الاستقلال يترك برلمانه مفتوحا حتى حسم أعضاء لجنته التنفيذية والفرفار: الرهان حارق (فيديو)    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    نهضة بركان يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية بعد انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة المغرب الفاسي والوداد الرياضي    الأمير مولاي الحسن يتوج علي الأحرش    معرض الفلاحة بمكناس يستقطب أزيد من مليون زائر    خدمات قنصلية.. تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني    احتجاج أبيض.. أطباء مغاربة يطالبون بحماية الأطقم الصحية في غزة    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    الدرهم يتراجع بنسبة 0,46 في المائة مقابل الأورو    توابل بني ملال تحصد التميز بمعرض الفلاحة    جمباز الجزائر يرفض التنافس في مراكش    الزمالك سبقو نهضة بركان لفينال كأس الكاف    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    لتخفيف الاكتظاظ.. نقل 100 قاصر مغربي من مركز سبتة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    نجوم مغاربة تحت رادار "البارصا"    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    نصف ماراطون جاكرتا للإناث: المغرب يسيطر على منصة التتويج    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني        دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    الدورة 27 من البطولة الاحترافية الأولى :الحسنية تشعل الصراع على اللقب والجيش الملكي يحتج على التحكيم    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية بسبب فلسطين    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأويغور من قوة تفرض الجزية على الصين إلى شعب مشرّد
نشر في الوجدية يوم 09 - 09 - 2009

يسلط هذا التقرير لجريدة السياسي الالكترونية الضوء على قضية الأويغور وصراعهم الطويل والمرير مع السلطات الصينية ..يقول التقرير:
فجأة اكتشف المجتمع الدولي ومن ورائه العالَمان الإسلامي والعربي، أن هناك شعبا منسيا يسمى "الأويغور". وأعاد القمع الوحشي الذي مارسته السلطات الصينية ضدهم في الأحداث الأخيرة، الى الأذهان الصورة القديمة للصين الشيوعية المستبدة، بعد أن توارت هذه الصورة السلبية بفضل المعجزة الاقتصادية الصينية.
قضية الأويغور ليست قضية حديثة، ولكنها قصة طويلة من الكفاح والصراع والقمع بين أمتين متجاورتين مختلفين، بين الصين الحضارة النهرية العريقة، وبين الشعوب التركية والمغولية التي اعتادت الإغارة على الصين الغنية في لحظات الضعف، بل استطاعت احتلال العملاق الصيني في بعض هذه اللحظات، ولكن سُنة التاريخ حسمت الصراع لصالح العملاق الصيني برغم شجاعة الشعوب البدوية التركية والمغولية.
ينتمي الأويغور إلى العرق التركي، ويطلق عليهم أحيانا "الأتراك الشرقيون"، بل إن تركيتهم- بالمفهوم العنصري- أكثر نقاء من "تركيا" الحديثة. وقد أسس الأويغور إمبراطورية عريقة سيطرت على أجزاء واسعة من وسط آسيا، ومنغوليا، وشمال الصين وجنوب روسيا الحالية، إلى أن وصلت في قوتها إلى حد التدخل في الشؤون الداخلية الصينية.
حيث لجأ إليها الصينيون لدعمهم في مواجهة ثورة داخلية، ودفع الصينيون أتاوة أو جزية إلى الأويغوريين، كما تزوج خان الأويغوريين من ابنة إمبراطور الصين. وقد وصلت هذه الإمبراطورية إلى ذروة قوتها بدءا من عام 672 ميلادية وانهارت عام عام 841 م على أيدى أشقائهم القرغيز لتنشطر بعدها إمبراطورية الأويغور إلى ثلاث دول.
وكان أول من اعتنق الإسلام من الأويغور هي دولة "القره خانية" في عام 934 وكان من أشهر عواصمها كاشغر وسمرقند، وأسست هذه الدولة المساجد والمدارس الإسلامية واعتبرت نفسها حاجزا دفاعيا أمام الدولتين الأويغوريتين الأخريين غير المسلمتين. وفي عهدها بدأ الأدب التركي في النهوض، بعد أن حوّل الإسلامُ الأتراكَ الأويغور من أمة بدوية إلى أمه ساعية إلى الحضارة، مثلما فعل من قبل مع العرب والبربر والمجموعات التركية المختلفة.
وقد خضع الأويغور لحكم أولاد عمومتهم المغول بدءا من عام 1209، واكتمل اعتناق كل الأويغور في القرن الخامس عشر على يد خانات ياركند وهى دولة مسلمة.
وقد تشكلت هوية الأمة الأويغورية الحديثة تحت حكم دولة خانات جغتاي التي كانت تعد دولة تركية مغولية، يعتنق أغلب سكانها الإسلام، ويتحدثون التركية الأويغورية وتسيطر على ماعرف باسم تركستان الشرقية أو أيغورستان. إضافة إلى سيطرتها على تركستان الغربية أو آسيا الوسطى التي تضم حاليا الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي.
