ما التدوين؟ الحديث عن التدوين هو حديث عن عالم من التعبير بالكتابة والصورة، ولم يتم إرساء الأدبيات المحددة له، هذا الشكل التعبيري عن الأفكار والمشاعر قد تكون من المجازفة الفكرية أن نقوم بتصنيفه أو تنميطه، لذلك فإن حديثنا اليوم عن التدوين سيكون حديث عن ولادة جديدة لجنس يمكن تصنيفه على أنه “صحفي” في انتظار أن تتشكل معالمه الأساسية في المستقبل. لقد انطلق التدوين كما تنطلق كل الكتابات الانطباعية على شكل أراء ومواقف يعبر عنها أصحابها غير مكثرتين بالقواعد الفنية للكتابة الصحفية ولا مستحضرين للهواجس والخطوط الحمراء التي تتداولها الصحافة. التدوين في السياق المغربي كانت المرحلة السالفة الذكر مرحلة قصيرة لم تدم طويلا لأن أصحاب هذه المدونات وبعد أن انخفض سعر الولوج إلى الشبكة العنكبوتية وأصبح بإمكان الشاب أن يخلو لحاسوبه وأن يكتب ما شاء وكيفما شاء جاءت المرحلة الثانية التي انطلق فيها مسلسل الاعتقالات لأن هؤلاء الشبان تقدموا قليلا إلى الأمام وأصبحوا ينتقدون الأوضاع السياسية والاجتماعية وأصبحوا يطلقون الاتهامات وأصبح التدوين يشكل حركة للاحتجاج بعد أن كان مجرد فضاء لكتابة الخواطر على غرار “دفتر الذكريات” أو المجلة الحائطية التي كانت سائدة في زمن سابق. هذه الإعتقالات ساهمت بشكل كبير بأن يقفز المدونون إلى الواجهة وأصبحوا يلتقون باستمرار في العالم الافتراضي وتوطدت أواصر التواصل بينهم فأصبحوا قبيلة متماسكة العروش والفخضات وأصبح المدونون كالجسد الواحد إذا أصاب عضو منه شيء في مصر يصاب مدون في المغرب بالحمى. علاقة التدوين الالكتروني بالصحافة التقليدية إن جسورا من التواصل بين الصحافة بمفهومها التقليدي قد تشكلت من خلال خروج بعض الصحفيين من تحت ضغط خطوط التحرير في المؤسسات الإعلامية التي يشتغلون لفائدتها وأسسوا مدونات يعبرون فيها عن آرائهم في القضايا الجارية من وجهة نظرهم الخاصة بعيد عن مقص الرقيب. كما أن بعض الشباب الذين وجدوا جداريات التدوين كفضاء لتفريغ شغبهم الشبابي ومحاولة التقاط صور من الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشها بلادنا وأخرجوا ذلك في مدوناتهم كما أنه كانت لهم مساهمات في العديد من المنابر الإعلامية الذي ركز حضورهم في الساحة وساهم في توجيه وتطوير أسلوبهم في الكتابة. كما أن سرعة انتشار التدوين ساهم فيه ما يتيحه هذا النوع من الكتابة من تفاعل القراء المباشر مع مضامينه الأمر الذي لا تتيحه الصحافة التقليدية. المسؤولية في التدوين من القضايا التي أثيرت مؤخرا بخصوص التطور الملحوظ الذي يعرفه التدوين في المغرب أو في العديد من الأقطار العربية بالخصوص وهو أن العديد من كتابات المدونيين حاولت التمرد على بعض التوابث في الساحة الإعلامية ووصف البعض هذه الكتابات بالتطاول على المقدسات وحاول الآخرون أن يعتبروا القضية تجاوزا للطابوهات التي ظل مسكوتا عنها. لكن في تقيمي الشخصي لهذه الظاهرة وهي أن الكتابات التي قيل أنها مست الطابوهات لم يكن ليكون لها كل هذا الضجيج لولا حملة الإعتقلات التي مست العديد من المدونين وبذلك تكون الجهات التي اتخذت قرار الاعتقال قد صنعت للتدوين رموزه ودفعت به إلى الواجهة قبل أن ينضج. والحديث اليوم عن الترخيص لبعض المواقع لا علاقة له بقضية المسؤولية لأنه إذا تمت مأسسة المدونات أو المواقع فأنها تدخل في مجال القوانين الجاري بها العمل وتفقد طابع الشخصية والانطباعية الذي يمز المدونات. هل التدوين سلطة خامسة؟ التدوين فضاء للتعبير عن الرأي والرأي لن يكون له تأثير على الواقع إلا إذا تبنته فئة واسعة من المجتمع، كما أن التدوين اليوم قد يساعد الباحثين في تحولات المجتمع المغربي كما سيساعد صناع القرار في حالة انتشاره بشكل كبير في تشكيل رؤية عن أهم انشغالات الشباب المغربي وآماله وطموحاته. ولا يمكن اليوم الحديث عن التدوين كسلطة إعلامية في ظل محدودية الولوج إلى هذا الفضاء وقلة المشاركين فيه الأمر الذي يجعله مقتصرا على فئة من الشباب. لكن مما يمكن التنبيه عليه هو أن بعض المفكرين والمثقفين بدؤوا يتخلصون من الأمية المعلوماتية وبدأنا نعثر على آرائهم على شبكة الأنتزنيت وعلى مدوناتهم الأمر الذي لازال رغم ذلك محدودا.