لتعزيز التكوين الدبلوماسي..توقيع اتفاقية تعاون بين المغرب والنيجر    السكتيوي: الفوز مستحق رغم الظروف الصعبة... والبداية الإيجابية تمنحنا دفعة قوية    موظف أمن بالرباط ينتحر بسلاحه بعد خسارته في معاملات تجارية على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب 12 كيلوغراما من مخدر الكوكايين بمركز باب سبتة    مراكش تعزز أمنها الحضري بافتتاح قاعة حديثة لمراقبة المدينة العتيقة    مهرجان مراكش الدولي للفيلم : « أصوات محطمة» رؤية تشيكية للاستغلال الجنسي السلطة السيئة    وصول السفير الأمريكي الجديد ريتشارد بوكان إلى الرباط    حملة أمنية واسعة بمركز الدرك الملكي بالعوامرة لتعزيز اليقظة وسلامة المواطنين    التوقيع على اتفاقية انضمام مجلس النواب إلى البوابة الوطنية للحق في الحصول على المعلومات    بوتين: روسيا مستعدة للحرب مع أوروبا    المغرب يشارك بعرضين في المنافسة الرسمية لمهرجان المسرح العربي في القاهرة    المعارضة الاتحادية تتّهم الحكومة بخدمة لوبيات التأمين: "مشروع حوادث السير تشريع على المقاس"    لفتيت: الاستحقاقات الانتخابية القادمة ستتم في أجواء مشبعة بالنزاهة والشفافية والتخليق    المنتخب المغربي الرديف يهزم جزر القمر بثلاثية في مستهل مشواره بكأس العرب    أزمور/ افتتاح الدورة الثالثة من المهرجان الدولي للفن والتراث "أزمآرت"    الفنان والمنشد محمد أنس الكوهن مقدم الطريقة العيساوية يصدر فيديو كليب جديد    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    تخفيض 50% في تعريفة النقل السككي للأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب    كأس العرب.. المنتخب المغربي يفتتح مشواره في البطولة بالفوز على جزر القمر (3-1)    تكثيف الحضور الأمني بعمالة المضيق–الفنيدق لمواجهة شائعات الهجرة السرية    المنتخب المغربي الرديف يستهل مشواره في كأس العرب بثلاثية في شباك جزر القمر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    شهد شاهد من أهلها.. منظمات إسرائيلية تكشف أبشع عام قتل وتهجير للفلسطينيين منذ 1967    نشرة إنذارية .. تساقطات ثلجية وهبات رياح قوية غدا الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    انطلاق التسجيل في اللوائح الانتخابية للغرف المهنية لسنة 2026    "تمثيلية GST" تزعج الأطر الصحية    فنانون مغاربة: المهرجان الدولي للفيلم منصة لا غنى عنها للإبداع السينمائي    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    تشكيلة السكتيوي أمام جزر القمر    جلالة الملك يهنئ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة العيد الوطني لبلاده    "شي إن" في ورطة.. تكساس تفتح تحقيقًا واسعًا بعد العثور على دمى جنسية شبيهة بالأطفال    خط بحري جديد يربط ميناء أكادير بلندن وأنتويرب لتصدير المنتجات الفلاحية الطازجة    مشروع كلّف 900 مليون… غضب الحرفيين يوقف توزيع معدات في سوس ماسة لعدم مطابقتها لدفتر التحملات    مشروع مالية 2026 يتخطى العقبة الأولى بمجلس المستشارين بعد المصادقة على جزئه الأول    فليك يؤكد غياب لاعبه أراوخو عن مواجهة أتلتيكو مدريد لأسباب شخصية    قاموس أكسفورد يعلن عن كلمة العام 2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    فنزويلا.. ترامب يجتمع بمستشاريه ومادورو يحشد أنصاره ويقسم "بالولاء المطلق" لشعبه    الصين وباكستان في مناورات عسكرية    الذهب ينخفض مع جني المستثمرين للأرباح    "فيفبرو" تؤازر لاعبي منتخب ماليزيا الموقوفين    قراءة نقدية لقانون مالية 2026    الرئيس الفرنسي يبدأ زيارة للصين غدا الأربعاء    كندا تلتحق ببرنامج دفاعي أوروبي    القصر الصغير.. وفاة شابة حامل بتوأمين تهز قرية ظهر الخروب وسط غضب بسبب نقلها بين مستشفيين    قطر وكأس العرب 2025 .. تمجيد إعلامي مبالغ فيه ومقارنات تستفز الشارع الرياضي العربي    التوزاني: فيلمي "زنقة مالقة"عودة إلى الجذور والأكثر حميمية في مساري    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    فيلم زنقة مالقة لمريم التوزاني .. نشيد الذاكرة والحب على عتبة الثمانين    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    منظمة الصحة العالمية تنشر للمرة الأولى توجيهات لمكافحة العقم    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من جيل الزفزافي إلى "جيل زد".. مسار وعي لا ينطفئ
نشر في لكم يوم 01 - 10 - 2025

على مدى عقود، شهد المغرب موجات متفاوتة من الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية، لكن القليل منها ترك أثراً عميقاً في الوعي الجمعي. حتى ظهر حراك الريف سنة 2016، الذي شكّل نقطة تحول حقيقية في تاريخ الحراك الشعبي بالمغرب، وأسس لما يمكن تسميته "جيل الزفزافي": جيل جديد من الشباب الواعي، المطالب بالكرامة والعدالة. لم يكن هذا الجيل حدثاً عابراً أو موجة غضب مؤقتة، بل نتاج تراكمات اجتماعية وسياسية وثقافية، وتجربة شعبية أسست لوعي المواطن الجديد.
