الجديدة.. انطلاق الدورة السادسة لأيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني    القمة العربية ببغداد تجدد دعمها لرئاسة الملك محمد السادس للجنة القدس    أخنوش يشيد ب"مسار الإنجازات" في العيون ويُعدد المشاريع التنموية بعاصمة الصحراء    المغرب يقرر إعادة فتح سفارته في دمشق    إسبانيا.. توقيف عنصر موالي ل "داعش" بالتعاون مع المخابرات المغربية    الهاكا تضرب بيد القانون.. القناة الأولى تتلقى إنذارا بسبب ترويج تجاري مقنع    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    شركة "نيسان" تعتزم غلق مصانع بالمكسيك واليابان    ابن كيران: أخنوش انتهى سياسيا لا تخافون منه... وغير مستبعد إسقاطه لملتمس الرقابة بالأموال    بسبب الأوضاع المتوترة.. وزارة الخارجية توجه نداء للجالية المغربية المتواجدة بليبيا    جلالة الملك يدعو إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية بالضفة الغربية وقطاع غزة والعودة إلى طاولة المفاوضات    وهبي قبل النهائي: فخورون بما أنجزناه.. وهذا الجيل يستحق التتويج بلقب الكان ودخول سجل التاريخ الكروي المغربي    الأمن الوطني يطور سيارة ذكية بكاميرات متطورة تنافس النماذج العالمية    إشبيلية الإسباني يعلن مواجهة فريق مغربي في مباراة ودية    الدورية الذكية "أمان".. منظومة ذكاء اصطناعي في خدمة أمن الوطن والمواطنين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    توقيف ثلاثة أشخاص متورطين في ترويج الكوكايين والسرقات بإمزورن    شاب يضع حدًا لحياته شنقًا ب "طنجة البالية"    "استئنافية طنجة" تؤيد إدانة رئيس جماعة تازروت في قضية اقتحام وتوقيف شعيرة دينية    مزبار: المثقف الحقيقي هو من يُعلم الفكر النقدي ويتحمل مخاطرة المواجهة الفكرية    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    فيلم بين الجرأة والاعتبارات الأخلاقية يعرض بمشرع بلقصيري    مجموعة مدارس إحسان بالجديدة تنظم مهرجانا ثقافيا تحت شعار: ''تراث الأجداد بيد الأحفاد'    الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب: الأجهزة الأمنية المغربية قطعت شوطا كبيرا في تناغم تام مع مسارات التنمية المتسارعة للمملكة    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    عباس في قمة بغداد: ندعو إلى إلزام حماس بتسليم السلاح للسلطة    الناخبون البرتغاليون يدلون بأصواتهم غدا لانتخاب ممثليهم بالجمعية الوطنية    وكالات روسية: بوتين يستضيف أول قمة روسية عربية في أكتوبر المقبل    نهضة بركان أمام فرصة ذهبية للاقتراب من المجد القاري ضد سيمبا التنزاني    الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    إفران تعتمد على الذكاء الاصطناعي للوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها    الوداد يواجه بورتو البرتغالي وديا في ثاني مبارياته التحضيرية لمونديال الأندية    تحت شعار "فخورون بخدمة أمة عريقة وعرش مجيد".. انطلاق النسخة ال6 لأيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بمدينة الجديدة (صور)    الفيفا تكشف توقعاتها لمداخيل كأس العالم 2030.. إيرادات غير مسبوقة    مغرب الحضارة: أولائك لعنهم الله لأنهم سرطان خبيث الدولة تبني وهم يخربون.. ويخونون    محمد صلاح مهاجم ليفربول يحدد موعد اعتزاله    "السينتينليون".. قبيلة معزولة تواجه خطر الانقراض بسبب تطفل الغرباء    عملية سرقة بمؤسسة "روض الأزهار" بالعرائش: الجاني انتحل صفة ولي أمر واستغل لحظة غفلة    ورشة تكوينية حول التحول الرقمي والتوقيع الإلكتروني بكلية العرائش    سميرة فرجي تنثر أزهار شعرها في رحاب جامعة محمد الأول بوجدة    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي عند الدخول الجامعي 2025-2026    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    الزيارة لكنوز العرب زائرة 2من3    أقصبي: استوردنا أسئلة لا تخصنا وفقدنا السيادة البحثية.. وتقديس الرياضيات في الاقتصاد قادنا إلى نتائج عبثية    الدرهم يرتفع بنسبة 0,4 في الماي ة مقابل اليورو خلال الفترة من 08 إلى 14 ماي(بنك المغرب)    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    اليماني: تحرير أسعار المحروقات خدم مصالح الشركات.. وأرباحها تتجاوز 80 مليار درهم    أبرز تعديلات النظام الأساسي ل"الباطرونا"    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    تغازوت تحتضن مؤتمر شركات السفر الفرنسية لتعزيز التعاون السياحي المغربي الفرنسي    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محجوب بن سعلي يكتب.. عدونا الأول .. السرطان
نشر في ناظور سيتي يوم 12 - 01 - 2020

في ثقافتنا الشعبية المغربية مثل بليغ يعرفه الصغير قبل الكبير، يوظفه المغاربة بشكل يومي تقريبا، المثل يقول "ما كيحس بالمزود غير اللي مخبوط بيه"، هذه المقولة ظلت ترن في أذناي بشكل غريب مباشرة بعد ظهور حملة جمع التوقيعات لإحداث صندوق لمكافحة السرطان، أو المرض الخبيث كما يسميه معظم المغاربة الذين ذاقوا مرارة حلوله ضيفا ثقيلا دون سابق معرفة ودون استئذان، أحسست بشيء يجذبني للانخراط في هذه الحملة دون حتى أن أسأل عمن يكون وراءها وما هي انتماءاته السياسية -إن وجدت-، لم أسأل من يكون صاحب أو أصحاب المبادرة، لم يخطر ببالي سوى شيء واحد حينها، صورة والدي رحمه الله وهو مسجى في الطابق الأول لمنزلنا هناك في الحسيمة، جثة هامدة انتصر عليها السرطان اللعين، بعد رحلة علاج طويلة داخل وخارج أرض الوطن دون نتيجة، غالبت الدموع التي تخونني كلما تذكرت هذه اللحظات العصيبة التي عشناها كأسرة، بعض القطرات تسللت ساخنة دون استئذان حين عرفت أن من وراء المبادرة يسكنون الرباط العاصمة ومنهم ومنهن أصدقاء وصديقات أعزاء وعزيزات، قلت في قرارة نفسي كم هي الوقائع متشابهة، لقد كان آخر لقاء بوالدي قبل وفاته في الرباط قبل أزيد من عشرين سنة مضت، ولقائي به جثة هامدة كان في الحسيمة.
لازلت أتذكر تفاصيل اللقاء الأخير مع والدي في الرباط، في ذلك المساء الصيفي، حتى الموسيقى التي استمتعنا بسماعها لازال صداها يصدح في أذناي، كانت مقطوعة موسيقية للمجموعة الغنائية الريفية الشهيرة "إثران"، يكفيني فقط سماع هذه المقطوعة لينتصب أمامي طيف والدي رحمات الله عليه، بأناقته المعهودة، ببذلته الزرقاء السماوية، وقميصه الأبيض الناصع، هو يوم من أيام الصيف من سنة 1997، الزمان مساء، والمكان حي الفتح بالرباط العاصمة، إلى جانبه صبي لا يتجاوز خريفه 15، مرتديا سروالا من الجينز يميل إلى الزرقة أتذكر حتى نوعيته "نيو كارو" وسترة بيضاء من نوع "كاسوشي" وحذاء أسود "نيو روك"، وحدنا لا ثالث معنا سوى الله..