وفي منتصف القرن الثامن عشر سيطرت إمبراطورية كينج التي أسسها البدو المنشوريين القادمين من شمال شرق الصين على تركستان الشرقية وضمتها إلى الصين. ويقال إن هذا الغزو تسبب في مقتل نحو نصف مليون شخص، ولقد ثار الأويغور 42 مرة على حكم إمبراطورية كينج، ونجحوا بالفعل عقب ثورة 1864 في تأسيس مملكة أيغورية مستقلة في كاشغر، أطلقوا عليها "مملكة المدن السبع".
واعترفت كل من الدولة العثمانية، وروسيا القيصرية وبريطانيا العظمى بالدولة الوليدة، إلا أن الصين تحت حكم إمبراطورية "كينج" سارعت بإرسال جيش كبير لإعادة السيطرة على تركستان الشرقية يحفزها الخوف من توسع روسيا القيصرية في الإقليم، وبدعم من بريطانيا التي قدمت للجيش الإمبراطوري قروضا عبر فروع بنوكها في هونج كونج (رغم أنها اعترفت بالمملكة الوليدة )، ألحقت تركستان الشرقية بالصين وأطلق عليها "الإقليم الجديد"، سينكيانج.
وفي عام 1920 وبتأثير البلاشفة الروس أصبحت القومية الأويغورية تشكل تهديدا للسيادة الصينية، ومثلما فعل الاستعمار في الدول العربية قد سعى الروس إلى تشجيع الفصل القومي التعسفي بين الأويغور الخاضعين للصين، والأوزبك الخاضعين للروس، كما شجعوا على التمييز والفرقة بين المتحدثين الأغلبية السنية ذات الثقافة التركية، وبين الأقليات الفارسية الشيعية رغم هيمنة الثقافة الأوزبكية على الجميع.
كل ذلك جرى في إطار تنافس ولعبة بين الأمم الكبرى، روسيا والصين وبريطانيا العظمى على حساب شعوب آسيا الوسطى، التي كانت كلها شعوبا تنتمى لأصل تركي واحد، وتتحدث لغات مشابهة جدا، وخضعت أغلب فترات التاريخ لحكم واحد. كما أن نمط معيشتها وثقافتها متشابه جدا، فضلا عن أنها كانت تجابه تحديات واحدة، ولكن مؤامرات الدول الكبرى انتهت بتفتيتها وإخضاعها لسيطرتها.(قارن ذلك بالتاريخ العربي).
وخضعت سنيكيانج أو تركستان الشرقية لأحد زعماء الحرب الجمهوريين في الصين (الكومانتنج) الذين أنهوا الحكم الإمبراطوري، حيث شجع هذا الزعيم على الفصل بين الثقافة الأويغورية والثقافات المجاورة في آسيا الوسطى. وقام الأويغوريين بهبّات متعددة ضد الحكم الصيني، أثناء سيطرة "الكومنتانج. وأقاموا جمهوريتين خلال الثلاثينيات والأربعينيات تحت اسم جمهورية تركستان الشرقية. وذلك بدعم (الثورة الثانية) من الزعيم السوفيتي الشهير جوزيف ستالين، فيما كانت الدولة الصينية منشغلة في التصدي للغزو الياباني، ولم تعترف قط بهاتين الجمهوريتين.
وبعد هزيمة القوميين الصينيين في الحرب الأهلية في عام 1949 لصالح الشيوعيين، وافق قادة جمهورية تركستان الشرقية على التفاوض مع الشيوعيين الماويين لتأسيس تحالف أو رابطة كونفيدرالية بين الصين وبين جمهورية تركستان الشرقية، على أساس القومية الأويغورية، وعلى أساس أن هناك حكما سوفيتيا في الإقليم، ولكن الطائرة التي تحمل قادة جمهورية تركستان الشرقية قتلوا في حادث طائرة (كاذبة وملفقة) وهو متوجهون إلى بكين للتفاوض جول المعاهد.
وقد نُظر إلى الحادث بأنه مؤامرة من قبل الماويين لمنع قيام علاقة متكافئة مع بكين، وسرعان ما أعقب الحادث غزو من قبل الجيش الصيني مكتسحا بقايا القوات المؤيدة للكومانتنج بالإقليم، وكذلك المجموعات الإثنية المعادية لسيطرة قومية "الهان" الرئيسية في الصين.
ثم استسلمت بقايا جمهورية تركستان الشرقية، ووافق قائدها على تحويلها إلى منطقة للحكم الذاتي تحت الاسم الصيني سينيكيانج، وأصبح هذا القائد هو المسؤول الأول في الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة، بينما هاجر أغلب قادة الحركة القومية الأويغورية إلى تركيا والغرب، لينتهى الحلم الأويغوري، ولو إلى حين. وتم حظر اسم تركستان الشرقية، واعتبر علمها علما غير شرعي.
وقد أعقب سيطرة الصين على تركستان الشرقية سياسة ممنهجة لتهجير أفراد من قومية الهان المهيمنة على الصين إلى ذلك الإقليم، مما أدى إلى تزايد نسبتهم من 6 % عام 1949 إلى نحو 40 % عام 2000، مقابل 45 % للأيغور، أي أن تعداد الأويغور أصبح أقل من النصف في بلادهم.