بدأت شرارة الحراك إثر مقتل بائع السمك محسن فكري بطريقة صادمة داخل شاحنة للنفايات بمدينة الحسيمة. لم تكن الحادثة مجرد مأساة فردية، بل انعكاساً لسنوات من الإقصاء والتهميش الذي عاشه سكان الريف بلا فرص اقتصادية حقيقية أو تنمية عادلة. لذلك لم يكن الغضب الجماعي مجرد رد فعل على الواقعة، بل تجسيداً لمطالب أساسية طال انتظارها: العدالة الاجتماعية، التنمية، الكرامة والحرية.

في هذا السياق برز ناصر الزفزافي كرمز للحراك، قائداً قادراً على تحويل الألم الفردي إلى طاقة جماعية. اعتمد الحراك على سلمية الاحتجاج والاعتصام والمطالبة بالمشروعية، وأصبح نموذجاً للضغط المدني السلمي. لكن المقاربة الرسمية للمخزن كانت أمنية بحتة، عبر الاعتقالات والمحاكمات التي أثرت على حياة المئات. ورغم ذلك لم تطفأ الشرارة التي أشعلها الحراك، بل تحوّل الزفزافي إلى أيقونة وطنية للصمود والكرامة، ورمز لرفض الظلم والتشبث بالحقوق.
من رحم هذه التجربة وُلد "جيل الزفزافي"، جيل يرى في صمود المعتقلين مرجعاً ودروساً في الإصرار على أن الكرامة لا تُباع ولا تُهدَر، وأن التغيير يبدأ من وعي الفرد قبل الجماعة. لم يعش هذا الجيل الحراك مباشرة فقط، بل تشكّل أيضاً على وقع الروايات والصور القادمة من المعتقلات، حيث واجه النشطاء سنوات من العزلة والضغط النفسي صامدين ومتمسكين بمبادئهم. لقد صار صمودهم رمزاً للقوة المعنوية وتجسيداً لفكرة أن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع.
على مدى عقود، حاول النظام المغربي التعامل مع الشباب بمنطق الضبط والتحكم بدل المشاركة، موجهاً طاقاتهم نحو الاستهلاك والترف السطحي بما يبعدهم عن التفكير النقدي والسياسي. غير أن تجربة الريف أثبتت أن هذه السياسات لا تستطيع إخماد الوعي الشبابي، بل تصقله وتزيده إصراراً على المطالبة بالحقوق.
لقد شكّلت شخصية الزفزافي رمزاً للوعي والشجاعة، ومنحت الشباب قوة نفسية جعلتهم يؤمنون أن التغيير ممكن. لم يقتصر تأثير الحراك على الريف وحده، بل امتد إلى مختلف المدن المغربية، حيث صار رمزاً لصمود الإنسان في مواجهة القهر، ورسالة واضحة للشباب مفادها أن الكرامة لا تُهان، وأن الحرية حق يُدافع عنه بالوسائل السلمية.
ومع صعود الإعلام الرقمي، وجد الشباب أدوات جديدة للتعبير عن مطالبهم ونقل أصواتهم بعيداً عن القنوات التقليدية المسيطر عليها. وهكذا، تحوّلت المنصات الرقمية إلى فضاء لإحياء الوعي وتشكيل رؤية جديدة لدور الشباب في مساءلة السلطة.
إن "جيل الزفزافي" ليس فكرة عابرة، بل حالة وجدانية وفكرية متكاملة تتجاوز الأشخاص إلى مفهوم المواطن الواعي، الرافض للظلم، الساعي إلى التغيير البنّاء. كل محاولة للقمع أو التهميش تحولت إلى وقود إضافي عزّز إرادة الشباب على المعرفة والمشاركة.
اليوم، يظهر هذا الجيل في الشوارع والساحات، يستخدم صوته ووسائل التواصل، متجاوزاً الخوف، وأكثر استعداداً لمواجهة التحديات بوعي ومسؤولية. لقد أدرك أن الوطن لا يُبنى بالصمت أو الخضوع، بل بالوعي والمثابرة والمقاومة السلمية. إنه جيل الأسئلة التي لا تموت، جيل الكرامة والوعي، جيل يؤمن أن الحرية والعدالة لا تُنتزع إلا بالوعي والعمل الجماعي.
إرث حراك الريف وصمود معتقليه ما يزال حاضراً في كل شارع وكل قلب شاب يتطلع إلى الحرية. ما يحدث اليوم في المغرب ليس مجرد موجة غضب عابرة، بل امتداد لمسار بدأ قبل سنوات، مسار يرسخ أن الكرامة الوطنية لا تتجزأ، وأن الحقوق الأساسية لا تُمنح بل تُنتزع بالوعي الجماعي.
في النهاية، يبقى "جيل الزفزافي" شاهداً على أن الحرية والكرامة لا تموتان، وأن كل تجربة قمع تترك أثراً لا يُمحى في الوعي الجمعي. فالشباب المغربي، مهما حاولت السياسات الرسمية تحجيمه، يظل قادراً على استعادة صوته والمطالبة بحقوقه وصياغة مستقبل يليق به وبوطنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.