مأساة بخريبكة.. وفاة خمسة أشخاص من عائلة واحدة غرقا داخل صهريج مائي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    الحموشي يتقلَّد أرفع وسام أمني للشخصيات الأجنبية بإسبانيا    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    تحيين مقترح الحكم الذاتي: ضرورة استراتيجية في ضوء المتغيرات الدستورية والسياسية    الوالي التازي: المشاريع يجب أن تكون ذات أثر حقيقي وليست جبرا للخواطر    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    هجوم انتحاري خارج محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخصاً ويصيب 27 آخرين    ماكرون يؤكد رفض الضم والاستيطان وعباس يتعهد بإصلاحات وانتخابات قريبة    47735 شكاية وصلت مجلس السلطة القضائية والأخير: دليل على اتساع الوعي بالحقوق    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    مونديال أقل من 17 سنة.. المغرب يتعرف على منافسه في الدور المقبل    شراكة بين "اليونسكو" ومؤسسة "المغرب 2030" لتعزيز دور الرياضة في التربية والإدماج الاجتماعي    مقترح عفو عام عن معتقلي حراك "جيل Z"    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة ويرسل شخصا إلى المستعجلات    مديرية الأرصاد الجوية: أمطار وثلوج ورياح قوية بهذه المناطق المغربية    الرشيدي: إدماج 5 آلاف طفل في وضعية إعاقة في المدارس العمومية خلال 2025    إطلاق طلب عروض دولي لإعداد مخطط تهيئة جديد في 17 جماعة ترابية بساحل إقليم تطوان وعمالة المضيق-الفنيدق    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    التدبير‮ ‬السياسي‮ ‬للحكم الذاتي‮ ‬و‮..‬مرتكزات تحيينه‮!‬ 2/1    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار مصطفى عبد الجليل: مانديلا واحد لا يكفي ليبيا.. ولا حتى عشرة من أمثاله (2)

في الحلقة الثانية من المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق في ليبيا، بالعاصمة المغربية الرباط، قال عبد الجليل إن ثورات «الربيع العربي» لم تكن ثورات إسلامية بالدرجة الأولى، ولكنها استغلت من تيار الإخوان المسلمين المنظم، وأشار إلى أنه تبين من خلال السياسة التي انتهجها الإخوان سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أنه لم يعد لديهم قبول في الشارع الليبي أو المصري أو التونسي. واعتبر أن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي أخطأ في تعجل تطبيق سياسة الإخوان بالتمكين قبل الإنجاز مع أنه يفترض أن يتحقق الإنجاز قبل التمكين، كما تدخل في مؤسستين خطيرتين في التاريخ المصري هما المؤسسة القضائية والمؤسسة العسكرية.
وتناول المسؤول الليبي السابق الأيام الأخيرة للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ومصير ابنه سيف الإسلام وما يتعلق بمحاكمته. كما تطرق إلى مستقبل ليبيا والتحديات التي تواجهها، وموضوع العزل السياسي الذي استهدف شخصيات في العهد السابق، وقال إنه لم يكن مستهدفا به، منتقدا استهداف رموز مثل محمود جبريل ومحمد المقريف.
وحول احتمال العودة إلى المشهد السياسي قال عبد الجليل إن عودته «مستحيلة»، شارحا أنه يمارس الرياضة في مدينة البيضاء (شرق ليبيا) يستمتع بالطبيعة الخلابة في الجبل الاخضر.. وينشغل بالأعمال الخيرية.
* لننتقل إلى الطرف الثاني من المعادلة، هل كنتم تتوقعون ليلة سقوط طرابلس حدوث ما حدث؟ هل كان لديكم تواصل وتأكيدات من الداخل؟
- نعم كان لدينا تواصل مع أن القبضة على طرابلس كانت محكمة، إذ حضر إلينا في المنطقة الشرقية كثرة من أهل طرابلس. ومحمود جبريل أنشأ في ذلك الوقت لجنة سماها «لجنة تحرير العاصمة»، وكانت تعمل انطلاقا من تونس. وكنا على تواصل، بيد أننا لم نكن نتوقع أن تتحرر طرابلس بهذه الفاتورة البسيطة من الدماء. وأود هنا أن أسجل أن هناك شخصا اتصل بي عن طريق هاتف الثريا في شهر مايو (أيار) اسمه البراني إشكال، الذي كان آمر حرس القذافي «كتيبة محمد»، وهي كتيبة مهمة جدا في طرابلس، وكنت أعرفه معرفة سطحية، لكن كان لدي انطباع عنه بأنه رجل متزن وذو عقل راجح.
