بايتاس: مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة يروم تعزيز فعالية المجلس في التنظيم الذاتي للمهنة    غواتيمالا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي "الأساس الجاد" لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية    تعيينات حكومية جديدة في قطاعات الإسكان والتعليم العالي والعدل والصناعة التقليدية    الهلال السعودي يتلقى نبأ سعيدا قبل مواجهة فلومينينسي    ضبط شحنة ضخمة من الحشيش المهرّب من شمال المغرب إلى إسبانيا    تنسيقية مهنيي سيارات الأجرة تستنكر "فوضى التسعيرة"    الدار البيضاء.. توقيف شخص عارٍ عرقل سكة الطرامواي وإحالته على المستشفى    الشرطة توقف مشاركين في موكب زفاف بسبب "السياقة الاستعراضية"    الجواهري يدعو إلى تعزيز التعاون الدولي لتطوير المالية الإسلامية    هلال: المغرب من أوائل الفاعلين في حكامة الذكاء الاصطناعي دوليا    إيران تؤكد التزامها معاهدة حظر الانتشار النووي        وزير الداخلية يترأس حفل تخرج الفوج الستين للسلك العادي لرجال السلطة    دعم 379 مشروعا في قطاع النشر والكتاب بأزيد من 10,9 مليون درهم برسم سنة 2025    الهاكا تسائل القناة الثانية بسبب بثها حفل "طوطو" وترديد كلمات نابية    "مكتب المطارات" يعيد هيكلة أقطابه لقيادة استراتيجية "مطارات 2030"    الحزن يخيم على العالم الكروي    مجلس المنافسة: تجار المواد الغذائية استغلوا الغلاء لرفع أرباحهم وتعدد الوسطاء يساهم في التضخم    إنجازات حكومية محدودة وغير كافية!    مقررة أممية: إسرائيل مسؤولة عن إحدى أقسى جرائم الإبادة بالتاريخ الحديث    قناديل البحر تغزو شواطئ الحسيمة مع انطلاق موسم الاصطياف    مطالب للداخلية بتوضيح أسباب الزيادة المفاجئة لأسعار الترامواي وحافلات النقل الحضري بالرباط    بعد عام من العفو الملكي.. اعتقال المدونة سعيدة العلمي ومطالب بسراحها    "وكالة بيت مال القدس" تخصص 2.2 مليون دولار لدعم الفلسطينيين في النصف الأول من 2025    بعد فضية 2022.. لبؤات الأطلس يبحثن عن المجد الإفريقي في "كان 2024"    كأس العالم للأندية: المهاجم البرازيلي بيدرو يعزز صفوف تشلسي أمام بالميراس    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    تمديد أجل طلبات الدعم العمومي لقطاع الصحافة والنشر    بعد مراكش وباريس.. باسو يقدم "أتوووووت" لأول مرة في الدار البيضاء    صدمة بشفشاون بسبب تأجيل أقدم مهرجان شعري في المغرب لغياب الدعم اللازم    الرميد ينتقد حفل "طوطو" بموازين: "زمن الهزل يُقدَّم كنجاح ساحق"    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    الكاف تزيح الستار عن كأس جديدة لبطولة أمم إفريقيا للسيدات بالمغرب    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    المغرب من بين الدول الإفريقية الرائدة في جودة الحياة    بتعليمات ملكية سامية.. مؤسسة محمد الخامس للتضامن تطلق العمل ب13 مركزا جديدا في عدد من مدن المملكة    قاض أمريكي يعلق قرارا مثيرا لترامب    بونو وحكيمي يتألقان ويدخلان التشكيلة المثالية لثمن نهائي مونديال الأندية    الرجوع إلى باريس.. نكهة سياحية وثقافية لا تُنسى    رئيس الاتحاد القبائلي لكرة القدم يكتب: حين تتحوّل المقابلة الصحفية إلى تهمة بالإرهاب في الجزائر    مكتب الفوسفاط يوقع اتفاقية لتوريد 1.1 مليون طن أسمدة لبنغلاديش    "إبادة غزة".. إسرائيل تقتل 63 فلسطينيا بينهم 31 من منتظري المساعدات    مدينة شفشاون "المغربية" تُولد من جديد في الصين: نسخة مطابقة للمدينة الزرقاء في قلب هاربين    الجزائر تُطبع مع إسبانيا رغم ثبات موقف مدريد من مغربية الصحراء: تراجع تكتيكي أم اعتراف بالعزلة؟    الشرقاوي تعدد تحديات "المرأة العدل"        تصعيد جديد للتقنيين: إضرابات متواصلة ومطالب بإصلاحات عاجلة    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    دراسة: تأثير منتجات الألبان وعدم تحمل اللاكتوز على حدوث الكوابيس    لاعبات للتنس يرفضن التمييز بأكادير    الراحل محمد بن عيسى يكرم في مصر    جرسيف تقوي التلقيح ضد "بوحمرون"    في لقاء عرف تكريم جريدة الاتحاد الاشتراكي والتنويه بمعالجتها لقضايا الصحة .. أطباء وفاعلون وصحافيون يرفعون تحدي دعم صحة الرضع والأطفال مغربيا وإفريقيا    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    ضجة الاستدلال على الاستبدال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشباب المغامر تنفيذا للتعليمات السامية
نشر في مرايا برس يوم 26 - 05 - 2010


بوجمعة "الحراك"
كان قصير القامة نحيفا إلى حد البشاعة أشقر الشعر يتحدث بلكنة أهل الشرق المغربي. وصل، كالعديد من شبابنا المقهور والغارق في أوهام جنة الفردوس الواقعة على الضفة الشمالية للمتوسط، إلى جمهورية بيلاروس وكله آمال وأحلام وردية مرتبطة بأوروبا والمستقبل الزاهر الذي سيمنحه إياه هذا العالم القديم. قطع مسافة، يحسده عليها رحالتنا المعروف ابن بطوطة، حيث بلغ مراده عبر مصر،آتيا من المغرب برّا، فتركيا ثم بيلاروس لينطلق منها إلى جيراننا الشماليين مخترقا حدود الدول الأوروبية الشرقية منها والغربية. كان يتحدث عن ألمانيا وفرنسا بحرارة المصاب بحمى ذهب رعاة البقر في أمريكا. وكل محاولة لإقناعه بأنّ أفكاره وهم، كان يتصدى لها بعصبية الأصولي المؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقة. إنه كان يهذي بأوروبا الغربية هذيانا.