واعتمدت الصين، مثلها مثل كل مستعمِر، على تأسيس مستوطنات شبه عسكرية في المناطق الغنية بالمعادن. وبالطبع فإن سياسة الاستيطان القديمة تعتبر أكبر أسباب التوتر، فبرغم أن الأويغور يتمتعون بقدر من الحقوق الدينية والثقافية(كان قديما، اما فلا)، إلا أن التوتر الناجم عن الاحتكاك بين المستوطنين الصينيين، وبين السكان الأصليين كان السبب الرئيسي في اندلاع الأحداث الأخيرة.
وتبدو أزمة الأويغور أزمة غير قابلة للحل، برغم الاهتمام الأخير الذي أبدته وسائل الإعلام الدولية مؤخرا بهم. فالأويغور جزء من أكبر دولة في العالم، وهى عملاق صاعد يتقدم ليحتل مكانة كأكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم. وبالتالي أقصي ما يمكن أن يقدمه الغرب للأيغوريين أن يستخدمهم كأداة لإزعاج ومشاكسة العملاق الصيني للضغط عليه، وتشويه صورته والوقيعة بينه وبين العالم الإسلامي.
لكن يستحيل عمليا على الأويغور الحصول على الاستقلال في غفلة من الزمن، مثلما حدث مع الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي. فعلى عكس الاتحاد السوفييتي، فإن الصين دولة شديدة المركزية برغم ضخامتها. ويشكل عرق "الهان" أكثر من نسبة 90 % من سكانها، مما يجعل التهديد الذي تشكله الأقليات محدودا بصفة عامة، ويمكن القضاء عليه بل وسحقه بسهولة، عكس الاتحاد السوفييتي الذي كان نسبة الروس فيه تدور حول النصف فقط، وبالتالي كانت الأقليات تشكل نسبة كبيرة تمثل ضغطا على الدولة السوفييتية، وتحتاج إلى قدر كبير من الجهد والقمع لدرئها عن الانفصال.
أما العملاق البشري الصيني الذي يزيد عدد سكانه عن مليار و300 مليون نسمة، فهو يستطيع إذا تدهورت الأحوال أن يجند جيشا يعادل في تعداده إجمالي عدد الأويغور البالغ عددهم نحو ثمانية ملايين ونصف المليون نسمة ( 25 مليون لدى التركستانيين). كما أن الأزمة أعادت الخطاب الصيني الرسمي الى ماضيه الدموي، إذ لم يتورع المسؤولون الصينيون عن توعد مثيري الشغب، ولم يأبهوا بصورة بلادهم أمام الرأي الغربي، أو احتجاجات منظمات حقوق الإنسان، أو مظاهرات تركيا اليتيمة.
كما أن الافتراض القائل بأن الصين يمكن أن ترتدع عن سحق أية هبة للأيغوريين تحسبا لعدم إغضاب الغرب والعالم الإسلامي، أمر غير حقيقي. فالصين بشعورها القومى الحاد لن تجامل أحدا على حساب وحدتها، كما أن هناك حدودا لقدرة الغرب على الضغط على الصين، فهي ليست إيران، أو كوبا، أو كوريا الشمالية.
كما أن الصين قادرة على تسخين ملفات عديدة، مثل الملف النووي الإيراني، أو الكوري. الأهم أن الغرب لا يمتلك الإرادة لممارسة أي ضغط على الصين، خصوصا وأن العنصرية الغربية تظهر في هذه المواقف. فلو أن الأقلية التي تتعرض للاضطهاد هي أقلية مسيحية لاختلف الأمر، وهو ما ظهر في ردود الفعل المتفاوتة للغرب حيال الممارسات السوفييتية القمعية في أواخر العهد الإمبراطوري المنحل، إزاء جمهوريات البلطيق وأذربيجان. حيث تجاهل الغرب القمع السوفييتي للقمع الوحشي للحركة الوطنية الأذربيجانية في عهد ميخائيل جورباتشوف، وأدان الممارسات السوفييتية تجاه جمهوريات البلطيق برغم أنها كانت أقل حدة بكثير.
وقد أخفقت الضغوط الغربية في تحقيق مكاسب جدية للتيبت برغم الشغف الغربي بهذه الحضارة، الذي يفوق بكثير التعاطف المحدود الذي أثارته الأزمة الأخيرة في تركستان الشرقية.
أما العالم الإسلامي والعربي، فإنه مشغول بصراعاته وأزماته الداخلية، وهو في أمس الحاجة لرضا الصين عنه والتي تساهم أحيانا في تنفيس الضغط الغربي عليه، ولم يبق للأيغور سوى شقيقتهم الكبرى تركيا المزهوة بديمقراطيتها وعلمانيتها وإسلاميتها. فهي تبدو أقل دول العالم الإسلامي حاجة الى الصين باقتصادها المنفتح على العالم، وعلاقتها المتوازنة والقوية بالغرب وبروسيا. فهي لا تحتاج سلاحا من بكين، ولا تجري وراء فيتو صيني يحول دون تقديم حكامها إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولا تريد دعما لقرار بوقف الاستيطان في الضفة الغربية.
