اعترف محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية، بعمق اختلالات المنظومة التعليمية، بيد أنه حمّل جزءا كبيرا منها لتراكمات سنوات طويلة من التدبير والإصلاحات غير المكتملة، وفي المقابل شدد الوزير على أن الحكومة الحالية شرعت في إصلاحات وصفها ب"البنيوية" التي تتطلب وقتا وموارد كبيرة قبل أن تعطي نتائجها على أرض الواقع، بحسب ما ورد في أجوبته على أسئلة وتعقيبات النواب في الجلسة المنعقدة بالبرلمان يوم الاثنين 29 دجنبر الجاري. وأكد الوزير أن واقع ضعف المستوى التعليمي "حقيقة لا يمكن إنكارها"، مستشهداً بتقرير صادر سنة 2019 عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، والذي أظهر، حسب قوله، أن حوالي 70 في المائة من التلاميذ في مستويات أساسية "لا يتقنون الحساب، ولا يستطيعون قراءة صفحة باللغة العربية، ولا فهم كلمات بسيطة بالفرنسية". وأضاف أن هذا المعطى كان من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت الحكومة الحالية إلى إعادة ترتيب أولوياتها في قطاع التعليم، معتبراً أن أي إصلاح جدي "لا يمكن أن يتم في سنة أو سنتين، بل يتطلب مساراً زمنياً ممتداً وإرادة سياسية واضحة".
وفي معرض دفاعه عن الإجراءات المتخذة، أبرز برادة أن ميزانية قطاع التربية الوطنية ارتفعت بشكل غير مسبوق، إذ انتقلت من حوالي 58 مليار درهم إلى 97 مليار درهم، مشيرا إلى أن نحو 80 في المائة من هذه الميزانية تُخصص للأجور. وأوضح أن الزيادات التي تم إقرارها لفائدة الأطر التربوية كلّفت لوحدها ما يقارب 10 مليارات درهم إضافية، مؤكداً أن هذا المجهود المالي يندرج في إطار تحسين وضعية الأساتذة والمديرين والمفتشين وجميع المتدخلين في العملية التعليمية، باعتبارهم "الركيزة الأساسية لأي إصلاح حقيقي". وتوقف الوزير عند ملف البنيات التحتية، مبرزاً أن أكثر من 50 في المائة من المؤسسات التعليمية خضعت لأشغال الترميم خلال السنتين الأخيرتين، مع التزام الوزارة بإعادة تأهيل جميع المدارس الابتدائية والإعداديات في أفق قريب، في محاولة لمعالجة اختلالات مزمنة أثرت، حسب تعبيره، على جودة التمدرس وظروف التحصيل الدراسي. وخلال رده على مداخلة نائبة برلمانية من فريق العدالة والتنمية، اتخذ الوزير نبرة حازمة، قائلاً بشكل مباشر: "المعطيات التي قدمتِها خاطئة"، مضيفاً أن الأرقام التي تستند إليها الوزارة "مضبوطة ومؤسسة على تقارير وتتبع ميداني". ورفض برادة ما وصفه ب"التشكيك غير المؤسس" في الأرقام المتعلقة بعدد الموظفين أو طريقة التعيينات أو تدبير الصفقات، مؤكداً أن الحديث عن تعيينات سياسية أو اختلالات ممنهجة "لا أساس له من الصحة". وشدد الوزير، في السياق ذاته، على أن تحسين حكامة التدبير مكّن الوزارة من تحقيق وفورات مالية مهمة، موضحاً أن تدبير الصفقات العمومية أفضى إلى ربح حوالي 400 مليون درهم مقارنة مع فترات سابقة، معتبراً ذلك دليلاً على أن أساليب التدبير "تحسنت بشكل ملموس". وفيما يتعلق بمحاربة الهدر المدرسي، أعلن برادة أن الوزارة تراهن بقوة على تجربة "المدارس الرائدة"، مشيراً إلى أن 80 في المائة من المدارس الابتدائية ستنخرط في هذا النموذج خلال الدخول المدرسي المقبل، إلى جانب 50 في المائة من الإعداديات. وأكد أن النتائج الأولية أظهرت انخفاض الهدر المدرسي بنسبة 50 في المائة داخل الإعداديات الرائدة، مع الحفاظ على ما يقارب 14 ألف تلميذ داخل المنظومة التعليمية، وهو ما اعتبره "مؤشراً مشجعاً" على نجاعة هذا التوجه. وتطرق الوزير بإسهاب إلى وضع التعليم في الوسط القروي، مبرزاً أن أكثر من 55 في المائة من المؤسسات التعليمية بالمغرب توجد في هذا الوسط، أي ما يفوق 6800 مؤسسة من أصل حوالي 12 ألف مؤسسة. وأوضح أن عدد المدارس الجماعاتية بلغ 358 مدرسة، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 64 في المائة، معتبراً هذا النموذج "من أنجع الحلول لضمان تمدرس منصف في المناطق النائية". كما أشار إلى إحداث 1461 حجرة دراسية جديدة للتخفيف من الاكتظاظ، ورصد حوالي 5 مليارات درهم لتحسين المرافق الصحية وربط المؤسسات بالماء والكهرباء، أو توفير حلول بديلة حيث يتعذر الربط المباشر. وفي ملف النقل المدرسي والداخليات، كشف برادة أن حوالي 684 ألف طفل يتنقلون يومياً إلى مدارسهم، معترفاً بأن هذا الرقم "غير كاف ولا يلبي جميع الحاجيات". وأعلن في هذا الإطار عن توقيع اتفاقية حديثة مع وزارة الداخلية لتدارك الخصاص في خدمات النقل المدرسي، مع توجيه التلاميذ الذين يقطعون مسافات طويلة أو يعانون صعوبات كبيرة نحو الاستفادة من الداخليات، بهدف الحد من الانقطاع المبكر عن الدراسة.