العلاقة مع الجزائر وقضية الصحراء وانتخابات 2026 ثلاثة قضايا مترابطة ومتداخلة أطرت أحدث خطاب للملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش في 30 يوليوز الماضي. إثارة هذه المواضيع الثلاثة وحسب الترتيب أعلاه، ليس جديدا، كما أنه ليس روتينيا يتكرر في أكثر من خطاب ملكي، وإنما يجب قراءته حسب السياقات الحالية والمستجدات التي عرفتها قضية الصحراء والمنطقة، والاستحقاقات التي ينتظرها المغرب سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الداخلي. لنبدأ بالعودة إلى الخطاب الملكي، ونقف عند أهم ما جاء فيه، فقد أكد الملك على حرص المغرب على "إيجاد حل توافقي (لقضية الصحراء)، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف".. وفيما يتعلق بالعلاقة مع الجزائر عبر الملك عن "استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول، حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين".، مشددا على ثقته بأن الاتحاد المغاربي "لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة".
وفي الفقرة الموالية من الخطاب، تحدث الملك عن الانتخابات التي تنتظر المغرب عام 2026، وقال إنه أعطى توجيهاته لوزير الداخلية من أجل "الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين (السياسيين)" وشدد على "ضرورة توفير المنظومة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية". لفتيت يٌفسر الخطاب الملكي ومباشرة بعد الحطاب الملكي عقد وزير الداخلية عبد الوافي الفتيت اجتماعا مع ممثلي الأحزاب السياسية خصص لموضوع تحضير الانتخابات التشريعية المقبلة، في إطار التنفيذ الفوري لتوجيهات الملك، وكشف إدريس الأزمي الإدريسي، نائب الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، الذي حضر هذا الاجتماع، أن الوزير، الذي كان يقرأ من ورقة مكتوبة، مما يدلل على أن وزير الداخلية كان يقدم تفسيرا رسميا لمحتوى الخطاب الملكي عندما أكد على "الرغبة القوية والعزيمة الثابتة" للدولة في المضي قدماً في "بناء الصرح الديمقراطي والمسار التنموي"، وشدد على أن تحقيق هذا الهدف يمر عبر "مؤسسات تحظى بالشرعية والثقة والاحترام"، تكون منبثقة عن "التعبير الحر للإرادة الشعبية"، ولضمان تحقيق هذه الأهداف، يقول الأزمي نقلا عن لفتيت، فإن الدولة تضع كهدف لها الرفع من نسبة المشاركة، وتلتزم ب "التصدي الحازم للممارسات التي من شأنها أن تمس بمصداقية العمل الانتخابي"، و"التصدي الصارم لكل التجاوزات التي قد تطال العملية الانتخابية"، و"التصدي الصارم لكل ما من شأنه أن يمس التعبير الحر عن إرادة المواطنات والمواطنين". أما على مستوى التطورات التي شهدتها قضية الصحراء خلال الشهور القليلة الماضية، فلنبدأ من أخر التطورات في هذه القضية، والتي عكستها زيارة مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى الجزائر، وكان سيختمها بزيارة إلى المغرب كما أعلن هو نفسه قبل بداية جولته المغاربية. ولا يعرف حتى الآن سبب تعليقه أو إلغائه أو تأجيله زيارته إلى المغرب، وهل قرار التأجيل أو الإلغاء صدر عنه أم عن الرباط. وثمة مصادر إعلامية، تحدثت عن حضور مسعد بولس، وهو أيضا صهر الرئيس ترامب، حفل الاستقبال الذي أقيم في القصر الملكي يوم الاحتفال بعيد العرش، والذي دعي إليه أيضا مسؤولون حكوميون إسرائيليون، لكن لم يتسنى التأكد من مصادر موثوقة من حضور مسعد ذلك الحفل، وهل وجهت له الدعوة بصفة شخصية ولذلك لم يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام الرسمية سواء في المغرب أو في موقع السفارة الأمريكية في الرباط؟ وبالمقابل تحدثت مصادر دبلوماسية عربية في واشنطن عن امتعاض الرباط من التصريحات التي أطلقها مسعد في واشنطن قبل انطلاق زيارته، وتربط ذلك بعدم استقباله في المغرب، بل وتشير إلى أن برقية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش، جاءت لطمأنة الرباط إلى تباث الموقف الرسمي الأمريكي الذي جدد اعترف واشنطن بسيادة المغرب على إقليم الصحراء واعتبارها المقترح المغربي القاضي بمنح سكان الإقليم المتنازع عليه حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، مقترحا جديا بل والوحيد المطروح لأي حل توافقي بين أطراف النزاع. فما الذي جاء في تصريحات مستشار ترامب، ويعتقد أنه أغضب الرباط؟ إشارات تصريحات مٌسعد في شهر أبريل الماضي وأثناء إعداده لزيارته إلى افريقيا والمنطقة المغاربية، خص بولس مسعد، مراسلة قناة "العربية" في واشنطن، بلقاء أعلن فيه بشكل رسمي عن عزمه زيارة الجزائر والمغرب، وفي حدثيه وردت تصريحات أثارت جدلا واسعا لأن من بين المراقبين من اعتبرها تفسيرا لقرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، عندما صرح بأن "الاعتراف الأمريكي بسيادة (المغرب على) هذا الإقليم ليس مطلقا بل مشروطا برضا الصحراويين"، قبل أن يستطرد شارحا وجهة نظره "لو رجعنا إلى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيادة المغرب على الصحراء الغربية في 2020.. صحيح أنه منح السيادة للمغرب، ولكن تضمن كلامًا مهمًا جدًا يتعلق بالحوار والتوصل لحل مرضٍ لجميع الفرقاء. لم يكن إعلانًا مطلقًا بشكل مقفل، بل تُرك الباب للحوار للتوصل لحل يرضي الطرفين"، قبل أن يؤكد على أهمية التوصل إلى حل نهائي يراعي أوضاع من وصفهم ب "اللاجئين الصحراويين"، مشيرا إلى أن "الصحراء الغربية ملف مهم جدًا عمره 50 سنة"، قائلا: "يهمنا الحل النهائي للصحراويين، لا ننسى أن هناك 200 ألف صحراوي لاجئ يعيشون في الجزائر". في الجزائر نُظر إلى هذه التصريحات على أنها إعادة للتوازن في النظرة الأمريكية لملف الصحراء، خاصة عند الحديث عن "اللاجئين الصحراويين" كطرف أساسي في كل حل مستقبلي لهذا النزاع، في مقابل النظرة التي تؤيد بشكل مطلق دعم مخطط الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كحل أوحد للنزاع، وهو ما ترفضه الجزائر المؤيدة لجبهة "البوليساريو"، التي تطالب بحق تقرير مصير الصحراويين وفق مقررات الأممالمتحدة. وبعد زيارته إلى الجزائر التي التقى خلالها مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وعقد اجتماعا مطولا مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، صدرت عن مستشار ترامب تصريحات شدد فيها على واشنطن تولي أهمية بالغة لعلاقاتها مع الجزائر، وتتطلع إلى تعزيز التعاون المشترك، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق السلام والاستقرار في أفريقيا، ومحاربة الإرهاب، وتأمين الحدود ، وتعزيز التعاون التجاري، لا سيما في قطاع الطاقة وقطاعات أخرى واعدة. وكان لافتا أن مستشار ترامب تجنب الحديث عن قضية الصحراء بشكل