في الوقت الذي سارع فيه العديد ممن يحسبون اليوم على النخبة ، لمباركة التطبيع والدفاع عنه بكل الطرق والسبل، حتى أن بعضهم تجاوز في ترويجه للكيان الصهيوني والدفاع عن التطبيع معه، (تجاوز) ما جاء في بلاغات الديوان الملكي ووزارة الخارجية، التي تحدثت عن تطبيع محدود ووفق شروط معينة، وأمام هذا الجنوح لنخبة اليوم من أساتذة جامعيين وشخصيات سياسية وإعلاميين نحو الكيان الصهيوني ، وفي ظل محاولة فرض الرأي الواحد، عاد العديد من النشطاء للأرشيف لاستجداء آراء ومواقف العديد من الشخصيات التي كانت تغني النقاش فيما مضى وتعبر عن آرائها بكل تجرد منتصرة لمبادئها وقيامها لا غير . ومن بين الشخصيات التي استحضر نشطاء منصات التواصل الاجتماعي مواقفها، اتجاه القضية الفلسطينية، عالم المستقبليات الراحل الدكتور المهدي المنجرة، الذي ما فتئ يعرف بدفاعه عن القضايا العادلة للشعوب وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهو الذي عرف بهجومه الدائم على الصهيونية، في كتاباته ومحاضراته، مبرزا تناقضاتها، وكاشفا لجرائمها في حق الإنسانية . وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي آراء الدكتور المهدي المنجرة ، واضعين مقارنة بينها وبين آراء بعض الشخصيات التي تتصدر المشهد الإعلامي والسياسي اليوم، ومن بينها مقالة للدكتور المنجرة يتحدث فيها عن محورية القضية الفلسطينية بالنسبة للمغاربة والعرب سواء من منطلق قومي عروبي، أو من منطلق إنساني صرف . المقال الذي انتشر على نطاق واسع، كتب فيه المهدي المنجرة قائلا "فباعتباري مغربيا وعربيا ومسلما وإفريقيا، بل باعتباري فقط كائنا إنسانيا، لن أعتبر نفسي أبدا حرا ما دامت فلسطين محتلة، وما دام هؤلاء الناس لم يسترجعوا كرامتهم" . واعتبر المنجرة في مقاله أن الصراع العربي الاسرائيلي "صراعا بين من لهم قوة الحق على أرض فلسطين ومن لهم "حق" القوة في امتلاكها"، (فلسطين) ولكن أيضا بين من لهم الشرعية التاريخية في اختيار الحاكم ومن لهم القوة في اخياره وفرضه واستصدار سلطة القرار من بين يديه" . ويرى المنجرة أن الاشكال يرو حينما يطغى "حق" القوة الذي تفرضه اسرائيل لاحتلال فلسطين على قوة الحق الذي بجانب الفلسطينيين و المتمثل أساسا في "حلم إسرائيل الكبرى" الذي انطلق كمشروع منذ أن قامت الحركة الصهيونية في أوروبا بتكوين مجموعات إرهابية "عشاق صهيون" من أجل إقامة دولة خاصة باليهود على أرض فلسطين الذي يعتبرونها أرض "الدولة التاريخية اليهودية". وحسب المهدي المنجرة فإن هذا الحلم تبلور بجلاء خلال المؤتمر الصهيوني المنعقد سنة 1897 ببازل حول "إقامة دولة يهودية" و بروز الحركة الصهيونية التي تبنت الحركة المسلحة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية مع اعتماد مبدأ فرض "حق القوة" على "قوة الحق"، كما جاء على لسان الحركة: "اليوم الذي نبني فيه كتيبة يهودية واحدة هو اليوم الذي ستقوم فيه دولتنا". منذ بداية القرن 19 قام اليهود بتحديد استراتيجيتهم و صياغة خطط العمل لتحقيق حلمهم الذي انطلق مع "إعلان بلفور" سنة 1917، و قد نجحوا في ذلك، حسب المنجرة، معتمدين على "النظام الدولي الجديد" (صناعة مسيحية يهودية) الذي يعتبره المنجرة "فوضى دولية منظمة" وتمكنهم من السيطرة على المؤسسات المالية و البنكية و الاعلامية و السياسية و باقي الشركات الكبرى بالاضافة الى كون الصهاينة يجيدون و بحرفية عالية قل نظيرها في صنع الأفكار و تسويق البروبكندا". المنجرة كان دائما يحذر من اللوبي الصيوني وقوته و يلح على ضرورة الانتباه و التصدي له بكل قوة و حزم فبقدر ما تخنق الولاياتالمتحدةالأمريكية العالم و تحكم قبضته عليه، يحكم اللوبي الصهيوني قبضته عليها. ومن ثم "لن تجد أي تصريح لرئيس أمريكي يخلو من الالتزام بالدفاع على اسرائيل و حماية أمنها ولا يمكن لأي مرشح أمريكي أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة دون موافقة ومباركة يهودية صهيونية" . و انطلاقا من كل هذه الاعتبارات رفض المنجرة رفضا قاطعا مسلسل السلام العربي الاسرائيلي و الفلسطيني الاسرائيلي و الذي اعتبره خيانة عظمى للقضية الفلسطينية و "مسلسل للاستسلام" و ليس السلام. ويتجلا موقفه هذا من خلال ما صرح به قائلا: "من الناحية العربية، هناك تسلسل في الاستسلام، فمند كامب دايفيد إلى الآن و العالم العربي يعيش خيانة من طرف القيادة العربية. اتفاق كامب دايفيد كان خيانة، مدريد خيانة، أوسلو خيانة…" ، محملا مسؤولية ما يحدث في العالم العربي للحكام و النخب السياسية و المفكرين وكذلك الشعوب. "في اليوم الذي تتساوى فيه حياة أمريكي و حياة إسرائيلي مع حياة أي مواطن من ساكنة العالم الثالث بصفة، و حياة عربي و مسلم بصفة خاصة؛ سنقترب حتما من هذه الكونية التي يتبجحون بها…" إننا نعيش أزمة أخلاقية حقيقية تضاعف من الآثار السيئة لكل أنواع الذل، وهي ناجمة عن الفقر والأمية والمرض وغياب العدالة الاجتماعية الكاملة وخرق حقوق الإنسان. وحين تبلغ هذه العوامل جميعها الحد الخطر فإن مظاهرها تتجلى للعيان ويختل الاشتغال الاجتماعي وتكثر الانفجارات والعصيان المدني والحنق الجماهيري التي تؤدي إلى انفجار النظام. وآنذاك يتعلق الأمر بشرخ في الكرامة، وهذا ما أسميه "انتفاضة". المواقف التي مررها المنجرة في هذا المقال حول القضية الفلسطينية وغير من المواقف في مقالات وحاضرات ولقاءات صحفية أخرى جعلت الكثير من النشطاء يتحسرون على الفارق الشاسع بين نخبة الأمس التي كانت متمسكة بمواقفها مدافعة عن قضايا أمتها، ونخبة اليوم المهرولة إللتطبيع مع الكيان الصهيوني.