الأمم المتحدة.. المغرب ينجح في قيادة المفاوضات لاعتماد إعلان الدوحة للتنمية الاجتماعية    تظاهرة حاشدة في لاهاي ضد تجريم الإقامة غير النظامية بهولندا    الملك يهنئ دا سيلفا ب "عيد البرازيل"    تواصل أشغال الربط السككي بميناء الناظور غرب المتوسط ب111 مليون درهم    الفتح الرباطي يدخل الموسم الجديد بطموح المنافسة على الألقاب    بعد جنازة الزفزافي الأب.. منظمة حقوقية تلتمس عفوا ملكيا وتأمل انفراجا في ملف معتقلي الحراك    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    تل أبيب: وقف الحرب مرهون بشروط    الجمارك تحجز باخرتين بالأبقار البرازيلية وتطالب بملياري سنتيم ضريبة    هزائم تدفع رئيس وزراء اليابان للتنحي    طقس الاحد .. زخات رعدية بالريف ومناطق اخرى    توقيف وإحالة ستة أشخاص على خلفية سرقة هواتف في عملية سطو مسلح بفرنسا    إقليم فكيك يتصدر مقاييس الأمطار    المراهق الإيطالي الراحل كارلو أكويتس يصبح أول قديس لجيل الألفية    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    المنتخب الوطني المغربي يصل إلى ندولا استعدادا لمواجهة زامبيا    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    العصبة الاحترافية تفرج عن برنامج الجولتين الأولى والثانية من البطولة الوطنية    منير الحدادي يفاجئ الجميع بتوقيعه لفريق إيراني    أسعار المحروقات تتراجع دوليا وتباع بضعف قيمتها محليا    خط بحري جديد يربط المغرب ببريطانيا وشمال أوروبا    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدين الملاحقات ضد مناضليها وتحذر من تقويض الديمقراطية عشية الانتخابات    متابعة رئيس جماعة سيدي قاسم بتهمة التزوير وإخفاء وثيقة    سلا: توقيف 3 أشخاص وحجز كمية كبيرة من الأقراص المهلوسة والكوكايين    البراهمة: "استمرار اعتقال نشطاء الريف ينص جرحا مفتوحا في مسار العدالة والحقوق بالمغرب"    مهرجان البندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    وفاة سائح مغربي وإصابة زوجته في حادث القطار المائل "غلوريا" بالعاصمة البرتغالية    لهذا حرية ناصر الزفزافي... انتصار لوحدة المغرب وفشل لمناورات الخارج    المغرب.. جدل متصاعد حول التمويل العمومي للأحزاب مع اقتراب انتخابات 2026    فيليز سارسفيلد يحرز لقب كأس السوبر الأرجنتيني بفوزه على سنترال كوردوبا    إصابة سيدتين في حادث سقوط سقف جبصي داخل منزل بطنجة    بنعمر: أشعر بألم الزفزافي فوالدي مات وأنا في المعتقل.. وتعامل النظام مع معتقلي الحراك فيه تعنٌّت غير مسبوق (فيديو)    المهرجان السينمائي الدولي للبندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    للمرة الثانية... "أسطول الصمود" يؤجل إبحاره من تونس في اتجاه غزة    مدينة 'ندولا': أسود الأطلس يصلون إلى ندولا استعدادا لمواجهة زامبيا    فيلم "صوت هند رجب" عن غزة يفوز ب"الأسد الفضي" في مهرجان البندقية    مؤشر "مازي" يرتفع ب0,17 % في بداية شتنبر الجاري    إسرائيل تدمر أبراجا سكنية جديدة في غزة وتدعو لإخلاء المدينة    انخفاض المبيعات العقارية ب21% .. والأسعار ترفض النزول    نمو مطار الحسيمة.. أزيد من 92 ألف مسافر في 8 أشهر    تساؤلات برلمانية حول نجاعة الإنفاق العمومي بقطاع تربية الأحياء البحرية    مهرجان اللوز بآيت تكلا بأزيلال يكرس مكانته كرافعة للتنمية والتراث المحلي    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    