لذا ليس من الغريب أن تكون تركيا هى الأعلي صوتا في الدفاع عن أشقائها الأويغور، يحفزها موقف سياسي قوي، وروح قومية راسخة ترى في نفسها زعيمة للعالم التركي، وروح دينية باسقة تقدم نفسها كرائدة للإسلام المعتدل.
ولا يبقى للأيغور سوى أن ينفضوا حلم الاستقلال، وأن يعملوا على تحقيق تفاهم تاريخي مع الصين، يتضمن تعزيز الحكم الذاتي، والحريات الثقافية والدينية، والتأكيد على ولائهم الكامل للصين الموحدة والعمل على معالجة ملف المهاجرين الهان من خلال التعايش، والمراهنة على عنصر الزمن الكفيل- في حال حياد السلطات المركزية- بإعادة الأغلبية العددية للإقليم الى صالح الأويغور في ظل استثناء الأقليات من قيد الطفل الواحد، وفي ظل طبيعة المجتمعات الإسلامية التي تميل أكثر من غيرها لزيادة السكان.
وكل ذلك يتطلب وجود تقدم عام في الصين فيما يتعلق بملف الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل متدرج ومرن، لا يهدد وحدة الدولة الصينية ويتواكب مع إنجازاتها الاقتصادية والحضارية المذهلة.
وعلى الأويغور أن ينظروا الى نصف الكوب الممتلئ، فإذا أصبحوا مواطنين صينيين كاملي الحقوق، فإنهم سيكونون على الأقل جزءا من مواطني القوى العظمى القادمة (لا محالة)، وسيصبح الأويغوري المسلم سائحا من الدرجة الأولى، يلقى الاحترام في كل المطارات بما فيها المطارات العربية التي رفضت أن تستقبله لاجئا مضطهَدا.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الإسلام في الصين
د. راغب السرجاني
كثيرة هي الأزمات التي تتعرض لها أمتنا الإسلامية في وقتنا الحاضر، ولا نكاد نُغلِق ملفًا حتى نفتح آخر، بل لعلنا نفتح عشرات الملفات في آنٍ واحد، فالقضية ملتهبة في فلسطين والعراق والسودان والصومال وأفغانستان والشيشان.. وهي كذلك ملتهبة في الصين وفي ألمانيا وفي فرنسا وفي الدنمارك.. قضايانا كثيرة.. وأزماتنا شديدة.. وقد يدفع هذا بعض المسلمين إلى أن يقولوا: اتسع الخرق على الراقع. بمعنى أنه لم يعُدْ هناك أمل في الإصلاح، ولم تعد هناك فرصة للقيام.. وهذا الإحباط في حقيقة الأمر لا معنى له في الإسلام، بل نؤمن أن الله بيده مقاليد السموات والأرض، وأنه لو رأى منا صلاحًا واستقامة لأنزل علينا نصره المبين بالطريقة التي يريد، وفي الوقت الذي يراه. كما أن دراسة التاريخ أثبتتْ لنا أن مع الصبر نصرًا، وأن مع العسر يسرًا، وأن أنوار الفجر لا تأتي إلا بعد أحلك ساعات الليل.
آثرت أن أبدأ بهذه المقدمة لكي لا يتسرب اليأس إلى قلوب المسلمين ونحن نفتح مأساة جديدة من المآسي العديدة التي تتعرض لها أمتنا الآن، وهي مأساة المسلمين في منطقة التركستان الشرقية، وتعرُّض الشعب الإسلامي هناك -وهو المعروف بشعب الأويغور- لاضطهاد عرقي كبير من السلطات الصينية، وليست هذه هي المرة الأولى التي نتحدث فيها عن أزمة المسلمين في الصين، فقد تناولنا مشكلة المسلمين في التبت -وهي إحدى المقاطعات الصينية- في مقال سابق تحت عنوان "قصة التبت"، ويبدو أننا لن نُغلِق هذه الملفات سريعًا؛ لأن المشكلة عميقة الجذور.
جذور القصة
ولكي نفهم القصة بوضوح لا بد من العودة إلى أصولها، ولا بد من البحث في جذورها، ثم لا بد أيضًا من ربط ما يحدث في إقليم التركستان بما حدث في إقليم التبت، وبما يحدث في بقية أقاليم الصين؛ لذلك وجدت أنه من المفيد قبل أن نخوض في قصة الأويغور وعلاقتهم بالتركستان، لا بد من شرح قصة الإسلام في الصين بشكل عام. كما لا بد أن نأخذ فكرة -ولو يسيرة- عن أرض التركستان المجاورة للصين، وعن طبيعة شعبها وأرضها.
التركستان كلمة مكوَّنة من مقطعين وهما "الترك" و"ستان"، وهذا يعني أنها أرض الترك، والأتراك من الشعوب الصفراء أبناء يافث بن نوح عليه السلام، وهم من الشعوب الإسلامية الأصيلة التي دخلت في الإسلام مبكرًا، بل ظهر منهم من حمل الراية الإسلامية وقاد العالم الإسلامي كله في أكثر من مرحلة من مراحل التاريخ.
