يعاني العالم بأسره اليوم من تبعات وعواقب وخيمة نتيجة انتشار هذا الوباء المسمى وباء كورونا ، وقد تضاربت التحليلات والنتائج حول طبيعة هذا الذي حل بالعالم، أهو من صنع البشر؟ أم من افرازات الطبيعة ؟ لا أحد اليوم يعرف، أو لا أحد اليوم يصرح علانية بالجواب المقنع حول سبب ظهوره. وأيا يكن الجواب، فإنه من المنظور العقدي الإسلامي، لا شيء يحدث في هذا الكون مهما كان دقيقا، إلا بأمر الله عز وجل، الفاعل الحقيقي والمتصرف المطلق في الخلق كله، قال تعالى : ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾)الأنعام . 59( . قال أبو جعفر الطبري: ” وعند الله علم ما غابَ عنكم، أيها الناس، مما لا تعلمونه ولن تعلموه مما استأثرَ بعلمه نفسَه, ويعلم أيضًا مع ذلك جميع ما يعلمه جميعُكم, لا يخفى عليه شيء, لأنه لا شيءَ إلا ما يخفى عن الناس أو ما لا يخفى عليهم. فأخبر الله تعالى ذكره أن عنده علم كل شيء كان ويكون، وما هو كائن مما لم يكن بعد, وذلك هو الغيب … ولا تسقط ورقةٌ في الصحاري والبراري، ولا في الأمصار والقرى، إلا الله يعلمها … ولا شيء أيضًا مما هو موجود، أو ممّا سيوجد ولم يوجد بعد, إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ، مكتوبٌ ذلك فيه، ومرسوم عددُه ومبلغه، والوقت الذي يوجد فيه، والحالُ التي يفنى فيها. ” . وقد أفرزت ظاهرة انتشار وباء كورونا نتائج مختلفة لا تخطئها عين، على مختلف المستويات والصعد، فقد أثرت على حياة الناس اجتماعيا واقتصاديا وأثرت في العلاقات السياسية بين الدول، وأصبحت تهدد الأمن والسلام العالميين، عبر هذا التراشق بين الدول الكبرى بخصوص تحميل كل طرف المسؤولية للطرف الآخر عن هذه الجائحة. وعلى المستوى الفكري العقدي، فقد ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي سجالات، ونقاشات كلامية ساخنة، بين من يتبنى الطرح العقلاني العلمي المحض، وبين من يدعوا إلى الاستمداد من النقل واعمال العقل، عبر الاسترشاد بما جاء في النصوص القرآنية والحديثية الصحيحة، مما له علاقة بسبل مواجهة الأوبئة والأمراض الفتاكة، ووسائل وقف انتشار العدوى بين الناس. والملاحظ أن نصوص القرآن قلما تعارض أو تستهدف، وإن كان يتم تجاهلها من الطرف الداعي إلى اعتماد العقل دون غيره، تأسيا بما يراه عند المجتمعات الغربية التي أغلقت أبواب الكنائس في أكثرها، وتركت الدين في الأديرة ودور العبادة، باعتباره مجرد عبئ على الناس، ولا يعدوا كونه مرحلة من مراحل التطور التاريخية التي عرفتها البشرية. أما النصوص الحديثية، وإن صحَّت فإنها تتعرض للتشكيك، و الرد بكل جراءة ووقاحة، بل يصل الأمر حد الهمز والسخرية منها، وما ذلك إلا بسبب الغرور أو بسبب معادات من يذكرها ويستشهد بها أو بسبب بعض الأخطاء المنهجية التي يقع فيها بعض من يستشهد بها ويحاول تنزيلها على الواقع بما لا يتناسب مع سياقاتها الدلالية. ومن النصوص الحديثية الصحيحة، التي تتعرض لمثل هذا، نذكر منها ما يلي: 1) أبي سعيد الخدري قال: ” جاء رجل فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اسقه عسلا”، فسقاه ثم جاءه، فقال: إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ذلك ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: اسقه عسلا، فسقاه فبرئ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صدق الله، وكذب بطن أخيك” . 2) عن أنس رضي الله عنه ” أن ناسا اجتووا في المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعيه يعني الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها فلحقوا براعيه فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم… ” . 3) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في الحَبَّةِ السوْدَاءِ شِفَاءٌ من كل دَاءٍ إلاَّ السَّام» . وهذه الأحاديث صحيحة، ثابتة في الصحاح، لكن ذلك لم يشفع لها عند من ينكرها أو يردها أو يثير حولها الشبهات. إن من الجائز الانكار على الناس في آرائهم واجتهاداتهم، لكن دون التطاول على حديث النبي ، فالحديث الشريف يبقى فوق الجميع، ويحتاج للفهم الدقيق من العلماء المتخصصين، وفي هذا المجال الذي يتحدث فيه النبي عن أمور الطب، لا بد أن تتعاون فرق من العلماء والأطباء وأرباب المختبرات العلمية بغرض التجريب والتنزيل السليم، وإن فشلت التجارب فلا يعني ذلك تكذيب النبي أو رد حديثه الشريف، بل يعني مواصلة البحث العلمي دون كلل او ملل حتى يتوصل إلى النتائج المطلوبة. قد يكون تأخر ظهور لقاح لوباء كورونا اختبارا وتمحيصا ، وتلك سنة من سنن الباري عز وجل، فقد مرَّ قوم بنهر وابتلوا بعدم الشرب منه إلا قليلا، وما جاوزه إلا القلة ، وابتُليَ قوم بتحويل القبلة التي صلوا إليها مدة من الزمن. وعدم قدرة الانسان لحد الآن على اكتشاف لقاح لهذا الوباء قد يكون اختبارا وابتلاء للناس في مدى التزامهم بما يقولونه في ساعات الرخاء من شعارات الانسانية والديموقراطية وحقوق الانسان ألخ. لقد أسفرت هذه الجائحة عن ظهور تأثيرات ونتائج مختلفة، على الحضارات البشرية من الشرق إلى لغرب، واختلفت الأولويات بين القيم الانسانية، و منطق والسوق والربح المادي، وقد أبانت المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، عن قيم التضامن الانساني ، وضربت أروع الأمثلةفي ذلك، عبر مبادرات شجاعة أعطت الأسبقية لحماية أرواح الناس دون تمييز بين المغاربة والأجانب، وعرفت انخراط المجتمع المغربي في حملة تضامن واسعة شملت جميع الشرائح الاجتماعية. لقد أنتج ظهور هذا الوباء تحولات انسانية عميقة، لا شك أن لها تأثيرات مستقبلية على البشر في أنماط العيش ، وانماط التفكير العقلي، وحتى على العلاقات بين الدول.