تشهد محاكم عدة مدن مغربية، منذ مطلع الأسبوع الجاري، موجة من المحاكمات المرتبطة بما عُرف ب"احتجاجات جيل زد" التي انطلقت في 27 شتنبر الماضي، وامتدت إلى عشرات المدن. ويأتي ذلك في وقت لا تزال فيه الدعوات متواصلة للتظاهر والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وتحسين الأوضاع الاجتماعية. ومساء يوم الخميس، أصدرت محكمة الاستئنافِ بسلا أحكاماً تراوحت بين 15 و20 سنة سجناً نافذاً في حق متهمين اعتبروا متورّطين في "أعمال تخريب" رافقت تلك الاحتجاجات، في حين أرجأت محاكم أخرى النظر في ملفات مشابهة ما زالت قيد التحقيق.
وكانت المحكمة الابتدائية بأكادير هي أول محكمة تصدر أول حكم قضائي في هذه الملفات، بداية الأسبوع، قضى بإدانة شاب بأربع سنوات سجناً نافذاً وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم، بتهمة "التحريض على ارتكاب جنح وجنايات عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، في ما اعتُبر أول حكم من نوعه في سياق هذه الاحتجاجات. وفي مراكش، شرعت الغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة الابتدائية، الاثنين 6 أكتوبر، في النظر في ستة ملفات تضم 26 متهماً موقوفين على خلفية أعمال "الشغب والتخريب" التي عرفتها المدينة، خصوصاً في حي سيدي يوسف بن علي. وتتابع النيابة العامة المتهمين بتهم وُصفت ب"الخطيرة"، من بينها إهانة القوات العمومية واستعمال العنف في حقها، والتجمهر المسلح، والتحريض الإلكتروني، والتخريب العمدي لممتلكات عامة وخاصة، والرشق بالحجارة، وحيازة أسلحة بيضاء، فضلاً عن تهم تتعلق ب"إهانة مؤسسة دستورية" و"حيازة المخدرات والاتجار فيها". عشرات المتابعين في وجدةوطنجة وفي وجدة، عقدت المحكمة الابتدائية أولى جلسات محاكمة 58 شخصاً، بينهم معتقلون وآخرون في حالة سراح، وقررت تأجيل النظر إلى 14 أكتوبر لتمكين الدفاع من إعداد مرافعاته. ويتابع الموقوفون بتهم تشمل استعمال العنف ضد موظفين عموميين، وتخريب ممتلكات عامة وخاصة، والمشاركة في تجمعات مسلحة ليلاً، والتحريض على ارتكاب جنح عبر الإنترنت. أما في طنجة، فقد أُرجئت جلسة محاكمة نحو 80 متهماً، بينهم 30 قاصراً، بتهم الشغب، وتخريب الممتلكات، ورشق قوات الأمن بالحجارة، بعدما رفضت المحكمة طلبات السراح المؤقت. وأفادت مصادر محلية باستخدام كاميرات المراقبة والطائرات المسيّرة لتحديد هوية المتورطين. مشاهد إنسانية في القنيطرة في القنيطرة، تحولت جلسة أمس إلى مشهد مؤثر بعد إصابة أحد المتهمين بحالة اختناق داخل القاعة، ما استدعى تدخل الإسعاف. وتمسك الدفاع ببراءة المعتقلين، معتبراً أن "من يجب أن يُحاكم هو من تسبب في هذه الأوضاع الاجتماعية الصعبة". في المقابل، شددت النيابة العامة على أن المتابعة تخص فقط المتورطين في أعمال العنف، مؤكدة أن "القضاء لا يخاصم جيلاً بعينه بل يطبق القانون على الجميع". وفي المدينة نفسها، انطلقت محاكمة مجموعة ثانية متهمة ب"إضرام النار عمداً، وتخريب منشآت عمومية، والاعتداء على موظفين عموميين"، على خلفية أحداث جماعة سيدي الطيبي. أما في الرباط،فقد مثل ثلاثة شبان، بينهم مستخدم بمطبعة، أمام المحكمة الابتدائية يوم الجمعة 10 أكتوبر، بعد اتهامهم ب"التحريض عبر ملصقات عمومية"، إثر ارتدائهم قمصاناً كتب عليها "الحرية لفلسطين" و"التعليم والصحة أولاً". وأكد الدفاع أن أحد المتهمين لا تربطه علاقة بحركة "جيل زد"، وأن طباعة القمصان تمت لأغراض شخصية لا علاقة لها بالتحريض أو التظاهر. وكانت نفس المحكمة في الرباط قد شهدت، يوم الثلاثاء 30 شتنبر الماضي، أولى محاكمات معتقلي احتجاجات "جيل زد" بمحاكمة ثلاثة شبان، بينهم شابة، جرى متابعتهم في حالة اعتقال، وتم تأجيل الجلسة إلى السابع من أكتوبر الجاري. ويتابع الشابان بتهمتي "المشاركة في تجمهر مسلح" و"العصيان"، بينما وُجهت إلى الشابة، التي تعاني من إعاقة ذهنية وتعيش مشردة في الشارع، تهمة "إهانة رموز المملكة". في المقابل، حُدد يوم 30 أكتوبر المقبل موعداً لمحاكمة 16 شاباً آخرين كانوا قد أفرج عنهم في وقت سابق مقابل كفالات مالية، بتهم تتعلق ب"المشاركة في تجمهر غير مسلح" و"العصيان". ورغم توالي الجلسات، لا يزال العدد الإجمالي للمعتقلين على الصعيد الوطني غير محدد بدقة، بسبب تعدد الملفات وتنوع المدن المعنية، في وقت تشير مصادر حقوقية إلى أن بعض الموقوفين ما زالوا رهن الحراسة النظرية ولم يُعرضوا بعد على القضاء. وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت بداية شهر أكتوبر، في بلاغ رسمي، أن عدد المعتقلين بلغ 409 أشخاص تم وضعهم تحت تدابير الحراسة النظرية بتعليمات من النيابة العامة، كما كشفت رئاسة النيابة العامة عن متابعة حوالي 193 شخصاً مشتبهاً فيه على خلفية المظاهرات. دعوات متجددة للإفراج عن المعتقلين تزامناً مع هذه المحاكمات، نشرت حركة جيل زد المغربي وثيقتها المطلبية الكاملة، التي تضمنت دعوة إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين الذين لم يثبت تورطهم في أعمال عنف، وإلى حوار وطني حول قضايا الشباب، والتعليم، والصحة، والعدالة الاجتماعية. كما دعت الحركة إلى تجديد الاحتجاجات مساء الخميس في أكثر من عشرين مدينة، من بينها الدارالبيضاء، الرباط، فاس، مكناس، مراكش، أكادير، والعيون. وتأتي هذه التطورات قبل أيام من الخطاب الملكي أمام البرلمان، حيث يترقب الرأي العام إشارات رسمية بشأن الأزمة الاجتماعية وسبل التعاطي مع الاحتجاجات الشبابية التي وُصفت بأنها الأوسع منذ حراك 20 فبراير عام 2011.