* وماذا قال لك البراني في ذلك الاتصال؟
- قال لي إنه في اليوم الذي سيقع فيه ما سيقع، سنكون معكم أو سنكون محايدين. كان اتصالا سريعا لا يتعدى بضع ثوان. بعد ذلك تواصل مع محمود جبريل باعتباره موجودا في الخارج.. وكان جبريل يقول لي إن البراني معنا. وفي الوقت الذي كنا نتخوف من أن تكون هنالك خمسمائة سيارة ملغمة، وأنهم سيلغمون طرابلس عن طريق الصرف الصحي، قدر الله أن تحدث الأمور بهذه الطريقة. مع هذا لم نكن نتوقع أن تتحرر طرابلس بهذه السرعة.
* بعد تحرير طرابلس انتقل النظام بسياراته إلى مناطق في الغرب.
- نعم، انتقل إلى مدينتي بني وليد وسرت.
* هل كنتم تتوقعون أن رأس النظام سينتقل إلى مسقط رأسه للدفاع عن نفسه؟
- لم أكن أتوقع ذلك. كنا نتوقع أنه سيهرب إلى الجنوب أو إلى خارج ليبيا، وكنا نتمنى ذلك. ولكن قبض عليه يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، بينما كنت ذاهبا حينها لتفقد الجبهة.. الاندفاع المستميت في سرت جعلني أقرر الذهاب إليها، فاستقللنا طائرة ركاب عادية من طرابلس وهبطنا في مطار مصراتة. ومن مصراتة ركبنا طائرة عمودية، ونزلنا على مشارف خمسين كيلومترا من سرت، حيث ركبنا سيارات وزرنا الجبهة الغربية وثوارها، ثم الجبهة الشرقية وثوارها. كانت مدينة سرت محاصرة حصارا شديدا من طرف الجبهتين، وهي مدينة حديثة وراقية وفيها مبان من طراز عال. كنا نستغرب الدفاع المستميت في المدينة، ولكن عندما ظهر هناك القذافي لم نستغرب ذلك من أولئك الأشخاص الذين دافعوا عن معمر دفاعا مستميتا.
* هل تعتقد أن ذلك الدفاع كان عن شخص معمر القذافي أم عن المنطقة؟
- لا كان دفاعا عن شخصه.
* هل كان يمثل رمزا مناطقيا؟
- طبعا. فهذه القبيلة والمنطقة كانتا لا شيء قبل عام 1969، ومدينة سرت كانت مدينة لا تذكر، بيوتها بيوت بسيطة، إلا أن القذافي أراد لها أن تكون عاصمة فأحدث فيها نقلة كبيرة جدا. ومن ثم جاءها كثيرون من الوافدين من خارج المنطقة واستقروا فيها. وهي الآن من المدن الجميلة. وحتى في ظل الأوضاع الحالية تعد سرت من المدن المستقرة، إذ بدأ الناس يعملون على تنميتها وصيانتها، وفيها شغل لا بأس به وهو ما وفر متطلبات الحياة الأساسية.
