والخيط الناظم للآفاق الجديدة للعمل المتعلقة بهذا المفهوم الجديد هو بتعبير مقتضب : – من تفتيش المستشار في التوجيه التربوي إلى تفتيش منظومة التوجيه التربوي! هكذا وبكل بساطة ودون الدخول في التعقيدات النظرية التي ستثقل هذا المقال، كما هو الحال وكمثال عند مفتشي الشغل والذين تتمحور مهامهم في مراقبة ظروف العمل ومدى تطبيق قانون الشغل واحترام حقوق الأجراء من قبل أرباب العمل…إلخ وللذين يعشقون منطق التفتيش التربوي ويعملون جاهدين لإسقاطه على مجال التوجيه التربوي، نذكرهم بالملاحظة التالية : – وزارة التربية الوطنية ببنياتها الإدارية وقوانينها التنظيمية ومواردها المادية والبشرية، إقليميا وجهويا ومركزيا…كلها تشتغل من أجل هدف واحد..التلميذ ومن قبله الأستاذ! من الأستاذ يبدأ كل شيء..وإلى الأستاذ ينتهي كل شيء..وعلى الأستاذ يعتمد كل شيء! طبيعي إذن والحالة هذه أن تتم مراقبة أو تأطير أو تفتيش..سمه ما شئت..هذا الأستاذ لأنه محور العملية التعليمية وقطب رحاها وعليه مدارها. أي، أن كل شيء في الوزارة يتحرك من أجل الأستاذ لكي يتحرك هذا الأستاذ بدوره من أجل التلميذ! الآن..وعودة إلى مجال التوجيه التربوي، يحق لنا أن نطرح السؤال التالي : – هل توجد بنيات إدارية وتنظيمية وموارد مادية وبشرية قارة ومستقرة، إقليميا وجهويا ومركزيا لمجال التوجيه التربوي؟ نفس السؤال لكن بصيغة أخرى : – هل الإيقاع الذي تتحرك به الوزارة في مجال التوجيه التربوي هو ذاته في مجال التدريس؟ أظن لا داعي للجواب. حسبنا من الجعجعة بلا طحن ولا طحين حول التوجيه التربوي الملاحظة التالية : – واقع التدريس يبنى على الأرض بينما واقع التوجيه يبنى على الورق! هل يحتاج هذا الأمر إلى دليل؟ وهل أصاب الذهان المهووسين بالتفتيش التربوي من أطر التوجيه لدرجة عميت فيها أبصارهم وبصائرهم عن رؤية هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس؟ لا. إنه الكسل الفكري واللهاث وراء الحلول السهلة في أبهى تجلياتهما. وإذا أضفنا إلى هذا العامل عاملا آخر هو سطوة السلطة وشهوتها التي لا تقاوم، اتضحت الصورة لنا بكامل أبعادها. نزيد في القول، ولمزيد من التوضيح نقول مرة أخرى : – مستشارات ومستشارو التوجيه يشتغلون على هامش النظام التعليمي، وهم بعيدون كل البعد عن قلب الأحداث التي تمور بها وزارة التربية الوطنية. لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري ويسري، في شبه عزلة تامة، معزولون ومنعزلون كمتصوفة الزمن الغابر. فعلام سيحاسب هؤلاء المستشارات والمستشارون؟ وهل من شرعية لهذه المحاسبة؟ أمن المعقول محاسبة من لا يُحسب له أي حساب في وزارة التربية الوطنية؟ وبحسبة بسيطة، فحساب من لا حساب له نتيجته صفرية بالتأكيد..الصفر..ولا شيء سوى الصفر! لتُحاسَب، يجب أن تكون مسؤولا عن شيء ما. وهذا الشيء بداهة ليس ثرثرة في الهواء وإنما هو واقع ملموس ومحسوس ماثل للعيان لا نسيجا على الورق. إن أكبر خطأ وقع فيه من يريدون استيراد قواعد التفتيش التربوي إلى مجال التوجيه هو أنهم جهلوا أو تجاهلوا أن لكل وظيفة بنية خاصة بها لا تنفك عنها منها تأتي وإليها تؤول..وأن المستشار في التوجيه تحديدا، وهذا هو الخطير في الأمر، لا بنية له من الأساس..وأنه يشتغل على هامش بنيات الوزارة! وإذا كان من عمل حقيقي للتفتيش في التوجيه التربوي فهو بداية ونهاية إرساء بنيات الاستشارة والتوجيه في جميع مستويات الوزارة. بمعنى أن منظومة التوجيه وعوضا عن أن تكون حبرا على ورق المذكرات والقرارات والمقررات…يجب أن تكون أولا وقبل كل شيء هيكلا إداريا وقانونيا واقفا ووقفا وموقوفا بموارده المادية والبشرية وبرامجه وسياسته الواقعية..على أطر التوجيه. أما والوضع الراهن على النقيض من هذا تماما، فالتفتيش بمعناه السلطوي لا يعدو أن يكون عبثا لا طائل من ورائه. والسبب واضح للغاية..إنه يفتش عن شيء غير موجود في الأصل! وبالدارجة المغربية ′′كيقلب على جوا منجل′′ أخيرا، سواء في النظام الأساسي القديم أم الجديد، فالمهام والتدخلات الرئيسية التي أناطها المشرع بإطار التفتيش في التوجيه من السعة والاتساع بمكان لتشمل الجوانب البنيوية والوظيفية السالفة الذكر. والعمل على تقزيمها في الضبط والمراقبة ما هو إلا نوع من التجني على الممارسة المهنية وحرمان للفاعلين التربويين الآخرين بالوزارة من الاستفادة من خدمات هذا الإطار والذي جُعل في الأصل لتوجيههم وليكون رهن إشارتهم في استشاراتهم… لا رقيبا على المستشارات والمستشارين!