في قرار وُصف بالتاريخي في مسار نزاع الصحراء المستمر منذ نصف قرن، صادق مجلس الأمن الدولي، اليوم الجمعة، على اعتبار المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تعود إلى سنة 2007، الورقة الوحيدة المطروحة للتفاوض، باعتبارها "الحل الأكثر جدوى" وفق تعبير الفقرة الرابعة من القرار الجديد رقم 2797 (2025). القرار يشكل تحولاً نوعيًا في الموقف الأممي، إذ يكرّس لأول مرة مقترح الرباط كمرجعية وحيدة للمسار السياسي المقبل، داعيًا الأطراف إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا.
تقوم المبادرة المغربية، التي قدمت رسمياً إلى الأممالمتحدة في أبريل 2007، على منح سكان الصحراء حكماً ذاتياً واسعاً داخل سيادة المملكة المغربية، بما يتيح لهم تدبير شؤونهم المحلية من خلال مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية منتخبة ديمقراطياً، تتولى الإشراف على مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتتعهد الدولة المغربية، بموجبها، بتوفير الموارد المالية الكافية لضمان التنمية الذاتية للجهة، مع احتفاظها باختصاصاتها السيادية في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والدين والنظام الدستوري. وتنص المبادرة على إنشاء مؤسسات جهوية أبرزها برلمان الحكم الذاتي المنتخب من ممثلي القبائل والسكان، ورئيس حكومة الجهة الذي يُنتخَب من قبل البرلمان وينصبه الملك، إضافة إلى محاكم جهوية عليا تختص بتأويل القوانين المحلية في انسجام مع الدستور المغربي. كما تتضمن تأسيس مجلس اقتصادي واجتماعي جهوي يضم ممثلين عن القطاعات الإنتاجية والمجتمعية. وتخضع الصيغة النهائية للحكم الذاتي، بحسب المبادرة، إلى استفتاءين ديمقراطيين: الأول يخص سكان الصحراء للمصادقة على النظام الذاتي باعتباره ممارسة لحق تقرير المصير، والثاني على مستوى وطني بعد إدراج النظام ضمن تعديل دستوري يكرس الطابع الدائم والشرعي لهذا الوضع داخل المنظومة القانونية للمملكة المغربية. وفي ما يلي نص المبادرة: أولا – التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي: 1 ما فتئ مجلس الأمن، منذ 2004، يدعو "الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأممالمتحدة، لوضع حد للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي". 2 وتلبية لهذا النداء الصادر عن المجموعة الدولية، انخرطت المملكة المغربية في دينامية إيجابية وبناءة، ملتزمة بتقديم مبادرة للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية. 3 تندرج هذه المبادرة في إطار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهي مبادرة واعدة بانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة، فضلاً عن أنها من شأنها أن تضع حداً للمعاناة من الفراق والنفي وأن تساعد على تحقيق المصالحة. 4 تكفل المملكة المغربية، من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيداً عن أي تمييز أو إقصاء. 5 ومن هذا المنطلق، سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة. 6 تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك، أمير المؤمنين. 7 ترمي المبادرة المغربية، المفعمة بروح الانفتاح، إلى توفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض والحوار، كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف. 8 يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقاً لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأممالمتحدة. 9 ومن هذا المنطلق، فإن المغرب يوجه نداء إلى باقي الأطراف لكي تغتنم هذه الفرصة من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة. كما يعبر عن استعداده للانخراط في مفاوضات جدية وبناءة، انطلاقاً من هذه المبادرة، وكذا عن الإسهام في خلق مناخ الثقة الضرورية لإنجاحها. 10 ولهذه الغاية، تبقى المملكة مستعدة للتعاون التام مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي. ثانيا – العناصر الأساسية للمقترح المغربي: 11 المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأممالمتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافياً وثقافياً. وهو مشروع يقوم على ضوابط ومعايير متعارف عليها عالمياً. أ – اختصاصات جهة الحكم الذاتي للصحراء: 12 يمارس سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، ووفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، عدة اختصاصات، ولا سيما في الميادين التالية: الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة؛ على المستوى الاقتصادي: التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة؛ ميزانية الجهة ونظامها الجبائي؛ البنى التحتية: الماء والمنشآت المائية والكهرباء والأشغال العمومية والنقل؛ على المستوى الاجتماعي: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية؛ التنمية الثقافية، بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني؛ البيئة. 