علني في الجزائر أمام الإعلام. هذا التحول في تصريحات مسؤول أمريكي قريب من الرئيس ترامب ليس جديدا، ففي شهر أبريل من العام الجاري، سيصدر بيان عن وزارة الخارجية الأمريكية، عقب اللقاء الذي جمع بواشنطن، بين وزير خارجية المغرب، ناصر بوريطة، وكاتب الدولة الأمريكي، ماركو روبيو. وفي هذا البيان جدد روبيو "التأكيد على أن الولاياتالمتحدة تعترف بسيادة المغرب على الصحراء"، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، إن رئيس الدبلوماسية الأمريكية شدد على أن الولاياتالمتحدة "تدعم مقترح الحكم الذاتي الجدي وذي المصداقية والواقعي كأساس وحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع"، وأضافت أن بلادها "لا تزال تؤمن بأن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد ذو الجدوى". وأكدت أن "الرئيس الأمريكي يحث الأطراف على الانخراط في محادثات من دون تأخير على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الإطار الوحيد للتفاوض على حل مقبول من الأطراف"، ومبينة بأن كاتب الدولة الأمريكي "أشار إلى أن الولاياتالمتحدة ستعمل على تسهيل إحراز تقدم نحو هذا الهدف". وهذه أول مرة تستعمل فيها بيانات الخارجية الأمريكية كلمة "حقيقي" لوصف مقترح الحكم الذاتي الذي تعتبره "الحل الوحيد ذو الجدوى". رسائل دي ميستورا هذه الإشارة التي حملتها تصريحات الناطقة الرسمية بإسم الخارجية الأمريكية سيبرزها المبعوث الخاص للأمم المتحدة في الصحراء، ستيفان دي ميستورا، في آخر إحاطة له أمام مجلس الأمن نهاية أبريل الماضي، والتي كشف فيها عن استدعائه، قبل إعداد ورقة الإحاطة، من طرف وزارة الخارجية الأمريكية، وضَمَّن ورقته ما وصفها ب"الرسائل الثلاثة" التي وردته من السلطات الأمريكية على ضوء لقاء بوريطة وروبيو. وهذه الرسائل الثلاثة كما وردت في الإحاطة التي قدمها دي ميستورا أمام مجلس الأمن تتمثل في: الرسالة الأولى: إن الحكم الذاتي يجب أن يكون "جاداً". ويشرح دي ميستورا هذه الرسالة بالقول: "هذا ينسجم مع قناعتي وطلبي بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية يجب أن تُشرح بمزيد من التفصيل، ومن ثم توضيح الصلاحيات التي سيتم تفويضها لكيان يتمتع بالحكم الذاتي الحقيقي في الصحراء الغربية". الرسالة الثانية: ضرورة أن يكون الحل مقبولا من الطرفين. لكن دي ميستورا يضيف شارحا بأن "المفاوضات الفعلية بين الأطراف المعنية لا بد أن تُجرى من أجل التوصل إلى حل"، مع تأكيده أن يكون هذا الحل "نوعاً ما من الآلية الموثوقة لتقرير المصير". الرسالة الثالثة: الانخراط المباشر للإدارة الأمريكيةالجديدة لتسهيل التوصل إلى حل متفق عليه. ويشرح دي ميستورا هذه الرسالة التي يصفها كونها "الأهم"، بأنها تٌشعره بوجود "إحساس بالإلحاح" يسعى لحل قضية الصحراء. ما العلاقة بين كل هذه التطورات؟ للجواب عن هذا السؤال لا بد من استحضار استحقاق آخر مهم ينتظر قضية الصحراء: التقرير الدوري الذي سيقدم أمام مجلس الأمن نهاية أكتوبر المقبل. وانتظار التغيرات التي قد تطرأ على قوانين الانتخابات في المغرب لعام 2026 حتى تكتسب مصداقية أكبر في الداخل والخارج. الجزائر.. تحول صغير لكن له دلالته يبقى موقف الجزائر أساسيا في كل حل قد تشهده هذه القضية، لذلك كان ضروريا رصد كل ما يصدر عنها من تصريحات وإشارات، فعلى غير العادة لم يرسل الرئيس الجزائري برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، والتي كان يمكن أن تحمل إشارة إلى موقف الجزائر من اليد الممدودة للملك نحو الجارة الشرقية للمغرب. بالمقابل، فقد سارعت جبهة "البوليساريو" إلى إصدار موقفين، الأول عبر بيان رسمي صادر عن الجبهة يعيد تشبثها بمواقفها السابقة التي تدعو إلى استفتاء لتقرير المصير، وتصريحات صادرة عن رئيس وزراء الجبهة، والتي أطلقها من الجزائر، وفيها يرحب بالدعوة إلى المفاوضات المباشرة مع الرباط، وبدون شروط. لكن قبل ذلك، لا بد من رصد إشارة لافتة لها دلالتها في فهم التعاطي الجزائري مع هذه القضية، وهي تلك التي تم رصدها بعد إعلان بريطانيا دعمها القوي مقترح الحكم الذاتي المغربي، فقد كان لافتا للانتباه أن الجزائر لم تبادر إلى استدعاء سفيرها في لندن أو تجمد علاقاتها معها كما سبق أن فعلت عندما أقدمت إسبانيا وفرنسا على الخطوة نفسها، وإنما أصدرت وزارة خارجيتها بيانا لم يحمل فقط نبرة معتدلة اتجاه الموقف البريطاني الجديد من هذه القضية التي يعتبر دعمها من بين التوجّهات الكبيرة للدبلوماسية الجزائرية والثوابت الأساسية في سياستها الخارجية، عندما اكتفى بالتعبير عن الأسف، ولكنه حمل، في نفس الوقت، إشارة ذات دلالات مهمة عندما قال لأول مرة بأن "المقترح المغربي لم يتم عرضه على الصحراويين كأساس للتفاوض". وإذا علمنا أن هذا المقترح يطرحه المغرب على طاولة التفاوض، ونصه موجود على الإنترنت ومتوفر لوسائل الإعلام، فإن الإشارة الجزائرية هنا قد تحمل قراءة أخرى تُلمح إلى بداية تقبلها مناقشة المقترح المغربي أساساً للتفاوض، وهو ما قد يمهد لتحول آتٍ في الموقف الجزائري من هذه القضية، ينسجم مع تصريحات ومواقف مسؤولي الإدارة الأمريكية الحالية، وقد يتقاطع مع التصريحات الواردة في الخطاب الملكي. في انتظار استنتاجات ترامب بقي إذن، أن ننتظر موقف الإدارة الأمريكية الذي قد تظهر بعض ملامحه في القرار الصادر عن مجلس الأمن نهاية أكتوبر المقبل، على اعتبار أن واشنطن هي "صاحبة القلم" في تحرير مشاريع القرارات الخاصة بقضية الصحراء أمام مجلس الأمن. ثانيا، يجب انتظار استنتاجات الرئيس ترامب، الذي سبق أن دعا إلى ضرورة الإسراع لإنهاء هذا المشكل، من نتائج زيارة مستشاره وصهره إلى المنطقة، وهو ما قد يكشف عنه هو نفسه في إحدى تصريحاته، أو من خلال وزارة خارجيته أو مبعوثه إلى المنطقة الذي مازالت الرباط تنتظر زيارته الرسمية التي سبق أن أعلنها هو نفسه ولا يعرف حتى الآن متى سينفذها ولماذا أجلها؟ ! ويبقى السؤال مطروحا: هل سيكون العام المقبل عام الحسم في قضية الصحراء؟ وما طبيعة هذا الحسم؟ الإجابات ستتوقف على موقف الجزائر، وعلى مخرجات تقرير مجلس الأمن في أكتوبر، وكذلك على إشارات الإدارة الأمريكية، التي تظل صاحبة الكلمة الحاسمة في صياغة قرارات المجلس، وقبل كل ذلك على التعامل المغربي مع كل هذه التطورات داخليا وخارجيا. فقضية الصحراء لم تعد مجرد ملف نزاع إقليمي تُدار فصوله في أروقة الأممالمتحدة أو كواليس العواصم الكبرى؛ بل تحولت إلى محور يختبر قدرة المغرب على المواءمة بين طموحاته الدبلوماسية واستحقاقاته الداخلية. ومع اقتراب سلسلة من المواعيد الدولية الحاسمة بشأن القضية، يجد المغرب نفسه أمام لحظة فارقة قد تعيد تشكيل ملامح المشهد