انطلاق الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفن التشكيلي بتطوان    في رسالة مصورة: 'إنفانتينو' يصف تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم 2026 بالإنجاز الاستثنائي    بادو الزاكي: الخسارة أمام المغرب "عادية".. فهو أفضل منتخب إفريقي    افتتاح الدورة ال13 للمهرجان الدولي "ملحونيات" بأزمور    ترامب يوقع على قرار يغير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب رسميا    ألمانيا تدشن الحاسوب الفائق "جوبيتر" لتعزيز قدرتها في الذكاء الاصطناعي    ساكنة مدينة الجديدة تخرج لتجديد العهد على نصرة ف.ل.سطين    نقد مقال الريسوني    الصحة العالمية تقرر رفع حالة الطوارئ بخصوص جدري القردة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    موجة جديدة من كوفيد-19 تضرب كاليفورنيا    سبتة تحتضن تقديم وتوقيع كتاب "محادثات سرية حول مدينة طنجة" لعبد الخالق النجمي    لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخليج.. ومصر.. وإيران
نشر في صوت الحرية يوم 01 - 05 - 2011

ليست لدينا معلومات كافية عن النتائج التي تمخضت عنها الجولة الخليجية التي قام بها السيد عصام شرف رئيس وزراء العهد الجديد في مصر، وشملت ثلاث دول هي المملكة العربية السعودية والكويت وقطر، ولكن ما لاحظناه، ومن الممكن أن نتكهن به، من خلال الاستقبال 'المتحفظ'، ان النجاح كان محدودا، بسبب 'توجس' معظم الدول الخليجية من نجاح الثورة المصرية في الاطاحة بنظام الرئيس المصري حسني مبارك، وفشل جميع جهودها في منع محاكمته وأفراد أسرته بتهم الفساد، وإهدار المال العام، وإصدار الأوامر بقتل المحتجين الابرياء العزل في ميدان التحرير، وباقي مدن مصر الأخرى.
سبب آخر لهذا 'الاستقبال الفاتر'، يتلخص في حدوث تغيير جذري في السياسة المصرية تجاه إيران، تمثل أولا في السماح لسفن حربية إيرانية بعبور قناة السويس، في طريقها الى ميناء اللاذقية السوري، وتصريحات وزير الخارجية المصري السيد نبيل العربي الايجابية تجاه اقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع ايران، واللقاء مع وزير خارجيتها على هامش اجتماعات منظمة دول عدم الانحياز.
السيد شرف لم يذهب الى دول الخليج 'متسولا'، وانما لتأمين استثمارات لسد عجز طارئ في اقتصاد بلاده في حدود 12 مليار دولار تراكم بفعل حال الشلل التي أصابت الاقتصاد المصري طوال أسابيع اندلاع الثورة، مما أدى الى ضرب الموسم السياحي، وهروب بعض رؤوس الأموال الأجنبية.
مسعى السيد شرف للتوجه الى الاشقاء في الخليج لإنقاذ اقتصاد بلاده أمر مشروع ومبرر، فاذا كان ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا، ونيكولا ساركوزي رئيس فرنسا، بل والمسؤولون الأمريكيون أنفسهم يتحولون الى مندوبي مبيعات لتسويق منتجاتهم، والبحث عن صفقات تجاربة وعسكرية لإخراج اقتصاد بلادهم من حال الركود التي يعيشها حاليا، فلماذا لا يفعل رئيس وزراء مصر، الشقيقة الكبرى، الشيء نفسه؟
دول الخليج تتلقى عوائد مالية من النفط والغاز ومشتقاتهما في حدود 500 مليار دولار سنويا، وتملك صناديق استثمار سيادية بقيمة ثلاثة تريليونات دولار على الاقل مودعة في دول غربية، و'فراطة' (Peanuts) هذه المبالغ لا تنقذ الاقتصاد المصري وتخلق مئات الآلاف من الوظائف للشباب المصري العاطل فقط، وإنما اقتصاديات جميع الدول العربية وفوقها عدة دول اسلامية أخرى.