* كيف جرى اعتقال سيف الإسلام؟.. هل كنتم على علم بتحركاته؟ وهل عرضتم عليه تسليم نفسه؟
- كنا على علم بأنه في المناطق الحدودية الجنوبية، وأنه خرج من طرابلس إلى بني وليد، ثم حاول التوجه إلى الجنوب. وجاءتنا معلومات بأنه أصيب، وطلب تزويده بطبيب.. وذلك عن طريق شخصيات كانت مقربة منه، لكنها تخلت عنه منذ اليوم الذي توعد فيه الشعب الليبي، وأظن أن من بينهم فيصل الزواوي، الذي اتصل بي من الإمارات، وأخبرني أن سيف الإسلام موجود في المناطق المتاخمة للنيجر، وأنه يطلب طبيبا جراء إصابته في يده. وراودتنا فكرة تدبير طبيب له يكون مزودا بجهاز تعقب يكشف لنا مكان وجوده، بيد أننا صرفنا النظر عن حكاية إرسال طبيب قد يتعرض للخطر، إضافة إلى ان تنفيذ الفكرة كان غير متيسر، فمن هو الطبيب الذي سيرضى بالذهاب إلى الصحراء لمعالجة سيف الإسلام وهو يحمل جهاز تعقب. هذا أمر صعب. ومرت أيام إلى أن فوجئنا بالقبض عليه من خلال مجموعة، حسب ما علمت، دفعت أموالا للعناصر التي كانت تحرسه قبل أن تتخلى عنه.
* اعتقل من قبل من؟
- من قبل بعض ثوار الزنتان.
* وقتها، هل كانت رواية إصابة يده صحيحة؟
- باعترافه هو قال إنه أصيب قبل القبض عليه، وحسب معلوماتي الشخصية التي استقيتها من السيد فيصل الزواوي، عن طريق زميله فوزي عريب الزماط الزواوي، أن سيف أصيب في يده. وعندما اعتقل كان واضحا أنه تعرض لإطلاق نار، والأصابع التي توعد بها الليبيين كانت مقطوعة. البعض قال إنها ربما قطعت عمدا.. لكن سيف لم يذكر ذلك، وإنما قال في اعترافاته إنه أصيب قبل القبض عليه.
* كرجل قانون ما رؤيتك للطريقة التي يجب أن يجري التعامل بها مع هذا الملف، خصوصا أن هناك مطالبة دولية لمحاكمة سيف الإسلام؟
- انطلاقا من نظرة قانونية بحتة فإن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة قضاء تكميلي، والأساس هو أن يحاكم سيف الإسلام في بلده عن الجرائم التي ارتكبها فيه. وإذا أدين بعقوبة أقل من الإعدام أو لم يدن، فمن حق المحكمة الجنائية الدولية أن تتولى محاكمته عن الجرائم التكميلية الأخرى، لأننا نعرف جيدا أن أقصى عقوبة تصدرها المحكمة الجنائية الدولية هي السجن مدى الحياة. إن بقاء سيف الإسلام في ليبيا بقاء قانوني، بيد أنني أؤاخذ ثوار الزنتان على احتفاظهم به ورفضهم تسليمه للسلطات الليبية. وهذا طبعا موقف سجلوه لأنفسهم، وربما عده البعض موقفا سلبيا في هذه الثورة. كذلك أسجل على القضاء الليبي تأخره في محاكمة عبد الله السنوسي (صهر القذافي ورئيس استخباراته) عن الملف الجاهز المتعلق بمذبحة أبو سليم. وسواء تعلق الأمر بملف أبو سليم أو ملف تحريض وتوعد سيف الإسلام الليبيين بالقتل والتهجير، فإنها تهم جاهزة للحكم بالإعدام. وأنا هنا أسجل تراخي وتباطؤ القضاء الليبي في الفصل في هذين الملفين بالسرعة الممكنة تحقيقا للعدالة, وإرضاء للشارع الليبي، وأيضا حسما لخلافات قانونية قد تحدث في المستقبل.
