رغم ظروف العيش الصعبة التي يمر منها معظم المغاربة خلال السنوات الأخيرة، في ظل ما باتت تعرفه أسعار المواد الأساسية والغذائية من غلاء فاحش، أمام تدهور القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، تدني مستوى الخدمات الاجتماعية في قطاعي الصحة والتعليم بالخصوص، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية، فإنهم أبوا إلا أن يمضوا ليلة الأحد/الاثنين 19/20 أكتوبر 2025 متسمرين خلف شاشات التلفزيون في البيوت والمقاهي، يمنون النفس بأن يسعدهم "أشبال الأطلس" بالفوز في المقابلة الحاسمة التي ستجمعهم بالمنتخب الأرجنتيني في العاصمة الشيلية "سانتياغو" برسم الدور النهائي في بطولة كأس العالم للشباب تحت 20 سنة في كرة القدم "الشيلي 2025". كيف لا وقد أطاحوا بأعرق المنتخبات، مثل إسبانيا، البرازيل، وفرنسنا؟ وبالفعل لم يخيب الأشبال ظن المغاربة في هزم المنتخب الأرجنتيني (2/0)، وهو الذي ظل متربعا على عرش كرة القدم العالمية لسنوات، وأبانوا ليس فقط عن علو كعبهم وانسجامهم، بل حتى على روح المواطنة الصادقة وحبهم العميق للوطن، عبر ما أبدوه من انضباط تكتيكي وروح جماعية وقتالية، وقدموا للعالم دروسا بليغة في معنى المثابرة والإصرار على الانتصار، مما ساهم في إسعاد الشعب المغربي الذي خرج عن بكرة أبيه إلى الشوارع في مختلف المدن المغربية، للاحتفال بهذا "النصر" الذي لم يكن حتى أكبر المتفائلين يحلم أن يأتي يوم يتحول فيه الحلم إلى حقيقة. بيد أن ما لا يمكن تجاهله، هو أن هذا الإنجاز التاريخي وما سبقه من إنجازات كروية أخرى في جميع الفئات السنية، ليس وليد الصدفة أو ضربة حظ معزولة، وإنما هو نتاج جهود جبارة ورؤية ملكية متبصرة، فضلا عن أنه تخطيط استراتيجي انطلق منذ عدة سنوات، حيث أن العاهل المغربي لم ينفك يقدم التوجيهات السامية، ويشدد في عدة مناسبات على أهمية الرياضة عامة وكرة القدم خاصة، وضرورة العناية بفئة الشباب، والنهوض بقطاع الرياضة، باعتباره قاطرة أساسية للتنمية… ويستمد هذا التتويج الكروي الرائع قيمته المادية والمعنوية، من كونه تحقق بفضل لاعبين تلقوا تكوينهم في المغرب وبأكاديمية محمد السادس على وجه التحديد، التي تم إحداثهما بتعليمات ملكية قبل عقد من الزمن، في تنزيل واضح لمضامين الرسالة الملكية السامية إبان مناظرة الصخيرات في أكتوبر 2008، التي دعت حينها القائمين على الشأن الرياضي إلى خلق مشاريع رياضية ذات أهمية بالغة وقيمة مضافة، بتشارك القطاع الرياضي مع قطاعات التعليم والصحة والسياحة والثقافة والاتصال والجماعات المحلية… فالفوز بكأس العالم للشباب في كرة القدم تحت 20 سنة "الشيلي 2025" أدى إلى تحقيق عدة مكاسب، ومنها أنه تمكن من كتابة فصل جديد من تاريخ كرة القدم الوطنية، وأصبح بفضل هذا التتويج أول منتخب عربي وثاني منتخب إفريقي يحقق اللقب العالمي عن جدارة واستحقاق، لما قدمه من عروض كروية رائعة على مدار هذه البطولة العالمية، لاسيما أن منتخب الأشبال استطاع إلحاق الهزيمة بأكبر المدارس الكروية العالمية، وهو ما من شأنه أن يشكل حافزا للمنافسة بقوة على لقبي كأس إفريقيا للأمم 2025 التي يستضيفها المغرب، وكأس العالم 2030 بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، إذ أنه تمكن بذلك من أن يبرهن على أنه صار بدون منازع قوة كروية ذات شهرة عالمية… وإلى جانب برقية التهنئة التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس إلى أعضاء المنتخب الوطني المغربي بمناسبة هذا التتويج التاريخي بكأس العالم للشباب في نسخة "الشيلي 2025″، والتي أكد من خلالها ابتهاجه البالغ واعتزازه العميق بالمسار البطولي الذي توجه "الأشبال" بالظفر عن جدارة واستحقاق بكأس العالم لأقل من 20 سنة، وأشاد بما أبدوه من تألق رياضي لم يكن ليحدث لولا ثقتهم العالية بالنفس وإيمانهم الراسخ بقدراتهم ومهاراتهم، وما أبانوا عنه من روح التلاحم والانسجام، وأداء احترافي مميز طيلة أطوار البطولة، جعلهم يشرفون بلدهم وشبابه أيما تشريف، ويمثلونه والقارة الإفريقية خير تمثيل. وأضاف جلالته قائلا: "وبقدر ما أمتعتم وأبهجتم الجماهير الشغوفة بكرة القدم، أسعدتمونا وأسعدتم الشعب المغربي قاطبة، وأقمتم الدليل القاطع على ما يزخر به وطنكم الغالي من إمكانات وطاقات شابة موهوبة، اكتسبت من المهارات ما جعلها ترفع التحدي، وتخلق الحدث" فإن الصحافة الدولية سارعت إلى إبداء إعجابها الشديد والتعبير عن انبهارها بالمنتخب المغربي، منوهة بانتصاراته المتوالية والمستحقة ضد منتخبات كبيرة كانت مرشحة للفوز باللقب مثل الأرجنتين، مما جعل الصحافة الأرجنتينية تصف هؤلاء الأشبال ب"إعصار إفريقي، خالص وحاسم"، معترفة بتفوقهم التكتيكي والذهني، كما أنها سلطت الضوء على أبرز اللاعبين المغاربة وفي مقدمتهم مسجل هدفي المباراة "ياسر الزبيري" هداف المونديال، وزادت قائلة بأن المغرب كان بحق إعصارا إفريقيا أغرق المنتخب الأرجنتيني خلال الشوط الأول، لأنه لعب بذكاء وعزيمة، كما أنه عرف كيف يستغل الثغرات الدفاعية، ويحافظ على نتيجة الشوط الأول (2/0) إلى غاية نهاية اللقاء… من هنا وبناء على ما أصبحت تحصده الكرة الوطنية من ثمار طيبة في جميع الفئات السنية، لم تكن لتتحقق لولا التوجيهات الملكية السامية، التخطيط الاستراتيجي الجيد والمحكم وقوة الإرادة، صار لزاما على مدبري الشأن العام استخلاص العبرة من هذه الإنجازات التاريخية الكبرى، وخاصة هذا التتويج المبارك "كأس العالم للشباب تحت 20 سنة"، إذا أرادوا فعلا تحقيق ما يتطلع إليه المغاربة من رخاء وازدهار…