يضحك يمازحني وكأنه كان يدري أنه آخر لقاء سيكون بيننا بذاك الشكل، يعاند سطوة المرض بكبرياء، تخلى عن سيارته المرسيديس التي كان يعشقها ودعاني إلى السير على الأقدام، من يدري ربما كان يود أن يقول لي" لا خوف على أبيك، أنا لازلت قادرا على السير، السرطان لن يهزمني ولن يركعني، فمن يدري خبايا نفوس رجال ليسوا أبدا كالرجال حتى في لحظات "المرض"، صوته الخافت المبحوح يصدح اللحظة في أذناي كأنه الأمس، أسير إلى جانبه وكأني برفقة جبل لا تهزه الرياح رغم النحافة التي أصابت جسده بفعل سطوة المرض وحصص المعالجة الكيميائية، نتوقف للحظة أمام بائع "الدلاح"، يلتفت إلي ضاحكا، "إتعجيباش الدلاح؟ -هل يعجبك الدلاح؟، ضحكت في وجهه كعلامة إيجاب، وفي دواخلي حدثت نفسي "الوالد، مايدجا حد واسيتعجيب الدلاح؟"-وهل يوجد من لا يعجبه الدلاح-.
أقل من سنة بعد هذا اللقاء الفريد الذي لم يتكرر إلى هذا اليوم، سيرحل في صمت يوم الخميس 26 فبراير 1998، ليؤجل اللقاء إلى موعد غير مسمى، موعد أعشق فيه ولو لثانية نطق كلمة "أبي".
حتى تفاصيل اليوم الذي ودعت فيه جسد والدي مازالت محفورة في ذاكرتي وستظل للأبد، أحتاج فقط لشيء يستفز ذاكرتي لتقفز كل هذه اللحظات إلى الوجود كمشاهد من فيلم روائي ل"وودي ألان"ّ، وهذا ما نجحت فيه هذه الحملة الوطنية غير المسبوقة، لقد نجحت في استفزاز -بشكل إيجابي- ذاكرتنا وحسنا الإنساني الذي غيبته ظروف الحياة التي تأتي على غير ما يحب الكثيرون، نجحت في توحيدنا لأن العدو واحد.
كانت تلك الساعات التي مضت في انتظار وصول جسده أشبه بعشرات السنين، مضى الوقت متثاقلا غير آبه بالعذاب الذي كنا نعيشه، في حدود الساعة الواحدة زوالا كانت السيارة التي تحمل جسده تقف أمام البيت، كانت لحظات عصيبة بالنسبة للجميع، لأخواتي اللواتي لم يستوعبن بعد هول الصدمة، للجيران الذين وقفوا يعاينون هذه اللحظات الحزينة، وعلى محياهم كانت تبدو علامات التأثر والأسى، كان شخصا محبوبا من قبل الجميع، يوزع الابتسامات هنا وهناك دون مقابل، كان رجلا يحب العطاء بلا مقابل، يذكره الجميع بلقب الحاج رغم أنه لم يحج، كانت له كاريزما خاصة في الحي، طويل القامة وعريض المنكبين.
كنت أسترق النظرات إلى جسده المغطى بلحاف بني فاتح، أغالب دموعي التي كانت تنهمر كشلالات أوزود، وهم ينزلون جسده من السيارة كانت تتعالى صيحات التكبير، حاولت أيضا مساعدة إخوتي وبعض الجيران في حمل جسد والدي إلى داخل البيت.
لازلت إلى اليوم أتذكر ذلك اليوم، لقد كان موعدا لا ككل المواعد الصباحية التي تأتي بلا سابق إنذار.
أحيانا كثيرة تختزل ذكرياتنا في "فقاعة" بمجرد لمسها تنطلق هكذا بلا استئذان، وهو ما حدث لي وسيحدث للمئات ممن أخذ منهم السرطان من يحبون، سر نجاح هذه المبادرة كونها لامست المشترك بيننا كمغاربة باختلاف انتماءاتنا الجغرافية والسياسية والعرقية واللغوية والعقائدية والطبقية، فكل الأمل أن تجد لها آذانا صاغية ولا تقبر فنغبن ونزداد حزنا وألما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.