أثار تعيين محمد سعد برّادة وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرّياضة في منتصف زمن تنفيذ خارطة طريق الإصلاح التربوي 2022/2026 التي استقدمها الوزير شكيب بنموسى في عشرين برنامج إصلاحيا، الكثير من الجدل حول استدامة واستمرارية مسلسل الإصلاح، ومن ستكون له المسؤولية في التعثر أو النجاح في التنفيذ بعد في شتنبر 2026، مما يجعل الوزير الجديد غير العارف بما يعجّ به القطاع الذي يحتضن أكثر من 280 ألف موظف ما ينتظره خلال الثلاث سنوات المقبلة. وبرأي مراقبين تحدثوا لموقع "لكم"، فإن قدوم برادة الوزير الجديد للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى الحكومة الحالية من إدارة أعمال شركات في مجالات مختلفة بين صناعة الحلويات والأدوية، بعضوية المكتب السّياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، سيجعل المسؤولية السياسية أمامه وأمام تنظيمه السّياسي، فالوزير الجديد يرأس شركة للحلويات التي تحمل اسم العلامة "ميشوك"، ومدير لشركة "TGCC"، لإنشاءات للبناء، إلى جانب اقتنائه مختبر الأدوية "فارمابروم"، وكان اسمه مدرجا ضمن تعيينات مجلس إدارة شركة أفريقيا غاز في أبريل 2020 قبيل انتخابات 8 شتنبر 2021.
وسيواجه الوزير برادة ملفات عالقة لم يقو سلفه في التّنظيم "التّجمع الوطني للأحرار"، بنموسى زحرحتها، ووضعها على السكة الصّحيحة، على الرغم من كونه مهندس، مما يجعل كسب رهانات إصلاح منظومة التربية والتكوين تتطلب، وفق العارفين بخبايا القطاع، بناء خمسة قناطر للنجاة بقطاع ظل حظّه العاثر من الإصلاح لم يصلح أعطاب منظومة ما تزال تتذيل الترتيب أفريقيا وأمميا في نتائج " PESA" و"TIMS". القنطرة الأولى: تتصل بالحكامة التدبيرية والهيكلية، فأمام تضخم بنيوي تنظيمي هيكلي على مستوى المصالح المركزية، بعدما جرى في عام 2024 اعتماد هيكلة جديدة بمديريات مركزية جديدة وبتسميات جديدة، عدد منها لم يتم تعيينه، وجلها يتم تدبيره بتكليف، في وقت بقيت فيه الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية التي تتحمل العبأ الأكبر من التدبير ما تزال بهيكلة قديمة، تم تجديدها في العقد الأخير غير أنها لم تحقّق النجاعة المطلوبة، وفق استشارة داخلية موسعة تمت بلورتها العام الماضي، وبحاجة لمراجعة جذرية، تنظيما وأشخاص ومسؤولين، وبديوان قويّ ومستشارين يفهمون نساء ورجال التعليم وخبروا تجارب مسارات الإصلاح، حتّى لا يقعوا في فخّ تدبير الوزير بنموسى مع الوحدة المركزية لدعم الإصلاح، التي تركها المديرون المركزيون للتجريب ومراكمة الأخطاء وهدر زمن الإصلاح. القنطرة الثّانية: برامج خارطة طريق الإصلاح 2022/2026 ما تزال تسير بسرعة "السّلحفاة" رغم حصر أهدافها الاستراتيجية، باستثناء ما حققته مدارس الريادة في التعليم الابتدائي ال626 في مرحلة التجريب، غير أن باقي البرامج متعثرة، بعضها تائه في رؤيته وبعضها الآخر لم يجد طريقه إلى التلميذ والأستاذ والمدرسة بعد رغم طول التنظير واللقاءات الوطنية، حيث ما تزال المنظومة التربوية تشكو من هدر مقلق يتجاوز نزيف أكثر