* هناك اليوم جدل بين المراقبين للشأن الليبي مفاده أن ليبيا أمام خيارين: إما إنشاء مجالس المصالحة والمصارحة والتسامح الاجتماعي كما حدث في بلدان مثل جنوب أفريقيا ودول البلقان، والاكتفاء بمحاكمة رجال نظام القذافي الذين يمكن إثبات تهمهم فقط. وإما ملاحقة هؤلاء جميعا, وذلك حتى تسن قوانين العزل السياسي وغيرها. ما رؤيتك في هذا الجدل؟
- الوضع في ليبيا يختلف عما هو عليه في مصر وتونس. الوضع الاقتصادي في ليبيا مريح بعكس الوضع في مصر وتونس.. الذي كان يعتمد بشكل كبير على السياحة التي ضربت بسبب غياب الأمن. في تونس تكمن المشكلة الحقيقية في الاغتيالات السياسية، وخصوصا اغتيالات الرموز السياسية مثل شكري بلعيد. وفي مصر نجد أن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي تعامل خلال فترته الرئاسية التي استمرت نحو سنة بشيء من التخبط. فعلى الرغم من أن نجاحه في الانتخابات جرى بنحو 52% مقابل 48%، فإنه بدأ في تطبيق سياسة الإخوان بالتمكين قبل الإنجاز، مع أنه يفترض أن يجري الإنجاز قبل التمكين. الرئيس مرسي تعجل التمكين، وتدخل في مؤسستين خطيرتين في التاريخ المصري، هما: المؤسسة القضائية عندما أراد الإطاحة بالنائب العام وبعض رموز القضاء في البلاد لإتاحة الفرصة أمام الموالين لحزب الحرية والعدالة، والمؤسسة العسكرية من خلال إطاحته بالقادة العسكريين مثل المشير محمد حسين طنطاوي وإحالة مجموعات كبيرة من قيادات الجيش الى التقاعد. إن المساس بالمؤسستين العسكرية والقضائية، وأيضا تعيينه محافظين من تيار الإخوان المسلمين في مناطق ربما غير محسوبة على التيار الإسلامي، كما حدث في محافظة الأقصر، وهي محافظة معروفة بالسياحة، كلها أمور استعجل بها السيد مرسي ونظام الإخوان، لتمكينهم من مفاصل الدولة في مصر قبل أن ينجزوا أي شيء، وبالتالي حصل ما حصل، ونتمنى للشعب المصري والشعب التونسي السلامة.
أما بالنسبة لليبيا فالوضع مختلف، وسمته الاستعجال وقلة الصبر، وهذا طبعا أربك المجلس الوطني الانتقالي، وأربك الحكومة الانتقالية وأربك أيضا الجسم المنتخب المؤتمر الوطني العام (البرلمان), إذ لم تمنح الفرصة الكافية للعمل في ظروف مناسبة. هذا الاستعجال وقلة الصبر أعطى فرصة لأتباع القذافي وبعض القيادات الإسلامية المتطرفة لإرباك الأمن الليبي في كثير من القضايا. أيضا على المواطن الليبي حقوق قبل أن يطلب واجبات. الليبيون لا يذهبون إلى العمل بشكل مثالي، ومن يذهبون إليه لا ينجزونه بشكل مثالي. الليبيون اتكاليون ومتعجلون.
مع هذا، عموما، نحن متفائلون بأن ليبيا ستشهد استقرارا ونموا لأن لديها القوة الاقتصادية التي نستطيع من خلالها الوصول إلى ما يطمح إليه أولئك الذين ضحوا في وقت سابق بأموالهم ودمائهم وأرواحهم.
* ألا يساورك قلق من أن يعيد التاريخ نفسه؟ وهل تؤمن بما يقوله البعض بأن ثمة بلدانا لا تصح فيها إلا قيادة شخص قوي؟
- هناك طبعا بعض المفكرين والساسة الدوليين يقولون إن منطقة الشرق الأوسط ومنطقة العالم الثالث بشكل عام، ليست من المناطق المهيأة للديموقراطية، ولا تشكل بيئة صالحة لها، لأن هذه الشعوب جبلت منذ زمن بعيد وماض طويل على حكم الشخص الواحد. وبالتالي فهذه الدول بحاجة إلى ديكتاتور ولكن هؤلاء يتمنون أن يحكمها ديكتاتور عادل. هذه النظرة جاءت من خلال تعاطي الشباب مع ديمقراطية مفتوحة ومنفجرة ولا حدود لها. في مصر، مثلا، قبل فك الاعتصامات في الميادين عطل مؤيدو مرسي العمل فيها، وأقلقوا سكان تلك الميادين، وامتد هذا الوجود والحضور إلى بعض المناطق التي تشكل شريان الحياة في القاهرة. وبالتالي لم يكن أمام السلطات سوى أن تفرض سيطرتها على هذه الأماكن لكي تنساب الحياة. إن تعرض السلطات لأولئك الأشخاص يستلزم نوعا من القوة التي قد تتنافى مع الديمقراطية، ولكن الديمقراطية تتلاشى عندما تمس حرية الآخرين، فالمطلوب التظاهر بشكل سلمي في أماكن معينة من دون عرقلة المصلحة العامة.
