قال وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، إنه "مع استقلال النيابة العامة، وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لم يبق لوزارة العدل سوى الإدارة القضائية. لذلك، لا يمكن توسيع حدود وصلاحيات الوزارة، بل يجب البحث عن التوازن الذي ينص عليه الدستور من خلال تأكيده على مبدأ توازن السلطات وتعاونها". وأكد وهبي خلال تقديم مشروع الميزانية الفرعية لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، اليوم الثلاثاء، بمجلس النوتب، أن وزارة العدل تسير على خيط رقيق يقد يطلق عليه "خيط الصراط المستقيم" حتى لا يتم المساس باختصاصات السلطة القضائية أو يتم التشويش عليها، أو يعرقل عملها، وفي نفس الوقت توفير جميع الإمكانيات اللوجستيكية والبشرية والمادية لهذه السلطة.
وشدد على أن استقلال السلطلة القضائية والنيابة العامة هو اختيار دولة، وشكل موضوع مناقشة حادة في السنوات الأخيرة، وحينما صوت البرلمان على هذا الاختيار لم يصبح موضوع مناقشة، بل تجاوزناه اليوم إلى كيف نحول هذا الاختيار إلى ممارسة يومية. وأضاف وهبي أنه لوزارة العدل مشروعان أساسيان هما التشريع والبنيات التحتية، لافتا إلى أن القوانين التي تمت المصادقة عليها مثل قانون المسطرة المدنية والجنائية خلقا الكثير من النقاش وهذا أمر طبيعي جدا، والتشريع لم يعد يقف أمام البرلمان، بل بدأت بعض الجهات تقضم من البرلمان التشريع، ومنها المحاكم الدستورية والاجتهاد القضائي، مؤكدا أن "نية" المشرع هي أكبر كذبة خلقها الإنسان، والانحراف التشريعي أمر وارد جدا. ولفت إلى أنه في الأسابيع القادمة ستتم مناقشة قانون الدفع بعدم دستورية القوانين، وهذا يتيح لكل مواطن الطعن في أي فصل قانوني ويقول إنه غير قانوني، مما سيدخل البلاد في نقاشات قانونية ودستورية مهمة، وسيكون مجالات للنقاش، مؤكدا أن النص الدستوري معقد جدا، والنقاشات مع الأمانة العامة للحكومة حول الكثير من القوانين والمفاهيم تكون حادة جدا. وأوضح قائلا: "يكون هناك نقاش حول القوانين وحول المصالح أيضا، فكل هيئة ومؤسسة لديها مصالحها الخاصة، وتطالب إما بإلغاء فصول قانونية أو بإضافة فصول أخرى. ولذلك، يجب الحفاظ على التوازن القانوني وأيضاً على التوازن المؤسساتي داخل المغرب. فلا يمكن للحكومة إلغاء نصّ يمنح امتيازاً للقطاع الخاص، ولا يمكن في المقابل للقطاع الخاص أن يتجاوز القطاع العام". وتابع "مقبلون على قوانين حساسة ومنها قانون الخبراء والمحامون والعدول، وهذه القوانين تضمنت نقاشات دامت سنتين وثلاث سنوات، وأتمنى أيضا أن يأتي قانون مدونة الأسرة والقانون الجنائي"، مؤكدا أن مدونة الأسرة فيها نقاشات كثيرة، وصلت لدرجة اتهامه بتقديم تنازلات كثيرة لقضايا المرأة، مبرزا أنه يقبل كل هذه الاتهامات بل هي مشرفة بالنسبة إليه. وزاد المسؤول الحكومي قائلا:" هذه النقاشات تدخل فيها الكثير من المؤسسات لأن فيها جانب قانوني، وأيضا الجانب الديني والذي يبقا مجالا حصريا من اختصاص الملك، ثم المجال الجنائي الذي تضمن هو الآخر نصوصا لها علاقة بالدين وبحياة الإنسان". مضيفا "رغم أنني حداثي فالحكومة ليست حداثية بل تتضمن الحداثين والمحافظين، فحزب "الاستقلال" ليس محافظا مثل "العدالة والتنمية" لكنه يبقى محافظا إلى حد ما، ويجب أن نقبل به، وهذا يعني أنه سيكون له تأثير على التشريعات التي تأتي بها وزارة العدل، فلا يمكن أن أطبق ما أومن به أنا فقط لأني متحرر". وأبرز وهبي أن وزارة العدل تحاول قدر الإمكان البجث عن توازنات، علما أن النقاش الذي يكون داخل الحكومة يظهر في البرلمان من خلال مناقشات النواب البرلمانيين، مؤكدا في ذات الوقت أن هذه النقاشات تكون مفيدة وتدفع الوزارة إلى إعادة النظر في الكثير من الأمور. وأكد وزير العدل أن المغرب متقدم كثيرا عن محيطه العربي فيما يخص نقاشات القوانين، وهذه المسألة يسمعها في زياراته لدول المنطقة، مرجعا الأمر إلى التعدد الحزبي القديم في البلاد، فحتى عندما كان يسأل عن الاحتجاجات التي عرفها المغرب مؤخرا كان يجيب أنها أمر طبيعي، فالمستغرب هو أن لا تكون هناك مظاهرات في البلاد، على حد وصفه، قبل أن يضيفا " أنا أؤمن أنه إذا أردنا أن نكون دولة ديمقراطية فيجب أن تكون عندنا مظاهرات".