من 220 ألف تلميذ سنويا، أي أكثر من 800 تلميذ يغادرون المدرس سنويا، رغم الرفع من الميزانية القطاعية كلّ عام، وتعبئة موارد بشرية بتوظيف سنوي يصل إلى 20 ألف توظيف القنطرة الثّالثة: حاجة المصالح المركزية والجهوية والإقليمية إلى "تطهير جماعي وفردي" من مسؤولين شاخوا، وتقلّبوا بين الأحزاب السّياسية وغيروا جلهم السّياسي ليحظوا بالحماية ويؤمّنوا مناصبهم، إذ منهم من قضى ما لا يقل عنن 4 سنوات في مناصب المسؤولية، ومنهم من قضى ما بين 6 و 10 سنوات مديرا مركزيا (جلّهم) ومدير أكاديمية (5 مديرين)، ومديرا إقليميا (12)، ولم ينقلوا ولم يحاسبوا، بل منهم من تبث تورطهم في ملفات تفجّرت شظاياها في الإعلام وكانت مثار شكاوى وتقارير في مؤسساتهم التدبيرية عكستها النتائج والأداء. ويرى هؤلاء المراقبون أن ربط المسؤولية بالمحاسبة من المركز إلى المؤسسة التعليمية رهين بتحقيق النجاعة المطلوبة لا العكس؟. القنطرة الرابعة: على الرغم من إقرار نظام أساسي جديد لموظفي التربية الوطنية في نياري 2024 بعد تعكل الدراسة وشلل الفصول الدراسية نتيجة إضرابات دامت العام الموسم الدراسي 2023:2024 لأكثر من ثلاثة أشهر، فإن هذا النظام الجديد خلّف ضحايا جدد، حيث تتواصل الاحتجاجات القطاعية، من أساتذة الزنزانة إلى المختصين إلى المبرزين إلى حاملي الشواهد العليا وغيرهم، وهو ما لا يحقٌّ "الاستقرار التربوي والأمن التربوي داخل المؤسسات التعليمية". فكيف يمكن لأستاذ غير مستقر مهنيا ويحس بالحيف والظلم والجور أمام فئات من زملائه أنصفوا أن يؤدي رسالته، خاصة أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي الذين يشكلون أكثر كتلة لهيئة التدريس في المغرب والأقل راتبا وأجرا وتحفيزا، والأكثر ساعات تدريس وتعبا. وهو ما سيجعل الوزير برادة أمام امتحان تقليص زمن التّعلمات الصّفية وتحسين المحتوى وجودة البرامج والمنهاج الدراسي حتى يكون الأداء أفضل للمدرّسين وينعكس على نحو ما يفوق 5 ملايين تلميذ يحتضنهم الابتدائي والإعدادي. القنطرة الخامسة: الالتقائية في التدخلات وتحقيق النجاعة التربوية بين المؤسسة التعليمية والمديرية الإقليمية والأكاديمية والوزارة في انسجام تام يكون هدفه رفعة التلميذ أولا وتحسين جودة التعلمات، وثانيه تحفيز الأستاذ وتخفيف المنهاج والبرنامج الدراسي وتحقيق نجاعته، في تناغم تام مع أنشطة الحياة المدرسية والتوجيه التربوي الناجح والناجع، يعزّز برؤية مندمجة للحياة المدرسيّة، في فضاء مدرسي جذّاب يوفر شروط النّجاح والإنجاح الدراسي والمدرسي، بإدارة تربوية قوية توفر لها كل الموارد البشرية والمادية، ومعينات الحكامة التربوية، تراقب وتواكب وتؤطر وتوجه وتدقّق بمشروع المؤسسة المندمج (PEI) المميزن، القابل للتحقّق في قلب الفصل الدراسي والمؤسّسة التعليمية، لا على الورق، الذي يضخ في حساباته السّنوية، والذي جعل المؤسسات التعليمية بها أكثر من 200 مليون درهم غير مستغلة لتعقد المساطر وتجاوزها الزمن الإداري، مما جعل كل مدبر/ مدير تربوي يتركها تجمد في أرصده المؤسسة ولا تصرف من أجل ما رصدت له.