قراءة أولية في قرار المحكمة الدستورية رقم21/118 حول المادة 84 المتعلقة بالقاسم الإنتخابي من مشروع القانون التنظيمي رقم 21/04 المتعلق بمجلس النواب عبد الحميد العباس في البداية لا بد من الإشارة إلى أن المشرع الدستوري قد استعمل تقنية الإحالة الإلزامية بخصوص القوانين التنظيمية، من خلال الفصل 132 الناص على أنه" يحال على المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها" و بالرجوع إلى القرار المذكور أعلاه، نجد أن المحكمة الدستورية قد استندت في تعليلها على مجموعة من مبادئ الدستور، كمبدأ الإختيار الديمقراطي و مبدأ فصل السلط، وأن الإقتراع الحر و النزيه و المنتظم هو أساس اختيار الأمة لممثليها في المؤسسات المنتخبة، وأن الإنتخابات الحرة و النزيهة و الشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، و اعتبرت المحكمة أن طريقة احتساب القاسم الإنتخابي لا يحد من إعمال تلك المبادئ ولا من مدى ممارستها، وأنه بالرجوع إليها فإنها لا تتضمن سواء من جانب الدستورية أو من مدخل الإنسجام التشريعي، ما يخالف احتساب القاسم الإنتخابي على أساس عدد الناخبين المقيدين، مستندة كذلك على الفصل 30 من الدستور الذي ينص على أن التصويت حق شخصي و واجب وطني، مؤكدة على أن الدستور لا يتضمن قاعدة صريحة تتعلق بطريقة احتساب القاسم الإنتخابي، الأمر الذي يكون معه هذا الأخير من اختصاص المشرع، وأنه لا يندرج ضمن صلاحياتها التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع في شأن اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها طالما أن ذلك لا يمس بأحكام الدستور. وارتأت في الأخير أنه ليس هناك في المادة 84 ما يخالف الدستور. كقراءة أولية لهذا القرار و تعقيبا على حيثياته، نلاحظ أن المحكمة الدستورية لم تنتصر لثابت الإختيار الديمقراطي باعتباره من الثوابت الدستورية المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل الأول، وإن كانت قد استندت عليه في تعليلها، حيث أن ذلك يحيلنا إلى مبدأ دستوري آخر و هو الإقتراع الحر و النزيه، وأنه لا يكون إلا وفق التعبير الحر عن إرادة الناخبين، فكيف يمكن احتساب إرادة الناخبين المقيدين و الذين لم يدلوا بأصواتهم؟ كيف يمكن معرفة إرادتهم؟ وهل فعلا تضمن تلك العملية مبدأ تكافؤ الفرص بين لوائح الترشيح و سلامة العملية الإنتخابية؟ التي تجد سندها في الإقتراع الحر و النزيه كمبدأ دستوري أساسي، أليس التصويت هو حق دستوري شخصي لا يمكن العمل به إلا وفق إرادة حرة معبر عنها و ليس فقط مقيدة في اللوائح. أعتقد أن المحكمة الدستورية قد وقفت عند حدود التفسير السياسي للمادة 84 الذي يعلل فقرتها الثانية بفتح المجال أمام كافة القوى السياسية للمشاركة في القرار من خلال المؤسسة التشريعية، في حين أنه كان عليها أن تؤسس لاجتهاد دستوري ينتصر لمبادئ و روح دستور 2011 ، كدستور للإنتقال الديمقراطي، وبأن تجعل إرادة المشرع غير حرة بل تابعة و خاضعة لاحترام المبادئ الدستورية المساهمة و المدعمة للبناء الديمقراطي الحقيقي.