يمنحهم القانون حق الاعتراض على تلك النفقات والمبالغ، بل وعلى الميزانية ككل طبقا للقانون. إلا أن المعنيين بسلطة الرقابة، يضيف الغلوسي، لا يفعلون ذلك في الغالب، رغم أن تلك التعويضات في جوهرها تهدف إلى تبديد وهدر المال العام، وتشجيع ثقافة وسياسة الريع في التدبير العمومي، وهي جريمة معاقب عليها (أي تبديد المال العام ) بمقتضى الفصل 241 من القانون الجنائي. وزاد رئيس جمعية حماية المال العام "يبدو أنه هناك اتفاقا وتواطؤا ضد المصلحة العامة بين أعضاء تلك المجالس للتصويت على تلك التعويضات، لضمان ولاء الأعضاء وشراء ذمم بعض النخب وتشجيع الريع والفساد في الحياة العامة". ونبه إلى أن سكوت السلطة على تلك الممارسة وعدم الاعتراض عليها، يؤكد أن الفساد في المغرب نسقي وبنيوي، ولذلك يحصل تردد كبير في التصدي له، لأن من شأن مواجهته بشجاعة وحزم أن تصيب شظاياه مجموعة من المسؤولين والجهات.