كل التقارير الإخبارية، التي تناقلتها وسائل الإعلام، نهاية الأسبوع الماضي، والآتية من مقر الأممالمتحدة، تشير إلى أن هذه الأخيرة، وخاصة على مستوى مجلس الأمن، تبدو وكأنها تسارع الزمن من أجل الدفع بقضية الصحراء المغربية نحو التسوية النهائية وطي ملف النزاع الذي طال أمده أكثر من اللازم. هذا ما يستشف من (البرمجة) الجديدة المنسوبة إلى كل من المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي، السيد هورست كوهلر، وإلى الدبلوماسي البريطاني الذي ترأس جانبا من أشغال اجتماع مجلس الأمن، حيث استمع هذا الأخير إلى إحاطة من كوهلر في موضوع زياراته واتصالاته الأخيرة مع الأطراف المعنية بنزاع الصحراء، والتي على إثرها صرح المسؤول البريطاني (جوناثان آلن) بأن كوهلر "سيجري مشاورات مع جميع الأطراف المعنية بشأن الطرق وكل الشكليات المتعلقة باستئناف المفاوضات خلال شهر شتنبر القادم". ومعلوم أن مهمة بعثة (المينورسو) ستنتهي مع نهاية شهر أكتوبر القادم، وذلك بعدما تم تمديد مهمتها لمدة ستة أشهر فقط، عوض سنة كما كان في السنوات الماضية، وهو عنصر آخر يؤكد رغبة المنتظم الدولي في تسريع وتيرة الجهود والمساعي نحو التسوية. وسواء تعلق الأمر بالعنصر الزمني أو بالمعطيات الأخرى، فالواضح أن المغرب أمامه عمل ومهام لا تقبل أي تردد أو تراخٍ ليس فقط بالنظر إلى طبيعة القضية كقضية وطنية ومركزية، ولكن أيضا بالنظر إلى تعدد دسائس ومناورات الخصوم، واستفزازاتهم المكشوفة على الأرض وفي المنتديات الدولية والقارية. ورغم الانتكاسات المتوالية للأطروحة الانفصالية، فإن أصحاب هذه الأطروحة والجهات المدعمة لها، يصرون على ممارسة نوع من العبث، وإطلاق الادعاءات والترهات (السياسية) في مواجهة حقائق الواقع، ونداءات وتوصيات المجتمع الدولي. وهذا ما حصل في المنطقة العازلة (الكركرات وبير لحلو)، وفي إطلاق التهديدات بإشعال المواجهة المسلحة، وإجراء المناورات العسكرية بتأطير جزائري، وفي محاولات التأثير على مؤسسات الاتحاد الإفريقي، وفي المحاولات المستمرة لتعبئة بعض اللوبيات داخل المؤسسات الأوروبية للإضرار بمواقع المغرب ومصالحه وعلاقات الشراكة المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي على المستويين الجماعي والثنائي، إلى غير ذلك من مثل هذه الممارسات التي أضحت لازمة ثابتة في سلوك جماعة البوليساريو والداعمين لخطها الانفصالي. ولذلك كان تصريح المندوب الدائم للمغرب واضحا لما صرح، قبل ثلاثة أيام، بأن "المغرب لا يمكن أن يعيد مفاوضات "منهاست" التي جرت بين المملكة وجبهة البوليساريو الانفصالية بدون أية نتيجة، ونحن لا نريد مضيعة للوقت. وقد كنا جد صرحاء مع المبعوث الأممي بتأكيدنا على أن المفاوضات في غياب الجزائر، كطرف رئيسي، مجرد مضيعة للوقت". وهذه الصراحة لا تعني أبدا بأن المغرب يتهرب أو يرفض الانخراط في المجهودات الأممية من أجل الحل السلمي الذي يرضي الجميع، أو أنه يتنكر لوعوده. فمنذ خطاب ذكرى المسيرة الخضراء ( 2015 )، أكد جلالة الملك بأن "المغرب إذا وعد وفى، قولا وفعلا، ولا يلتزم إلا بما يستطيع الوفاء به"، مستعرضا انخراط المغرب فعليا في الأوراش التي وعد بها، ومنها، تطبيق الجهوية المتقدمة، تمكين السكان من اختيار ممثليهم والمشاركة في المؤسسات بكل حرية، وضع البرنامج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، وضمان الأمن والاستقرار، مذكرا كذلك بأن المغرب، وإيمانا منه بعدالة قضيته الوطنية، "استجاب سنة 2007، لنداء المجموعة الدولية، بتقديم مقترحات للخروج من النفق المسدود بتقديمه مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، التي شهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها". وعلاوة على جدية المغرب، وحرصه على الوفاء بالتزاماته، فإنه ظل يتجاوب مع المحاولات والمبادرات التي تقوم بها الأممالمتحدة عسى أن تؤدي إلى فتح مسار يحترم الشرعية، ويحترم قرارات وتوصيات مجلس الأمن، ويفضي إلى الحل السياسي والسلمي المقبول، لكن، وعلى عكس هذا السلوك المغربي الرصين والمسؤول، فالأطراف الأخرى تصر على عنادها وجمود مواقفها، ونشير هنا بالخصوص إلى: * مواقف الجزائر