السياسي في المنطقة. فالملف، الذي ظلّ لعقود حجر الزاوية في الدبلوماسية المغربية، يدخل مرحلة جديدة تفرضها تحولات في مواقف القوى الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، التي رحبت مؤخراً في بيان لوزارة خارجيتها بالاقتراح المغربي الساعي إلى منح الإقليم المتنازع عليه حكماً ذاتياً "حقيقياً" يضمن لسكانه إدارة شؤونهم بفعالية. هذه الإشارة الأمريكية إلى "الحكم الذاتي الحقيقي" ، والرسائل التي حملتها إحاطة دي ميستورا المطالبة بضرورة تفصيل مضمون المقترح المغربي، ليست مجرد تعبيرات دبلوماسية عابرة، بل هي مؤشرات على دخول الملف مرحلة أكثر وضوحاً في المعايير، حيث لن يكون الاكتفاء بالتصريحات والشعارات كافياً، وإنما ستٌقاس المواقف بمدى القدرة على ترجمتها الفعلية على أرض الواقع. كما أنها تحمل في طياتها رسالة مزدوجة: أولاً، التأكيد على أولوية الحل السياسي الواقعي؛ وثانياً، اختبار مدى جدية الرباطوالجزائر في الالتزام بوعودهما، ليس فقط أمام المجتمع الدولي، بل وأمام رأيهما الداخلي الذي يترقب نتائج أي تسوية أو ضع نهاية لأطول نزاع في القارة السمراء. وبالنسبة للمغرب، تلوح في الأفق انتخابات 2026 كمحطة مفصلية، قد تتحول إلى امتحان سياسي لمدى استعداد الدولة لترجمة مشروع الحكم الذاتي إلى واقع ملموس، بما يعزز صورة المغرب كدولة قادرة على المواءمة بين المطالبة بسيادتها على جزء من أرضها ومتطلبات الانفتاح الديمقراطي كشعار ترفعه القوى الحية والديمقراطية داخل البلد. وعليه، فإن الرباط، وهي تخوض معركة كسب الدعم الدولي، مطالبة أيضاً بكسب ثقة الداخل عبر انتخابات شفافة وإصلاحات جريئة. فالمرحلة المقبلة لن تقاس فقط بمدى التقدم على المسار السياسي لقضية عمرت أكثر من نصف قرن، بل أيضاً بمدى الانسجام بين خطاب السياسة الخارجية وإيقاع الإصلاحات الداخلية. إقليمياً، تظل الجزائر عاملاً حاسماً، إذ يمكن لأي تغيّر في موقفها أن يفتح آفاقاً جديدة، أو يعمّق الانسداد القائم، ففي الوقت الذي تستمر فيه الحدود بينها وبين المغرب مغلقة، والعلاقات الدبلوماسية بينهما مقطوعة، فإن التحركات والتصريحات الأخيرة، تعد بمثابة مؤشرات سياسية توحي بإمكانية تحريك المياه الراكدة إذا ما توافرت الإرادة السياسية من الطرفين، وهذا ما عبر عنه صراحة الملك محمد السادس من خلال تعبير "اليد الممدودة"، التي لا زالت تنتظر حتى الآن أن ترد عليها اليد الجزائرية التحية بمثلها أو بأحسن منها! ما ستشهده قضية الصحراء في العامين المقبلين لن يحدد فقط ملامح موقع المغرب على الخريطة الدبلوماسية الإقليمية ، بل سيؤثر مباشرة في التوازنات الإقليمية في المنطقة وداخل كل دولة على حدى. كما أن انتخابات 2026 في المغرب قد تتحول إلى لحظة فارقة، تُختبر فيها جدية الرباط في تنفيذ ما تروج له على الساحة الدولية. والنجاح في هذا الامتحان سيعني تعزيز شرعية الداخل وتثبيت المكاسب الخارجية، أما الإخفاق فقد يفتح الباب أمام أسئلة صعبة حول العلاقة بين خطاب "الدولة الديمقراطية" الموجه للإستهلاك الخارجي وإرادة الإصلاح المتعثرة في الداخل. حتى ذلك الحين، يبدو أن الرباط تدير معركتها على جبهتين متوازيتين: تعزيز الشرعية الدولية لمقترح الحكم الذاتي، والإعداد الداخلي لمرحلة سياسية قد تشهد تحولات كبيرة مع انتخابات 2026. لننتظر ونراقب.