* هل تؤمن بأن الديمقراطية يجب أن تكون لها ثقافتها أولا ثم مؤسساتها، أم أن المؤسسات تأتي هي الأولى، كصناديق الاقتراع؟
- الديمقراطية هي ثقافة أولا. لا بد من ثقافة لدى الناس، ولا بد من أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور فاعل، وبعد ذلك تأتي صناديق الاقتراع. لكننا استعجلنا وأردنا صناديق الاقتراع أولا. وأعود هنا للحديث عن مصر، وأقول إننا عندما ننظر إلى الواقع الديمقراطي نجد رئيسا منتخبا من قبل الأغلبية، وبناء عليه يجب أن تعطى له فرصة حتى وإن كانت هناك مآخذ أو مثالب على عمله. هذه المآخذ يجب أن تكون من خلال المعارضة الموجودة في البرلمان، أي من خلال المعارضة المؤسساتية، وليس المعارضة عن طريق الشارع، لأنه حتى ولو لم يطح بالرئيس المصري كان يمكن للفريق المضاد أن يعطل الحياة في مصر.
* ما رأيك في من يقول إن ثورات «الربيع العربي» كانت ثورات إسلامية، وهناك من يقول إنها ثورات كانت الأحزاب الإسلامية أكبر المستفيدين منها؟
- لم تكن ثورات إسلامية بالدرجة الأولى، ولكنها استغلت من جانب ذلك التيار المنظم، تيار الإخوان، نظرا لأن التيار الإسلامي المنظم في دول «الربيع العربي» هو تيار الإخوان. لكن تبين من خلال السياسة التي انتهجها الإخوان سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أنه لم يعد لديهم قبول يذكر في الشارع الليبي أو المصري أو التونسي.
* هل تعتقد أن هناك خطوات يجب أن تتخذ في ليبيا غير التي تجري الآن على الصعيد السياسي لتصحيح الوضع؟
- طبعا، أنا شملني قانون العزل السياسي باعتباري كنت وزيرا في عهد القذافي، وكنت قاضيا في محكمة الشعب. كنا نتمنى ألا يربط العزل بالوظيفة، وهذا لا يتعلق بي شخصيا، فأنا ليست لدي طموحات للعمل السياسي على الإطلاق، ولكن هناك أناسا آخرين ظلموا منهم مثلا السيد محمد المقريف، وهو رجل مناضل في المعارضة الليبية، التي لم يصبح لها شأن إلا عندما تولاها المقريف. ليس عدلا عزل المقريف. كنت أتمنى أن يكون العزل بسبب السلوك وليس بتولي الوظيفة. هناك موظفون صغار لم يشملهم العزل السياسي نظرا لأن وظائفهم كانت صغيرة، غير أنهم كانوا مثالا للفساد الأخلاقي والفساد المالي في الدولة الليبية.. وفي المقابل هناك أناس - وهنا لا أتكلم عن نفسي بل عن أناس آخرين - مثل عبد الرحمن شلقم ومحمود جبريل والمقريف تولوا مناصب قيادية كبيرة في نظام القذافي لكن سلوكهم كان سلوكا مميزا.