الخلط بين العثمانيين والأتراك
ويخلط كثير من الناس بين كلمة "الأتراك" وكلمة "العثمانيين"، فيعتقد أنهما مترادفتان، ولكن الحقيقة أن كل العثمانيين أتراك، ولكن العكس ليس صحيحًا؛ فهناك الكثير من الأتراك ليسوا عثمانيين، وما العثمانيون إلا فرع محدود من قبائل الأتراك العظيمة، والتي ظهر منها رموز خالدة في تاريخنا، أمثال ألب أرسلان السلجوقي، وعماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، وأحمد بن طولون، وغيرهم وغيرهم.
فالأتراك هم الشعوب التي تعيش في منطقة وسط آسيا وجبال القوقاز وحول بحر قزوين، وقد هاجر بعضها إلى أماكن بعيدة، كالعثمانيين الذين هاجروا إلى آسيا الصغرى (تركيا الآن)، ولكن الجميع ما زال يحتفظ بجذوره التركية الأصيلة، ولعل هذا يوضِّح لنا تفاعل الشعب التركي -على وجه الخصوص- مع قضية المسلمين في الصين؛ وذلك لاتفاق الجذور العرقية معهم، فضلاً عن العاطفة الإسلامية المتزايدة في تركيا في ظل وجود الزعيم الإسلامي الموفَّق أردوجان.
يُقسِّم المؤرخون أرض الترك إلى قسمين كبيرين هما التركستان الشرقية (وهي الواقعة داخل الأراضي الصينية الآن)، والتركستان الغربية وهي مساحات شاسعة جدًّا من الأرض تضم بين طياتها الآن عدة دول هي كازاخستان وأوزبكستان والتركمنستان وقيرغيزستان وطاجكستان، وأجزاء من أفغانستان، وكذلك أجزاء من إيران، إضافةً إلى الشيشان وداغستان الواقعتيْن تحت الاحتلال الروسي.
دخول الإسلام تركستان
وقد وصل الإسلام قديمًا جدًّا في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما إلى التركستان الغربية، ودخلت هذه الشعوب في دين الله أفواجًا، ومن التركستان الغربية انتقلت قوافل الدعاة والتجار إلى منطقة التركستان الشرقية، وكذلك إلى الصين، ودخل عدد من هؤلاء في الدين الإسلامي.
وفي عهد الخلافة الأموية وصل عدد البَعثات الإسلامية المرسلة إلى الصين إلى 16 بعثة تدعوهم إلى الله، ثم حدث التطور النوعي والنقلة الهائلة عندما وصلت جيوش المسلمين الفاتحين بقيادة القائد المسلم الفذّ قتيبة بن مسلم الباهليّ إلى التركستان الشرقية، ليفتحها بإذن الله، ويدخل عاصمتها كاشغر، وليتعرف أهل البلاد -وهم من الأويغور الأتراك- على الإسلام من قرب، ثم يسارعوا في الدخول إلى دين الله؛ لتصبح منطقة التركستان الشرقية إقليمًا إسلاميًّا خالصًا، وكان هذا الفتح العظيم في سنة 96ه/ 714م في أواخر أيام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
ومن هذا الإقليم المسلم بدأت قوافل الدعاة تتحرك في المنطقة، فدخلت جنوبًا إلى إقليم التبت، وبدأ أهل التبت يتعرفون على الإسلام ويعتنقونه، بل أرسلوا إلى والي خراسان الجرَّاح بن عبد الله في زمن الخليفة الأمويّ العظيم عمر بن عبد العزيز يطلبون إرسال الفقهاء إلى التبت لتعليمهم الإسلام.
ومن إقليم التركستان الشرقية كذلك انتقلت وفود الدعاة إلى الصين؛ مما زاد من عدد المسلمين في داخل الصين، إضافةً إلى 12 بعثة إسلامية أرسلتهم الخلافة العباسية؛ مما أدى إلى تعريف الناس بالإسلام بشكل أكبر.
والجدير بالذكر أنه في هذه المراحل الأولى كان يتعايش المسلمون في المجتمع الصيني أو في التبت مع البوذيين والديانات الأخرى بشكل سلميّ دون مشاكل دينية أو سياسية، كما كان يُحسِن المسلمون في إقليم التركستان الشرقية إلى الأعداد الكبيرة من الوثنيين الذين كانوا يعيشون معهم في نفس الإقليم من منطلق القاعدة الإسلامية الأصيلة "لا إكراه في الدين".
إسلام ستوق بغراخان وانتشار الإسلام
وفي سنة 323ه/ 943م حدثت طفرة هائلة في إقليم التركستان الشرقية عندما أسلم "ستوق بغراخان خاقان" زعيم القبيلة القراخانية الأويغورية التركية، وبإسلام هذا الرجل العظيم دخلت في الإسلام أكثر من مائتي ألف عائلة تركية، مما يعني أكثر من مليون إنسان في لحظة واحدة! وهو يُذكِّرنا بموقف الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما أسلمت الأوس بإسلامه.
