احتقان داخل مجلس جماعة تارودانت.. مستشارون يستعدون لمقاطعة دورة ماي    برلمانية CDT توضح بخصوص مقال العون القضائي في مجلس المستشارين    بوعشرين معلقا على حكم زيان: تخفيض العقوبة ليس مفرحا.. وكنت أنتظر البراءة    ارتفاع أسعار الذهب بعد تحذير المركزي الأمريكي من الضبابية الاقتصادية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    العمل عن بعد يدخل مدونة الشغل.. مراجعة مرتقبة في شتنبر أو أكتوبر المقبلين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تعزيزا للسيولة.. بورصة الدار البيضاء تستعد لإطلاق سوق جديدة للمشتقات المالية    وزير الدفاع الباكستاني: التوتر مع الهند قد يؤدي إلى حرب نووية    باريس.. أعمال شغب وسيارة تدهس مشجعين عقب تأهل باريس سان جيرمان لنهائي دوري الأبطال (فيديوهات)    إيلون ماسك يستعد لمغادرة منصبه السياسي.. وهذه خسائره المالية المتوقعة    الكرادلة يستأنفون التصويت لاختيار البابا الجديد    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    الوداد يحتفل بعيده ال88 وسط أجواء من الوفاء والانتماء    استئنافية الرباط تُخفض العقوبة السجنية لمحمد زيان    طقس الخميس: أجواء حارة بعدد من الجهات    اعتصام وإضراب إنذاري عن الطعام للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان    بعد الفوز على تونس.. وهبي يؤكد رغبة أشبال الأطلس في حصد اللقب    ديكلان رايس بعد خسارة آرسنال ضد باريس سان جيرمان: "بذلنا قصارى جهدنا.. وسنعود أقوى"    اتفاق مبدئي بين الأطباء الداخليين والمقيمين ووزارة الصحة ينهي الأزمة    الذكرى ال22 لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن: مناسبة لتجديد آصرة التلاحم المكين بين العرش والشعب    العرائش: إحباط محاولة تهريب طنين من مخدر الشيرا    الأميرة للا حسناء تزور بباكو المؤسسة التعليمية 'المجمع التربوي 132–134'    صادرات المغرب من الأفوكادو تثير قلق المزارعين الإسبان ومطالب بتدخل الاتحاد الأوروبي تلوح في الأفق    ماكرون يستقبل الشرع ويسعى لإنهاء العقوبات الأوروبية على سوريا    حكيمي: "نحن فخورون بأنفسنا ونطمح للتتويج بدوري أبطال أوروبا"    كيوسك الخميس | خارطة طريق لإحداث 76 ألف منصب شغل    العرائش: اتهامات بسرقة الكهرباء تلاحق شركة النظافة وسط صمت جماعي مثير    غرق شاب في "رأس الماء" يثير غضبا واسعا وسط لمنع ااسباخة في "ليروشي"    بطولة انجلترا: الإصابة تبعد ماديسون عن توتنهام حتى نهاية الموسم    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    إسرائيل تهدد طهران ب "نموذج غزة"    الوداد يسخر الأموال للإطاحة بالجيش    سان جيرمان يقصي أرسنال ويمر لنهائي رابطة الأبطال    13 قتيلا في الهند جراء قصف باكستاني    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    التهراوي: المنصات الجهوية للمخزون والاحتياطات الأولية ستعزز قدرة المنظومة الصحية على التدخل السريع في حالات الطوارئ    إحباط محاولة جديدة للهجرة السرية على سواحل إقليم الجديدة    المجلس الجماعي للجديدة يصادق على جميع نقاط جدول أعمال دورة ماي 2025    ارتفاع أسهم شركة "تشنغدو" الصينية بعد تفوق مقاتلاتها في اشتباك جوي بين باكستان والهند    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    منتدى التعاون الصيني الإفريقي: كيف أرسى أسس شراكة استراتيجية؟    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكرامة ، الشراكة والحكامة مفاتيح التنمية البشرية المستدامة
نشر في رسالة الأمة يوم 26 - 12 - 2014

تشكل السبعة عشر هدفا من أهداف التنمية البشرية والمائة والتسع والستين غاية من الغايات المرتبطة بها ،التي تصدرت صياغة التقرير الموجز الذي أعده فريق أممي وجرى تعميمه على هامش الدورة 69 للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة ، تعبيرا عن رؤية المجتمع الدولي لبرنامج التنمية لمرحلة ما بعد 2015، وعن حاجته الملحة إلى استخدام جميع مصادر التمويل، العام والخاص، الوطني والدولي،لكسب رهانات التنمية المستدامة وقهر التحديات التي تواجه كونية حقوق الإنسان وكرامته.