13 تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على الموارد المالية الضرورية لتحقيق تنميتها في كافة المجالات. وتتكون هذه الموارد بالخصوص مما يلي: الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة؛ العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية المرصودة للجهة؛ جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة؛ الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني؛ عائدات ممتلكات الجهة. 14 حتفظ الدولة باختصاصات حصرية، خاصة منها ما يلي: مقومات السيادة، لا سيما العلم والنشيد الوطني والعملة؛ المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية؛ الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية؛ العلاقات الخارجية؛ النظام القضائي للمملكة. 15 تباشر الدولة مسؤوليتها في مجال العلاقات الخارجية بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة. ويجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات. 16 يزاول مندوب للحكومة اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء، المنصوص عليها في الفقرة 14 أعلاه. 17 من جهة أخرى، تمارس الاختصاصات التي لم يتم التنصيص على تخويلها صراحة، باتفاق بين الطرفين، وذلك عملاً بمبدأ التفريع. 18 تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية، وتشارك في كافة الانتخابات الوطنية. ب – هيئات الجهة: 19 يتكون برلمان الحكم الذاتي للصحراء من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة. كما يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي للصحراء نسبة ملائمة من النساء. 20 يمارس السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك. رئيس الحكومة هو ممثل الدولة في الجهة. 21 يتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولاً أمام برلمان الجهة. 22 يجوز للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك. 23 تتولى المحكمة العليا الجهوية، باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، النظر انتهاءً في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة. 24 يجب أن تكون القوانين والمراسيم التنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة. 25 يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دولياً. 26 تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على مجلس اقتصادي واجتماعي يتشكل من ممثلي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والجمعوية، ومن شخصيات ذات كفاءات عالية. ثالثا – مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله: 27 يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. ويعد هذا الاستفتاء، طبقاً للشرعية الدولية وميثاق الأممالمتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان لحقهم في تقرير المصير. 28 وتحقيقاً لهذا الغرض، تلتزم الأطراف بالعمل سوياً وبحسن نية من أجل تفعيل هذا الحل السياسي، وموافقة سكان الصحراء عليه. 29 كما تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضماناً لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة. 30 تتخذ المملكة المغربية كافة الإجراءات اللازمة من أجل إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن إدماجاً تاماً في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم. 31 ولهذه الغاية، تصدر المملكة بالخصوص عفواً شاملاً يستبعد أي متابعة أو توقيف أو اعتقال أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو. 32 بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي، يساهم مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف في تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة، وكذا في أي مسعى يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه، بما في ذلك العمليات الانتخابية. 33 إن المملكة المغربية لمقتنعة اليوم، مثل سائر أعضاء المجموعة الدولية، بأن حل الخلاف حول الصحراء لن يتأتى إلا بالتفاوض. وبناءً على هذا الخيار، فإن المقترح الذي تطرحه على أنظار الأممالمتحدة يشكل فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف في إطار الشرعية الدولية، وعلى أساس إجراءات توافقية تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأممالمتحدة. 34 وفي هذا السياق، يتعهد المغرب بالتفاوض، بحسن نية وبروح بناءة، منفتحة وصادقة، من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من جميع الأطراف لتسوية هذا الخلاف الذي تعانيه المنطقة برمتها. ومن أجل ذلك، فإن المملكة على استعداد للإسهام الفعال في توفير مناخ من الثقة كفيل بالمساعدة على إنجاح هذا المشروع. 35 تأمل المملكة المغربية أن تستوعب الأطراف الأخرى دلالة هذا المقترح بكل أبعاده، وأن تقدّره حق قدره، وتسهم فيه إسهاماً إيجابياً وبناءً، معتبرة أن الدينامية التي أفرزتها هذه المبادرة تتيح فرصة تاريخية لحل هذه القضية بصفة نهائية.