ومرت الأيام وتبعتها الأسابيع والأشهر فالسنوات، وبدّر بوجمعة "الحراك"، أو المغامر على حد تعبيره في تلميح منه لخطاب عاهل المغرب الراحل الذي قال مخاطبا الشاب المغربي: "إني أريد شبابا مغامرا.."، كل ما كان معه من مال وبات لا يجد ما يقتات به في مجتمع لايعرفه ولا يتكلم لغته. أصبح ينام حيث يُعرض عليه ويأكل متى يُقدّم له الطعام ونسي معنى الحمام والغسيل.
بقي على هذه الحال إلى أن تعرف على مجموعة ممن يطلق عليهم المغاربة مصطلح "الحراكة"، فتسكع معهم ما شاء قدره وشرب من الكحوليات ما استوعب جسمه النحيف الهزيل، لكن الحلم بأوروبا الغربية لم يفارقه ولو برهة. لقد كان يطلق العنان لأحلامه جهرا كلما شرب كأسا أو كأسين من المشروب الروحي الروسي التقليدي. وكان رفاقه في التعاسة يشاركونه هذه الأوهام ما لم يتخدر دماغهم ويغيب تحت تأثير مفعول الفودكا فيغرقون في سبات عميق كذاك الذي تنعم به بلداننا.
عبد النبي "الزعيم"
نزل من القطار، الواصل من موسكو إلى العاصمة منسك، وعيناه محمرتان من تأثير ليلة قضاها في شرب الكحول مع روس تعرف عليهم أثناء رحلته. وعبد النبي "الزعيم" شاب في منتصف عقده الثالث متوسط القامة بدين مع بعض الإفراط، لُقّب ب"الزعيم" ليس لأنه كان يتزعم حركة "الحراكة"، فهذه الأخيرة لا تعترف بقيادة أحد، وإنما تسميته هذه من قبل أصدقائه ناتجة عن جرأته التي تصل بعض الأحيان إلى حد الوقاحة. فكلمة "الزعيم" في اللهجة المغربية تعني "المقدام". توجه نحو محطة سيارات الأجرة، امتطى إحداها وطلب من السائق أن يسرع به إلى العنوان الذي ذكر له.
دق الجرس ما لا يقل عن خمس أو ست مرات دون أن ينفرج الباب أمامه. همّ بالانصراف، معتقدا أنه قد يكون أخطأ العنوان، عندما سمع حركة متثاقلة من الداخل، ثم صوت أقدام تقترب من الباب في كسل شديد مرفوقة بشتم ولعنات في حق عديم الأخلاق والدم الذي يُصحّي الناس في مثل هذه الساعة من الصباح. أخيرا فُتح الباب وظهر صاحب اللعنات شبه عاري منتفخ العينين، من أثر النوم أو السكر، مصفرّ الوجنتين.