ويسطر التقرير على جملة من "العناصر الأساسية" لاستخدامها بمثابة مبادئ توجيهية للعمل في المستقبل،من بينها إلى جانب الكرامة، التي هي أساس مكافحة الفقر وعدم المساواة، و العنصر البشري لضمان إدماج الجميع، ولا سيما النساء والأطفال في المجتمع ، عناصر الرخاء والعدالة والشراكات من أجل التضامن والتعاون الدولي ،في ذات الوقت الذي من المقرر فيه عقد مؤتمر دولي لجمع التبرعات من أجل التنمية خلال شهر يوليوز 2015،وإبرام اتفاقات تسمح بتمويل برنامج التنمية المستدامة والتحضير لاتفاق عالمي بشأن المناخ.
وفي هذا الإطار ساد الغموض والالتباس تصريحات بعض الدول الغربية على هامش دورة الجمعية العامة ، في مقاربتها لإشكالية التنمية البشرية المستدامة بعد سنة 2015 ، التي محورتها حول الدور المركزي للمساعدات الدولية ، فيما شكلت مضامين كلمة جلالة الملك محمد السادس التي ألقاها رئيس الحكومة أمام الجمعية العامة ، نقطة تقاطع قوية بين بلدان القارات الإفريقية والأسيوية والأمريكو –لاتينية ، حول الدور الحاسم للبنيات الاجتماعية والسياسية لكل بلد على حدة في توفير الشروط والمقومات الأساس لتنمية مستدامة على أسس ثابتة وعادلة .
وفي سابقة ، سجلت خطابات الدول حول التنمية نبرة تراجع المنظومة المفاهيمية لفكرة التنمية التي تصدرت مخطط ترومان عام 1949، والذي وضع بخلفية إخماد نيران الحرب الباردة المشتعلة يومها عبر القارات الخمس بين الشرق والغرب ، تم تبشير بلدان الجنوب المتخلف بالتنمية وبإمكانية اللحاق بركب الشمال المتقدم ، عبر منحها معونات غذائية و مساعدات مالية وضمانات قروض وبالتالي تعويق مطالبها القاضية بإقرار نظام اقتصادي عالمي جديد ، كمخرج من دوامة الأزمات التي تؤدي فاتورتها بلدان العالم الثالث على حساب تنميتها واستقرارها الاجتماعي والسياسي.
ولعل في حالة العديد من بلدان العالم الثالث اليوم ، وبعد سنوات طوال من المعونات الغذائية والمساعدات المالية ، ما يدلل اليوم على أوهام تحقيق التنمية عبر سياسات مد اليد استجداء للمعونات الدولية أو طلبا للاستدانة، بحيث لم يعد المجتمع الدولي يتردد في الإقرار بفشل برامج المساعدة التي كانت، ولوقت طويل، تقيس التقدم في مجال مكافحة الفقر بالمبالغ التي أنفقت في تقديم الغذاء والدواء دون نتائج تذكر في مؤشرات تنمية بلدان الجنوب وخاصة بإفريقيا ، التي عانت ولا تزال من التركة الاستعمارية ،وعواقبها في كبح مسار التنمية ونهب خيراتها واستغلال طاقات شعوبها وتخريب بنياتها الثقافية وتلغيم حدودها الجغرافية الطبيعية منها والتاريخية.
وفي هذا السياق، تطرح ضرورة ترجمة وعود الدول المانحة إلى التزامات ، وهذا في الوقت، الذي لا يزال فيه الغرب يصم الأذن ، حول ضرورة مراجعة النظام التجاري والمالي العالمي وتخصيص نسب من ناتجه القومي الخام واقرار رسوم على المعاملات المالية الدولية واتخاذ تدابير اقتصادية ومالية للتخفيف التدريجي من آثار العلاقات غير المتكافئة بين الشمال والجنوب وما تمليه من شروط في علاقات التعاون الدولي وما تفرضه من إجراءات حمائية للأسواق العالمية، وذلك بغاية تمويل سياسات اجتماعية واقتصادية " تستند إلى أولويات واستراتيجيات التنمية الوطنية" في التصدي للتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية"و كذا الاستثمار فيما يضمن ولوج الجميع للخدمات العمومية والاجتماعية.
ويتصدر هذه التدابير، كحصيلة تقييم لما أنجز وتشخيص للعوائق الذاتية منها والموضوعية ، العمل على اعتماد نهج يتأسس على إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية التي تلتزم بإتباع سياسات تنموية وفق أنظمة الحكامة وقواعد المساءلة ومكافحة الفساد، ويسعى إلى إزاحة كل ما يعوق ولوج الدول الأقل تقدما إلى الأسواق العالمية من رسوم ومحاصصة،من خلال رفع الاعتمادات المخصصة للتنمية في القطاعات المتعلقة بتعبئة الموارد الوطنية والاستثمارات الأجنبية المباشرة والتجارة الدولية والتعاون المالي والتقني الدولي من أجل تحقيق التنمية وفتح مفاوضات مع الدول المانحة حول المديونية وخدماتها التي باتت تمتص التوازنات الاقتصادية لهذه الدول وقف مسلسلات خوصصة القطاع العام وبيع مؤسساته في المزادات العلنية.
