كثيرون في مدينة المحمدية الصغيرة قرب الرباط العاصمة من صاروا يعرفون قصة "زهرة العافي " أو كما ينادونها الأطفال (خطافة الصبايا) المرأة ذات القوام الممشوق والتي تهيم على وجهها ليلا ونهارا في دروب هذه المدينة الباردة باكية أحيانا ومناجية نفسها أحيانا أخرى وضاحكة في أحيان كثيرة... "زهرة العافي" قصة امرأة حولتها الأعراف البالية في القبائل المغربية من سيدة ثرية بما ورثته عن الآباء والأجداد إلى امرأة " مجنونة " تهيم بلا ملابس في الشوارع . بالرغم من أن "خطافة الصبايا" تكاد لا تقف أو تجلس في مكان واحد وبالكاد تمنحك إمكانية التعرف على ملامحها كاملة فان قامتها الطويلة وملامح وجهها التي تغطيها قسوة الزمن تشي بجمال فاتن تحدث عنه طويلا من شهد الأيام الأولى لحلولها بهذه المدينة. فقبل خمسة عشرة عاما من الآن وتحديدا بمنطقة سيدي رحال نواحي مدينة مراكش في الجنوب المغربي والتي تضم القبائل السلالية (وهم أشراف من سبط الرسول) كانت "زهرة" البنت الوسط للعائلة ذات النفوذ والجاه قد خرجت من زواج فاشل مع أحد أبناء عمومتها ،ولأن العائلة الشهيرة والغنية التي تملك ألاف الهكتارات والعديد من الضيعات قد اعتبرت طلاق ابنتهم عارا فإنها سارعت من جديد إلى تزويجها لرجل آخر قريب من العائلة سرعان ما هجرته هو الآخر متسببة في غضب إخوتها وترتب عن ذلك خصومة كبيرة بينها وبينهم وهي الخصومة التي ستتحول إلى حرب ضروس بعد أن طالبت "زهرة" بالشئ المحرم على النساء في القبائل السلالية أي بحقها في الإرث الوفير الذي خلفه الاباء والأجداد. الإرث " المحرم على النساء" "زهرة" التي طالبت بحقها في ما ترك الوالد من أراضي وأموال لم تكن تعرف أنها تفجر ملفا ظل طي الكتمان لسنوات طويلة تسيد فيها عرف وتقليد قديم يحرم النساء اللواتي ينتمين إلى العائلات السلاليات من الاستفادة من الإرث وبالمقابل يجبرهن على مباركة ذلك للرجال وفي الوقت الذي توارث فيه الرجال ثروة السلف توارثت فيه نساء هذه القبائل والقرى ذل أعراف وتقاليد بالية رغم فاقة وعوز عدد كثير منهن ممن تزوجن من خارج العائلة ، وقد ساد هذا العرف في المغرب قبل الفتح الإسلامي واستمر إلى الآن، وظل كعرف يمنح للرجال في هذه القبائل السلالية حق تقسيم عائدات الأراضي وحق التصرف والتملك في ارث الأجداد .. ولم يكن ممكنا "لزهرة " أن تخرج عن ذلك وأن تتمرد على عرف تداول بسلام في عدة قبائل سلالية ، ولم يكن سهلا أن يتقبل إخوتها مجاهرتها بطلبها وبتعبئة النساء من حولها وأن تهدد في مرحلة لاحقة باللجوء إلى القضاء بحثا عن حق اغتصب منها عنوة ، فعمد الإخوة إلى ترغيبها قبل أن تتعرض للتعنيف والضرب والعزل ومن تم تقييدها من يديها ورجليها وإنزالها إلى قاع البئر خلال ليلتين متواصلتين ..وهما الليلتين الفاصلتين في حياة " زهرة " حيث صامت عن الكلام والأكل من حينها، ولتغادر بعدها إلى وجهة غير معلومة. المجنونة التي تحب الأطفال يجهل الكثير من سكان مدينة المحمدية المكان الذي تقضي فيه "زهرة" ليلها خاصة في الأيام الباردة في مدينة ساحلية تطل على المتوسط ، ويتم تداول الكثير من القصص عن اعتداءات عدة تعرضت لها في ليل هذه المدينة، وعن رجل السلطة المعروف الذي كان يستضيفها في بيته لأيام عدة قبل أن تعود إلى الشارع. وبالرغم من تعاطف نساء المدينة مع "زهرة" بشكل كبير خاصة حين انتشرت قصتها وقصة عائلتها عن طريق إذاعة محلية فان هداياهن من ملابس ومال وأكل لا تغريها بالحديث معهن أو حتى الاقتراب منهن ، بالمقابل عرف عنها حبها الشديد للأطفال وكم مرة شوهدت وهي تجري خلف طفل أو طفلة بسعادة عارمة غير مبالية بمن حولها حد أن تحولت إلى " البعبع" الذي تخوف به الأمهات أطفالهن ..."فخطافة الأطفال" التي يخافها الأطفال لا تجد سعادتها الحقيقية إلا بينهم في حدائق المدينة ومنتزهاتها ، وقل أن تجد من ينهرها أو يطردها من مكان ما ، وبرغم حملات مطاردة السلطات للمشردين والمشردات في المدينة وإيداعهم في مراكز اجتماعية في الضواحي إلا أن " زهرة" تظل باستمرار هائمة في شوارع المدينة في هدوء وسكينة تكاد لا تلبس ما يكفي لتغطية كل جسدها ..مناجية وباكية وضاحكة. الشارع وطن والصمت لغة بعد أن شاعت قصة "زهرة" عن طريق محامي يعرف عائلتها ومجريات قصتها ورواها كاملة في أحد البرامج الإذاعية تكفلت منظمة حقوقية ونسائية في المدينة بمساعدتها وإعانتها على استرداد حقوقها عن طريق دعوى قضائية ضد إخوتها وضد عرف لا قانونية له . وتحكي إحدى الناشطات الحقوقيات أنها تكفلت بإحضار "زهرة" إلى بيتها ووفرت لها لأكثر من ثلاثة أيام كل ظروف الراحة من حمام ولباس وأكل ومكان للنوم في محاولة لإدماجها مع الناس وإعادة الثقة إليها. الناشطة الحقوقية وعندما أحست أن "زهرة" قد أطمأنت إليها وأنها يمكن أن تتكلم سألتها عن عائلتها ..ابتسمت ابتسامة عريضة وسرحت بعينيها بعيدا وقالت ..عاااائلتي هنااااك ! ومن تم لم تعد تجيب على أي سؤال .؟ وفي الصباح عندما استيقظت الناشطة الحقوقية وتفقدت مكان نوم "زهرة" لم تجدها وبالمقابل وجدت الملابس التي سبق وأن أعطتها لها مرتبة في مكان ما والغرفة في حالة جيدة .. ولم يكن صعبا على الناشطة الحقوقية أن تعثر على "زهرة" فالشارع كان بيتها والصمت ظل لغتها . - - - - - - - - - ** المصدر: وكالة أخبار المرأة