*
آش من صباح يا الحمار.. هذي التناش دالنهار.. (أيّ صباح يا حمار.. الساعة الآن الثانية عشر زوالا)
*
الزعيم.. أنهار كبير هدا ألموسكوفيتش.. أدخول.. ("الزعيم".. هذا يوم عظيم أيها الموسكوفي.. تفضل)
عانقا بعضهما البعض بحرارة ورحب صاحب البيت بضيفه العزيز واعتذر له عن اللعنات والشتائم، كما شرح له أنه قضى ليلته، كما هي العادة، في شرب "البيضة" (المقصود الفودكا وليس البيضة) وأنه لم ينم إلا في الساعة الخامسة صباحا وأنّ رأسه ستنفجر إن لم يشرب كأسا حالا. ضحك "الزعيم" وفتح حقيبته وأخرج منها زجاجة فودكا قائلا:
*
جاي وجايب معيا دواك.. (لقد حضرت وأحضرت معي دواؤك)
ضحكا مرة أخرى وانتقلا إلى الغرفة الوحيدة بالشقة، حيث كان الباقون نائمين. أيقدهم بركلات:
*
فيقو يالحراكة الزعيم وصل بالفودكا ديالو.. فقو يا السكايرية.. (اصحوا أيها المقيمون غير الشرعيين.. فالزعيم وصل وأحضر معه الفودكا.. اصحوا ..أيها السكيرون)
استيقظ بوجمعة أولهم وقام متثائبا ليعانق الضيف، ثم استيقظ الباقون ورحبوا بصديقهم القادم من موسكو. وبعد أن رتبوا غرفة النوم، وهي نفسها غرفة الأكل والاستقبال، جلسوا على مائدة الخمرة يشربون نخب صديقهم الواحد تلو الآخر سعداء بوصوله حقيقة لا مجاملة. وبعد أن ثمل بعض الشيء أخبرهم القادم أنّ موسكو باتت جنة وأنه لا حاجة لهم للمغامرة والمخاطرة بأنفسهم في محاولة لعبور الحدود البيلاروسية – البلاندية بشكل غير شرعي. وأخبرهم بأن فرص العمل أصبحت متوفرة بها ويمكن الكسب فيها أحسن من الدول الغربية، لذلك وصل إليهم ليأخذهم معه. لاح بريق في عيونهم ينم عن استعدادهم للسفر معه قبل أن تخلص زجاجة الفودكا، لكنه طلب منهم حلمهم عليه فهو يريد أن يستمتع بمناظر منسك وجمال بنات منسك الذي سمع عنه الشيء الكثير. ضحكوا جميعا وأتوا على الزجاجة الأولى لتحل محلّها الثانية والثالثة فالرابعة..
موسكو
أبهرتهم العاصمة الروسية بجمالها ومعالمها الأثرية وأسحرتهم الساحة الحمراء ومركزها التجاري وظلوا لساعات طوال يجوبون شوارع موسكو غير عابئين بالتعب ولم يُجبرهم على العودة إلى السكن الطلابي، حيث كان يقيم "الزعيم"، إلاّ رجال الشرطة الذين كان شكلهم يوحي بأنهم خرجوا للصيد كالطيور الجوارح بحثا عن فريسة من فصيلة المهاجرين غير الشرعيين.
لبثوا بالسكن الطلابي، الذي لم يسلم هوالآخر من غارات الشرطة عليه بحثا عن الضحية، ما يقرب عن شهر كامل لا يغادرون غرفتهم إلا لقضاء حاجتهم وبحذر شديد وكأنهم أعضاء الحزب الشيوعي المغربي أيام الحسن الثاني. ولا أحد يعلم كيف سلموا من غارات الشرطة المتتالية على السكن.
مرت الحملة بسلام وخرجوا بعد شهر للشارع طالبين مصدر رزق. ولم يطل بهم الطلب، فقد وجدوا عند أول مخزن لبضائع الجملة ما استهدفوه من سفرهم إلى العاصمة الروسية. حمّلوا ثلاث شاحنات كاملة بكراتين السجائر طيلة اليوم وحصّلوا على ثلاثمائة دولار فرحوا بها أشد الفرح الذي لم يكتمل مع أول دورية شرطة صادفتهم في طريق العودة، حيث اضطروا لاقتسامها معها كي تخلي عن سبيلهم. وتكررت العملية عدة مرات قبل أن يفهموا أن الدورية تراقبهم ولا تتعرض لهم إلا في آخر يوم عملهم عندما يكونوا قد قبضوا ثمن تعبهم.
بوجمعة "الحراك" مرة أخرى
طُرق باب غرفتهم بقوة فاعتقدوا في البداية أنه بوجمعة "الحراك" الذي بات ليلته خارج السكن، لكنهم سمعوا أصواتا غريبة لم يتبيّنوا أصحابها لذلك ارتعشوا خوفا من أن تكون الشرطة جاءت لاعتقالهم. وبعد أن تغلبوا على خوفهم وتمالكوا أنفسهم بعض الشيء توضّح لهم أنّ الأصوات الغريبة تنطق الدارجة المغربية ففتحوا باب الغرفة ليجدوا بعض الطلبة المغاربة برفقة شخصين من السفارة يسألونهم عن الإسم العائلي لبوجمعة الحراك. وبعد أن أجابوا بالنفي سألوا بدورهم عن السبب وعن صديقهم، فأخبروهم بأنه فارق الحياة ليلة البارحة إثر طعنات بسكين تلقاها من شخص أو أشخاص مجهولين وأنّ السفارة تريد معرفة إسمه بالكامل لتخبر أهله بالمغرب حتى تبعث بجثته إليهم بعد أن يتعهدوا بدفع تكاليف النقل لأن السفارة لا ميزانية لها تسمح بذلك.
هكذا لقي حتفه شاب مغامر بديار الغربة عاش غريبا في أرضه وتوفي غريبا في بلاد غيره ودفن بين أموات غرباء عنه دون أن ينال مراده من أرض المهجر ونصيبه من الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.