قويت بذلك دولة التركستان الشرقية جدًّا، وبدأت في الارتقاء الحضاري المتميز، وزاد الأمر قوة في عهد حفيد ستوق، وهو هارون بغراخان، الذي تلقب بشهاب الدولة، وكذلك بظهير الدعوة، وقد أوقف خُمس الأراضي الزراعية لإنشاء المدارس لتعليم الإسلام، وأكثر من ذلك فقد كتب اللغة التركستانية -وكذلك اللهجة الأويغورية- بالحروف العربية، وكان هذا تقدمًا عظيمًا في تمسك أهل التركستان بالإسلام، حيث أصبحت قراءة القرآن والأحاديث النبوية والمراجع الإسلامية متيسرة لهم بشكل أكبر.
وفي سنة 435ه/ 1043م استطاع الأويغوريون إقناع عشرة آلاف عائلة من عائلات القرغيز الأتراك بدخول الإسلام، وكانت إضافةً قوية جدًّا لدولة التركستان، وكانت دولة التركستان في ذلك الوقت تخطب للخليفة العباسي القادر بالله على منابر المساجد، وضربوا العملة باسمه، مع أنه لم يكن له سيطرة فعليَّة على البلاد، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك من منطلق إسلامي، ورغبة في توحيد الصف المسلم.
الاجتياح التتري
ظل الأمر كذلك حتى ابتُلِي العالم بمصيبة كبرى وهي الطاغية المغولي جنكيز خان سنة 603ه/ 1206م، وقد توسع بسرعة رهيبة في البلاد المحيطة، وذلك انطلاقًا من منغوليا، وقد تلقت التركستان الشرقية الصدمة التترية الأولى، وحدثت فيها عدة مذابح، ودخلت بسرعة في سلطان التتار، خاصةً أن العالم الإسلامي بشكل عام كان يعاني من الضعف الشديد.
وعندما مات جنكيز خان حدثت بعض الصراعات بين أتباعه، وانتهى الأمر إلى تقسيم مملكة التتار الواسعة إلى أجزاء عدة، وما يهمنا الآن من هذه الأجزاء جزآن؛ أما الجزء الأول فهو الذي يضم منغوليا والتركستان الشرقية، وكان على رأسه "أريق بوقا"، وهو من أسرة أوكيتاي المغولي، وهذا الجزء يضم دولة التركستان الشرقية بكاملها، وقد تحسنت علاقة التتر بالمسلمين مع مرور الوقت، بل وصل الأمر إلى أن اعتنق أحد زعمائهم وهو "طرما تشيبرين" الإسلام، وبالتالي دخلت أعداد كبيرة من المغول في دين الإسلام، وهو من العجائب في التاريخ حيث يدخل المحتلون القاهرون في دين المستضعفين المهزومين، وهذه عظمة الإسلام وقوة حجته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون! وكان هذا التحول إلى الإسلام في سنة 722ه/ 1322م.
وبالمناسبة فهذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها المغول إلى الإسلام، فقد دخل قبل ذلك أحد زعمائهم الكبار وهو بركة خان إلى الإسلام، وأسلمت معه قبيلته المعروفة بالقبيلة الذهبية، وكانوا يعيشون في منطقة القوقاز في وسط آسيا.
مسلمو الصين وأسرتا قوبيلاي
أما الجزء الثاني الذي له علاقة بقصتنا فهو منطقة الصين، حيث دخلت في حكم قوبيلاي بن تولوي المغولي، الذي جعل عاصمته في مدينة خان باليغ الصينية، والتي صارت بكين بعد ذلك. ومن العجيب أن هذه الدولة كانت تقدِّر المسلمين جدًّا وتحترمهم، مع أن جيوش التتار ذبحت قبل ذلك ملايين المسلمين في البلاد الإسلامية، لكن أسرة قوبيلاي في الصين كانت تتعامل مع المسلمين الصينيين أرقى معاملة لما تميزوا به من الكفاءة والأمانة وحسن الأخلاق والقدرة على الإدارة؛ مما دفع أسرة قوبيلاي إلى استخدام المسلمين في الولايات العامة وفي المناصب الكبرى، ولم يكن بالضرورة أن يستخدموا المسلمين من أبناء الصين، بل كانوا يستعملون أيضًا المسلمين القادمين من التركستان الشرقية أو الغربية، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن القادة المسلمين كانوا يحكمون 8 ولايات من أصل 12 ولاية تتكون منها الصين آنذاك! ومن أشهر المسلمين نفوذًا في هذه الحقبة "شمس الدين عمر" الذي ترقى من كونه ضابطًا بالجيش المغولي الحاكم للصين إلى حاكم عسكري لمدينة تاي يوان، ثم مدينة بنيانغ، ثم صار قاضيًا في مدينة بكين، ثم حاكمًا لمدينة بكين العاصمة! وقد اهتم هذا الحاكم المسلم بإنشاء عدد كبير من المدارس والمعاهد الدينية في الصين، ولعل أكثر المساجد الموجودة الآن في الصين قد أسِّست في "العهد المغولي"، وذلك في ظل المكانة المرموقة التي كان يتمتع بها المسلمون.
ظلت أسرة قوبيلاي المغولية تحكم الصين حتى سنة 770ه/ 1368م حين سقطت هذه الأسرة على يد أسرة صينية شهيرة هي "أسرة منغ"، والذي امتد نفوذها خارج الصين ليصل إلى تركستان الشرقية، التي كانت في حوزة المغول من أسرة أوكيتاي.