ذلك أن الأزمة الاقتصادية العالمية كشفت أن التدبير الاقتصادي العالمي لا يمكن أن يقوم على حساب الاقتصاديات الضعيفة، ومن غير المقبول أخلاقيا إلقاء العبء على كاهل من ليسوا مسؤولين كلية عن الأزمة، كما جاء في كلمة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمام الدورة الثالثة لمؤتمر الحكامة السياسية العالمية بالمغرب، علما في هذا الصدد بمسؤولية الشركات المتعددة الجنسيات والأوطان ،التي لا يقر جلها بقواعد السلوك المتواضع عليها دوليا في مجال مراقبة نشاط الشركات العابرة للقارات ، في تلويث الكوكب عبر الصناعات النفطية والكيماوية واستنزاف الثروات المائية، وفي فواتير الأضرار البيئية والمآسي الاجتماعية التي تتحملها العديد من البلدان وشعوبها في الهند وهايتي وباكستان وبقاع أخرى من العالم، بعد أن أصبحت تستثمر في كل شيء بدءا من الماء وانتهاء بالهواء مرورا بالغذاء والصرف الصحي.
لذا تطرح بقوة ضرورة اعتماد إصلاح جذري للآليات العامة للحكامة الكونية وللنظام التجاري والمالي العالمي، وإرساء الأسس لنظام اقتصادي عالمي جديد كمدخل لصياغة بدائل عقلانية للخروج من دوامة الأزمات المركبة والمتناسلة، غذائية ومالية، اقتصادية واجتماعية وأيكلوجية التي يتخبط فيها عالمنا اليوم وضمان الاستقرار السياسي ومبادلات اقتصادية متكافئة ومنصفة وبما يقر بحق الشعوب في التنمية والكرامة الإنسانية.
إصلاح لن يصدر كإملاءات تُفرَض مجددا من فوق ومن الخارج، من قبل لوبيات مصالح ومضاربات وتجار الحروب ودعاة عولمة الرأسمال المتوحش المفتقد لأي حس إنساني أو بعد اجتماعي في نزوعه الشديد لتنميط النماذج في قالب واحد ووحيد، وتخريب التنوع الثقافي والعقائدي وتأجيج الانغلاق الهوياتي، والتحريض على التطرف والتعصب بشتى الأشكال، بل يتعين صياغته بشكل جماعي كإصلاح مصيري وكمسار عضوي سياسي وحضاري، على أساس تحقيق السلام بين شعوب وأمم العالم وضمان الأمن الدولي وإقرار كونية حقوق الإنسان.
ذلك أن مشكلة التنمية بإفريقيا اليوم ، كما جاء في كلمة المغرب أمام الدورة 69 للجمعية ،يجب أن تقاس بما تم تكريسه من تبعية اقتصادية،ومن ضعف الدعم ومصادر التمويل،وانعدام نموذج تنموي مستدام ،ومن ثم،فإن تقديم المساعدة لهذه الدول ليس كرما،وإنما هو ضرورة وواجب،رغم أن ما تحتاجه الشعوب،في حقيقة الأمر،هو التعاون المثمر،على أساس الاحترام المتبادل ،وبالتالي توفير الظروف الملائمة،للانتقال من مرحلة إلى أخرى،في المسارين الديمقراطي والتنموي،دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول،التي عليها في المقابل،الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة.
يتضح من هذا ،أن التنمية البشرية لا تنتهي فقط عند تكوين القدرات الإنسانية في جانبها الاقتصادي فقط ، بل تتعداه إلى مستويات تطوير المعرفة والمهارات، إن لم نقل إنها تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير بضمان الحرية والحق في ممارسة النشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية،حتى تصير التنمية البشرية من تم ، توجها إنسانيا للتنمية الشاملة و المستدامة والمتكاملة، غايتها الأسمى تنمية وتوسيع الخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس وللناس.
الأمر الذي يتجاوز معايير التقارير الدولية حول التنمية البشرية ، والتي تختزل عملية التنمية في مؤشرات ومقاييس ، من قبيل اعتماد مؤشر الدخل الفردي دون الأخذ في الحسبان بمعايير التوزيع غير العادل للدخل ،ومن قبيل إزاحة مؤشرات الأمن والاستقرار السياسي واحترام حقوق الإنسان والبيئة، والتي تدخل في صلب تحقيق التنمية المستدامة .
وعليه، فإن التنمية ليست مسألة أرقام ومعطيات إحصائية، بل قضية مواطنة معترف وملتزم بها، بحيث لا يمكن أن نتصور التنمية إلا إذا كان الناس معتزون بأنفسهم ككائنات بشرية تعيش بكرامة وليست أقل شأنا من أي كان ، أو إلا إذا استرجع الناس اعتزازهم بأنفسهم وكرامتهم في حال فقدانها وتم الاعتراف لهم بحقهم غير القابل للتصرف في تقرير مصيرهم ، كما يقول العالم الهندي ميرنال سن الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.