التي تريد التغطية على دورها، كطرف أساسي في النزاع، بمبررات (إيديولوجية) مزعومة من قبيل شعار (حق الشعوب في تقرير مصيرها)، الذي تستعمله لتبرير دعمها واحتضانها للجماعة الانفصالية. * سلوك البوليساريو الاستفزازي الذي بلغ حد الترامي على أراضي المنطقة العازلة، ومحاولة التحكم في حركة النقل على الحدود المغربية الموريتانية، والذي يحاول، في نفس الوقت، التظاهر بنوع من (التقية) وباحترامه لنداءات الأممالمتحدة والتجاوب معها. وإزاء مثل هذا السلوك، الذي لا يوصل سوى إلى الباب المسدود، وبعد تأكد استحالة تطبيق المقترحات السابقة، كان من حق المغرب أن يعيد إلى الأذهان المبادئ التي ينبني عليها موقفه وتصوره لمعالجة ملف النزاع، معالجة سليمة ومنصفة، وهو ما دققه الخطاب الملكي، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء (السنة الماضية)، ويقوم على أربعة مبادئ، وهي : * أولا، لا لأي حل لقضية الصحراء، خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها. * ثانيا، الاستفادة من الدروس التي أبانت عنها التجارب السابقة، بأن المشكل لا يكمن في الوصول إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه، لذا يتعين على جميع الأطراف التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من أجل إيجاد حل نهائي له . * ثالثا، الالتزام التام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، باعتباره الهيئة الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية. * رابعا، الرفض القاطع لأي تجاوز أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تتم معالجتها من طرف المؤسسات المختصة. وفي الواقع الملموس، وعلى أرض الصحراء المغربية المباركة، هناك حقائق أخرى لا يمكن لأي كان أن ينكرها وأن يتجاهلها. وقبل أسابيع فقط، وفي نطاق جولته (الرسمية) بالمنطقة، قام المبعوث الأممي، السيد هورست كوهلر، بزيارته لمدن الأقاليم الجنوبية، ولا نظن أنه ينكر بأنه، خلال هذه الجولة، تمكن، وبكل حرية، من الاطلاع على حقيقة الوضع بالأقاليم الصحراوية، التي لا تختلف عن المدن والأقاليم المغربية الأخرى إلا من حيث الموقع الجغرافي، وأن المجال كان مفتوحا أمامه ليس فقط للاستماع إلى كل المؤسسات المحلية ومعطياتها عن الأوضاع التنموية والنهضة الاقتصادية والعمرانية، وإنما أيضا لسماع آراء فعاليات المجتمع المدني ومختلف الهيئات ووجهات النظر بشأن واقع وظروف المنطقة. والسؤال الآن هو هل كانت الإحاطة، التي قدمها السيد كوهلر لمجلس الأمن، توفي بالتوضيح اللازم الذي يفيد بأن ساكنة الأقاليم الصحراوية تعيش في وطنها جنبا إلى جنب مع باقي أقاليم المملكة، وأنها تتمتع بكامل حقوقها الديمقراطية. وهل نقلت إحاطة المبعوث الأممي الواقع الحقيقي والثابت لهذه الأقاليم الذي يفيد بأن هؤلاء السكان يعبرون عن إرادتهم واختيارهم عبر المؤسسات التي ينتخبونها بصفة دورية على الصعيد المحلي والجهوي والوطني، هذه كلها عناصر موضوعية قائمة وتجسد مقولة: "المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها"، وبالتالي فإن سكان هذه الأقاليم قد قرروا مصيرهم وأثبتوا خيارهم، وعلى المجتمع الدولي والهيئة الأممية مراعاة ذلك والاقتناع بأن شعار (تقرير المصير) بالنسبة لساكنة الأقاليم الجنوبية لم يعد له أي معنى أو مبرر منذ المسيرة الخضراء التي حررت الأقاليم الجنوبية التي كانت تحت نير الاستعمار الإسباني، وأن مراعاة هذه الحقائق الثابتة هو ما يعطي للبيانات والقرارات الأممية قيمتها ومصداقيتها. وكيفما كان الحال، فإن أجندة (تسريع الوتيرة) المتداولة في أروقة مجلس الأمن، واقتراب موعد تقديم التقرير الجديد عن مهمة المبعوث الأممي، وتاريخ نهاية ولاية المينورسو في 31 أكتوبر المقبل .. كل ذلك يحتم على المغرب الإبقاء على يقظته وتسريع وتيرة عمله وتحركه على الواجهة الدبلوماسية بكل مستوياتها، دفاعا عن مشروعية قضيته الوطنية ومن أجل تعزيز مكاسبه ومواقعه على الساحة القارية والدولية، وجعل فرصة بحث بعض القضايا، كالهجرة والصيد البحري والأمن .. ، مناسبة لتأكيد الأصدقاء والشركاء الأوروبيين على دعمهم الواضح والصريح للحق المغربي.