وأذكر أنه لما جئنا إلى المجلس الوطني الانتقالي وبدأنا في المصالحة الوطنية، وضعنا ثلاثة معايير؛ المعيار الأول يقول إن كل من كان سببا في قتل الليبيين في الداخل أو في الخارج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يجب أن يقدم للمحاكمة ويواجه الشكاوى من طرف أناس يعتقدون أنه أضر بهم. والمعيار الثاني يتحدث عن كل من استغل سلطته الوظيفية للحصول على المال بشكل غير مشروع، وهذا أيضا أمر يستلزم الرجوع إلى ما تصدره المحاكم الليبية في هذا الشأن, بينما يتحدث المعيار الثالث عن كل من وقف ضد ثورة 17 فبراير (شباط) بالفعل. وثار جدل داخل المجلس عندما قلت «بالفعل»، وكنت أنا من قدم نص المعايير الثلاثة. وتساءل البعض: كيف ذلك؟ فقلت لهم إن التهمة لا تتمثل في الأقوال. فقالوا إن ثمة أشخاصا وقفوا ضد الثورة بالقول، ومنهم إعلاميون من ضمنهم على سبيل المثال مذيعة اسمها هالة المصراتي. هؤلاء وقفوا في الإذاعة المملوكة للدولة السابقة ضد الثورة بالقول، لكنهم لا يشكلون خطرا لأنهم لم يحملوا السلاح ضد الثوار. وقلنا إن كل من وقف ضد هذه الثورة بالفعل، هو من زود أعداء الثورة بالسلاح وساهم في قتل الثوار.
* ألا ترون أن هناك مفارقة تكمن في أنكم بدأتم قانون العزل السياسي، ثم أصبحتم مستهدفين به؟
- قانون العزل لم يكن يستهدفني، بل كان يستهدف بالدرجة الأولى محمود جبريل لأنه صاحب طموح سياسي.
* هل تعتقد أن هذا عدل في حق شخص مثل محمود جبريل؟
- لا. هذا ليس من العدل لا في حق محمود جبريل ولا عبد الرحمن شلقم، ولا كل أولئك الذين كان لهم دور بارز في هذه الثورة، كان يجب أن يحظوا بالاحترام.
* ما رأيك في القول إنه يجب على الجيل الذي عاصر ذلك العهد أن يفسح المجال لآخرين من الجيل الجديد ليقودوا المسيرة؟ وهل تعتقد أن تلك الخبرات يجب تفادي التضحية بها؟
- أنا مع تجنب التضحية بالخبرات. إذا كانت هناك خبرة لا توجد مآخذ عليها فليفسح لها المجال، لأن ليبيا في حاجة إلى الخبرات. مثلا اللغة الإنجليزية ألغيت في ليبيا منذ عام 1979، والجيل الحالي لا يتكلم اللغة الإنجليزية على الإطلاق. كيف يمكن أن تعتمد على هذا الجيل في بناء الدولة؟.
* لفت انتباهي في أول لقاء بك قولك إنك لست رجل سياسية.. كيف ترى نفسك الآن بعد كل ما حدث؟
- لقد تقاعدت بشكل مبكر حتى من القضاء، وتقدمت بتقاعدي يوم سقوط السلطة في 22 أغسطس (آب) 2011، وقدمت الطلب لرئيس المجلس القضائي الأعلى، لأنه من غير اللائق أن أقود ثورة وأبقى في الهيئات القضائية. فمن خلال خبرتي ووظيفتي وأقدميتي قد تتاح لي أمور تضطرني أن أتولى محاكمة من كنت يوما مديرا عليهم.. هذا أمر غير مقبول.
* هل ستعود إلى المشهد السياسي لو طلب منك ذلك مستقبلا؟
- لا.. هذا مستحيل.
* ما هي أهدافك الآن.. كيف تقضي أيامك؟
- أنا الآن أمارس الرياضة في مدينتي البيضاء وأستمتع بالطبيعة الخلابة في الجبل الأخضر، وأتواصل مع زملائي في أعمال خيرية داخل المدينة. وأنا مستعد أيضا للمساهمة في تحقيق المصالحة تحت أي غطاء تتبناه الدولة سواء كان المؤتمر الوطني أو الحكومة الانتقالية.
* هل هناك حاجة لمانديلا ليبي؟
- والله مانديلا واحد لا يكفي ليبيا.. ولا حتى عشرة من أمثال مانديلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.