وعلى الرغم من التغير الاستراتيجي الكبير الذي حدث بانتقال الحكم من المغول إلى الصينيين إلا أن وضع المسلمين في دولة الصين، وكذلك في دولة التركستان الشرقية ظل متميزًا؛ حيث سارت أسرة منغ على نفس طريق أسرة قوبيلاي المغولية، وقدَّموا المسلمين البارزين علميًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا إلى المراكز المرموقة في الدولة، وظل هذا الوضع إلى سنة 1052ه/ 1642م.
اضطهاد المسلمين في عهد المانشوريين
لكن في سنة 1052ه/ 1642م سقطت دولة منغ لتقوم مكانها دولة صينية جديدة تحت قيادة عائلة مانشو Manchu، وهي المعروفة بالأسرة المانشورية، لتمارس أسلوبًا جديدًا في التعامل مع المسلمين، وهو أسلوب الصدام والصراع؛ فقد خشي المانشوريون من نفوذ المسلمين، فبدءوا في اضطهادهم وقمعهم، وزاد الأمر خطورة عند اكتشاف محاولة لإعادة أحد أمراء أسرة منغ إلى الحكم بمساعدة المسلمين، وذلك في سنة 1058ه/ 1648م؛ مما أدى إلى تصعيد خطير من الأسرة المانشورية، وقامت بقتل خمسة آلاف مسلم، وامتد هذا التوتر وبشكل أكبر إلى ولاية كانسو، وهي إحدى الولايات القريبة من التركستان الشرقية، والتي تتميز بكثرة إسلامية.
حاولت أسرة مانشو عدة مرات أن تحتل إقليم التركستان الشرقية، الذي عاد إسلاميًّا صِرفًا بعد إسلام المغول، ليضم بين جنباته المسلمين من المغول والأويغور الأتراك، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل في البداية، إلى أن نجحت الأسرة المانشورية في احتلال التركستان الشرقية سنة 1172ه/ 1759م، وقد دام هذا الاحتلال عدة عشرات من السنين، ولكن تحرر لفترة قصيرة ليقيم الأتراك حكمًا إسلاميًّا هناك لمدة 13 سنة، ولكن سقط مجددًا تحت الاحتلال الصيني، وذلك بمساعدة الإنجليز، وهذا في سنة 1292ه/ 1876م، وقد قامت الأسرة المانشورية فورًا بتغيير اسم التركستان الشرقية إلى إقليم "سنكيانج" أي المقاطعة الجديدة؛ في محاولةٍ لطمس الهوية الإسلامية، ومحو التاريخ العربي لهذا الإقليم.
ولقد قامت الأسرة المانشورية بإجراءات قمعية كبيرة جدًّا في إقليم التركستان الشرقية، وعيَّنتْ حاكمًا مسلمًا عميلاً لها على الإقليم كان أشد ضراوةً على السكان من الصينيين أنفسهم، لكنها في نفس الوقت لم تمارس هذا الضغط بشكل عنيف في الصين نفسها، بل حاولت تهدئة الأمور مع المسلمين، ولكن دون أن تسمح لهم بحرية كبيرة في التعريف بدينهم، ولقد حاول السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله -الخليفة العثماني المشهور- أن يُجرِي علاقات مع المسلمين في الصين، وأرسل لهم عدة بَعثات دينية، ولكن هذه البعثات قوبلت بالمقاومة من الحكومة الصينية؛ مما قلَّص من أعمالها ونتائجها.
الحكم الجمهوري والاعتراف بالمسلمين
ثم سقطت الدولة المانشورية في سنة 1329ه/ 1911م، وساعد المسلمون في سقوطها ليقوم الحكم الجمهوري في الصين، وقد اعترف الحكم الجمهوري في الصين منذ أيامه الأولى بأن المسلمين هم أحد العناصر الرئيسية في دولة الصين، وأن الصين مكوَّنة من خمسة عناصر رئيسية هم الصينيون (وأصولهم قبيلة الهان)، والمانشوريون، والمغول، والمسلمون (ومعظمهم من قبيلة الهوي الصينية)، والتبت. وكان العَلَمُ الصيني مكوَّنًا من خمسة ألوان؛ للدلالة على هذه الأعراق الخمسة، وهي الأحمر والأزرق والأصفر والأبيض والأسود، وكان المسلمون يمثَّلون باللون الأبيض. وهدأت بذلك أوضاع المسلمين كثيرًا في الصين باستثناء التركستان الشرقية التي خشي الجمهوريون من إعطاء مساحة حرية له فينفصلون على الدولة الصينية، ومن ثَمَّ كانت الحرية الدينية للصينيين من قبائل "الهوي" أو المهاجرين، ولكنها ليست للإيجوريين الأتراك في التركستان الشرقية.
