أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذا الأسبوع، بإعلانه البراءة الكاملة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من أي دور في مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018، تسليط الضوء على التحوّل العميق الذي طرأ على السياسة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان منذ وصوله إلى البيت الأبيض. وجاءت تصريحات ترامب مناقِضة بشكل صريح للتقييمات التي خلصت إليها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، في خطوة اعتبرها منتقدوه دليلاً إضافياً على ميله المتكرر إلى الدفاع عن قادة يتمتعون بسلطات واسعة وسجلات مثيرة للجدل.
لسنوات طويلة، اعتمدت واشنطن، حين تعاونت مع قادة ذوي سجلات سيئة، خطاباً سياسياً يضع حقوق الإنسان ضمن مرتكزات السياسة الخارجية. لكن إدارة ترامب ابتعدت بدرجة غير مسبوقة عن هذا النهج؛ إذ أظهر الرئيس انفتاحاً على التعامل مع قادة سلطويين في السعودية والمجر والصين والسلفادور، مع إبداء استعداد محدود لمساءلتهم. وظهر هذا التحوّل بشكل جليّ في المكتب البيضاوي، حين نفى ترامب علناً أي مسؤولية لولي العهد السعودي في جريمة خاشقجي، رغم التقارير الاستخباراتية التي ترجّح العكس. ويأتي ذلك في سياق استعداد الإدارة لغضّ الطرف عن اتهامات بانتهاكات حقوقية طالت شخصيات مقرّبة من ترامب، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. وفي المقابل، شددت الإدارة لهجتها تجاه حكومات تُصنّف بأنها على خلاف أيديولوجي مع توجهات ترامب، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، ما أثار مخاوف من اعتماد سياسة انتقائية في ملف حقوق الإنسان. البيت الأبيض يدافع عن النهج الجديد ودافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، عن الرئيس بالقول إن جميع تحركاته في السياسة الخارجية تُدار من منظور "أمريكا أولاً"، مضيفة: "لا أحد يهتم بحقوق الإنسان أكثر من الرئيس ترامب." لكن كثيراً من الدبلوماسيين السابقين والمحللين يرون أن إدارة ترامب أعادت توجيه ملف حقوق الإنسان ليخدم أولويات الرئيس الداخلية وتحالفاته الخارجية، لا سيما تلك المرتبطة بالصفقات الاقتصادية أو بالقدرة على مخاطبة قاعدته اليمينية المتشددة. ففي عهد وزير الخارجية ماركو روبيو، خضعت البنية المؤسسية لحقوق الإنسان داخل وزارة الخارجية لإعادة هيكلة واسعة، تم فيها تقليص التقرير السنوي لحقوق الإنسان، وإعادة توجيه مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل نحو التركيز على "القيم الغربية"، مع تقليص الاهتمام بقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي ومجتمع الميم. انتقائية واضحة في توظيف حقوق الإنسان وبينما لزمت الإدارة الصمت إزاء تقارير التعذيب في "السجن الضخم" بالسلفادور، تحدث ترامب بشدة عن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، مركّزاً على ارتباطه المزعوم بالاتجار بالمخدرات، ومتجاهلاً الاتهامات الواسعة لقادة يمينيين آخرين بقمع المعارضة. كما هاجمت الإدارة علناً بعض الحكومات الأوروبية، متهمةً إياها بقمع قادة اليمين، وانتقدت ما وصفته ب"الرقابة" في دول مثل رومانيا وألمانيا وفرنسا. ولم تتردد في الضغط على الحكومة البرازيلية اليسارية بسبب محاكمة الرئيس السابق جايير بولسونارو، أحد أبرز حلفاء ترامب. ذروة التوجّه: حماية ابن سلمان في البيت الأبيض واعتبر مراقبون أن الزيارة الأولى لولي العهد السعودي إلى البيت الأبيض منذ أكثر من سبع سنوات كانت اللحظة الأكثر وضوحاً في إظهار هذا التحوّل. فقد كرّر ترامب، بحضور ابن سلمان، أنه "من الشرف" أن يكون صديقاً له، وأكد أن ولي العهد "لم يكن على علم" بعملية قتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. ولم يتردد الرئيس الأمريكي في الإشادة بسجل ولي العهد في مجال حقوق الإنسان، رغم حملات التضييق على المعارضين التي نُسبت إليه في الداخل السعودي مقابل توسيع بعض الحريات الاجتماعية. وقال السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز لرويترز: "ترامب يضع الولاياتالمتحدة في صف الديكتاتوريين والأوليغارشيين." تزامنت زيارة ولي العهد إلى واشنطن مع زيارة لترامب للمملكة في مايو، كانت الأولى له في ولايته الثانية، وحظي خلالها باستقبال كبير. وهي خطوة رأى فيها محللون إشارة إلى رغبة الطرفين في تعزيز علاقة تتجاوز الملفات التقليدية الأمنية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه، لا يخفي ترامب إعجابه بقادة يُمارسون سلطة واسعة في بلدانهم، من أردوغان وأوربان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين—الذي تعثرت المفاوضات معه لوقف الحرب في أوكرانيا—وصولاً إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ وسط توترات تجارية مستمرة. انتقادات داخلية ودولية ويتهم منتقدون ترامب بإضعاف صورة الولاياتالمتحدة كمدافع عن سيادة القانون، من خلال الترحيل الجماعي، واستهداف بعض وسائل الإعلام، ومقاومة قرارات القضاء. كما شنّت إدارته ضربات قاتلة ضد قوارب يُشتبه في تورطها بتهريب المخدرات في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ الشرقي، في عمليات يقول خبراء إنها قد تنتهك القانون الدولي. وقال جون سيفتون، مدير قسم آسيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش": "لم تعد للحكومة الأمريكية أي مصداقية في قضايا حقوق الإنسان، لا في الداخل ولا في الخارج."