استقلال تركستان الشرقية
ثم دخلت الصين في حرب كبيرة جدًّا مع اليابان انتهت بدخول اليابان إلى بكين عاصمة الصين 1325ه/ 1933م، وقام اليابانيون بعِدَّة مذابح ضد الصينيين، لكنهم -في نفس الوقت- أعطوا مساحة حرية كبيرة للمسلمين؛ لإحداث شيء من التوازن في المنطقة. ولقد استغل الأتراك في التركستان الشرقية الفرصة وقاموا بحركة تحرُّر من الصينيين، ونجحوا في ذلك بالفعل، وأعلنوا دولة التركستان الشرقية المسلمة في سنة 1352ه/ 1933م، ولكن بعد عام واحد اتحدتْ الحكومة الجمهورية في الصين مع روسيا ليدخلا معًا إلى التركستان الشرقية ليُعِيدا احتلال التركستان الشرقية لصالح الصين، وذلك في سنة 1353ه/ 1934م، على الرغم من وجود الاحتلال الياباني في الصين، ولقد قام الصينيون بإعدام رئيس دولة التركستان "خوجانياز"، وكذلك رئيس الوزراء "داملا"، إضافةً إلى عشرة آلاف مسلم آخرين.
الاحتلال الشيوعي لتركستان
قامت الحرب العالمية الثانية سنة 1358ه/ 1939م، وانتهت سنة 1364ه/ 1945م، وقد هُزمت فيها اليابان، وبالتالي خرجت من الصين، ولكن قامت في نفس الوقت الثورة الشيوعية في الصين بقيادة "ماو تسي تونج"، وحدثت بعض التداعيات المؤثِّرة؛ فقد انسحب الجمهوريون الذين كانوا يحكمون الصين أمام الشيوعيين الجدد، وتوجّهوا إلى تايوان واستقلوا بها عن الصين، وتلقوا الدعم الكامل من العالم الغربي، وأيضًا حاول الروس التوسُّع في إقليم التركستان الشرقية على حساب الصين، وتحالفوا مع بعض القوى الإسلامية هناك، وسيطروا بالفعل على شمال إقليم التركستان الشرقية، إلا أن ماو تسي تونج دخل بقواته التركستان الشرقية في سنة 1369ه/ 1949م؛ لينهي بشكل قاطع كل المحاولات الإسلامية أو الروسية، وليضم إقليم التركستان الشرقية أو ما يسمونه بإقليم سنكيانج إلى الصين.
هذه هي قصة الإسلام في الصين في القرون الماضية، وقد وصل الشيوعيون بكل جبروتهم إلى الحكم هناك، وكان لهم وسائل كثيرة لتثبيت أقدامهم في الدولة، خاصةً في الإقليم المسلم إقليم التركستان الشرقية.
تُرى ما هي وسائل الشيوعيين في طمس الهويَّة الإسلامية في إقليم التركستان؟ وماذا فعلوا مع الأويغوريين الأتراك سكان هذا الإقليم الكبير؟ ولماذا تتمسك الصين بهذا الإقليم إلى هذه الدرجة؟ وماذا فعل الأويغوريون للخلاص من هذا الاحتلال البغيض؟ وما هو دورنا كمسلمين في هذه القضية الخطيرة؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله في المقال القادم.
وأسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
خلال مواجهات مع الهان في غرب الصين
زعيمة الأويغور المسلمين بالصين تؤكد فقد عشرة آلاف شخص
قالت ربيعة قدير زعيمة المنشقين الاويغور في المنفى الاربعاء 29-7-2009 في طوكيو ان "قرابة عشرة آلاف شخص اختفوا في ليلة واحدة في ارومتشي" خلال الاضطرابات الاتنية التي وقعت في شمال غرب الصين مطلع يوليو.
وتساءلت المعارضة الصينية باللغة الاويغورية وبمساعدة مترجمة، في مؤتمر صحافي في اليوم الثاني لزيارتها الى اليابان "قرابة عشرة آلاف شخص في ارومتشي اختفوا في ليلة واحدة. اين ذهبوا؟ اذا قتلوا فاين جثثهم؟".
وفي الخامس من يوليو وقعت مواجهات عنيفة بين الاويغور المسلمين الناطقين بالتركية واتنية الهان التي تشكل الغالبية في الصين، في ارومتشي عاصمة اقليم شينجيانغ الصيني الذي يتمتع بحكم ذاتي.
وقد اوقعت الاضطرابات 197 قتيلا بحسب مسؤول صيني فيما يشير المؤتمر العالمي الاويغوري بزعامة قدير من جهته الى آلاف القتلى.
واتهمت قدير (62 عاما) التي تعيش في المنفى في الولايات المتحدة وتدير المؤتمر العالمي الاويغوري الذي يتخذ من ميونيخ مقرا له "الحكومة الصينية بمحاولة سحق الشعب الاويغوري".
وتتهم بكين هذه المنظمة بتدبير الاضطرابات وتصف التمرد بانه "اجرامي".
وقالت ان "المسؤولية تتحملها السلطات التي حولت تظاهرة كانت سلمية في بدايتها الى اعمال شغب عنيفة".
واضافت ان "مهاجمة تظاهرة في نظر الاويغور يعني انتحارا".
ودعت الاسرة الدولية الى "ارسال بعثة مستقلة للتحقيق لالقاء الضوء على ما حدث".
وقالت "اذا كانت الصين تقول ان كل ما حدث يتحمل مسؤوليته الاويغور فلتفتح المنطقة ولتقل للجنة التحقيق ما حدث فعلا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.