من الواضح أن السيد شرف عاد الى مصر من جولته الخليجية بالكثير من الوعود والابتسامات، على طريقة القول الخليجي المأثور 'أبشر'، ونأمل ان نكون مخطئين، فاذا كانت الدول الثلاث التي استقبلته (السعودية والكويت وقطر)، غلفت اعتراضها على السياسة المصرية الجديدة بالحد الأدنى من المجاملات التقليدية، فان دولة الامارات العربية المتحدة اقفلت ابوابها في وجهه بطريقة 'مهذبة' تحت ذريعة انشغال المسؤولين فيها بارتباطات مسبقة، وهذا يعني في العرفين الدبلوماسي وغير الدبلوماسي 'الرفض المقنع'.
اندرو هاموند، مراسل وكالة أنباء 'رويترز' في منطقة الخليج أماط اللثام عن الموقف الخليجي من ثورة مصر في تقرير إخباري بثته وكالته يوم أمس الأول ونقل فيه شعور أحد مساعدي الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، والرجل الأقوى فيها بخيبة الأمل لسقوط نظام الرئيس حسني مبارك، وقوله، أي المسؤول الاماراتي نفسه 'كيف يفعلون هذا به.. كان الأب الروحي للشرق الأوسط.. كان رجلا حكيما قاد المنطقة دوما.. نعم الشعب يريد الديمقراطية ولكن ليس بهذه الطريقة.. هذا أمر مهين'.
' ' '
هذا كلام خطير.. يفتقد الى الكثير من الحصافة والدبلوماسية، وفي الوقت نفسه ربما يخلق مرارة لدى ابناء الشعب المصري في غمرة انشغالهم بترتيب بيتهم من الداخل، ومكافحة الثورة المضادة التي تريد سرقة انجازهم العظيم واعادة عقارب الساعة الى الوراء. وعلينا ان نتصور، لو قيل هذا الكلام أو حتى أقل منه على لسان مسؤول مصري في حق الامارات أو أي دولة خليجية أخرى، فكيف سيكون رد فعلها؟
وليسمح لنا هذا المسؤول ان نختلف معه، فالرئيس مبارك اذا كان قد قاد الشرق الأوسط فعلا، فانه قاده الى الذل والعبودية والضعف.. قاده الى مساندة المشروع الامريكي الاسرائيلي في تدمير العراق وإحداث خلل كبير في الموازين الاستراتيجية في المنطقة.. قاده الى سلام مهين مع الاسرائيليين، ساهم بدور كبير في تصعيد الغطرسة الاسرائيلية وإكمال تهويد القدس المحتلة، والعدوانين الأخيرين على لبنان وقطاع غزة.
هذا 'البرود' الرسمي الخليجي تجاه 'مصر الثورة' يعكس في نظرنا سياسة انتحارية، ستضر بدول الخليج وامنها، اكثر مما تضر بمصر، سواء من حيث التوقيت أو من حيث المضمون. ففي مصر الآن واقع جديد يتمثل في تحرر البلد من 'تبعيته' للخارج، عربيا خليجيا كان أم غربيا، واستعادة الكرامة والسيادة المصرية المهدورة على مدى أربعين عاما. مصر الآن تسير بثقة لتأسيس نظام ديمقراطي وحكم رشيد يقوم على الشفافية والتعددية والحريات والقضاء العادل المستقل.. نظام جديد يمكن أن يؤدي الى مشروع نهضة عربي متكامل وواعد اذا كتب له الاستمرار والاستقرار.
نتفهم قلق الحكومات الخليجية من النوايا، أو بالأحرى الخطر الايراني، ولكننا لا يمكن أن نتفهم غضبها المفتعل والمبالغ فيه من عزم مصر إقامة علاقات دبلوماسية مع طهران لسبب بسيط، وهو ان السفارات الخليجية في العاصمة الايرانية هي الاضخم والافخم من بين جميع السفارات العربية والاجنبية الاخرى.
فاذا كانت الدول الخليجية تعارض العلاقات الدبلوماسية مع ايران، فلماذا لا تكون القدوة، وتضرب لنا مثلا في قرن الاقوال بالافعال، وتقطع علاقاتها التجارية والدبلوماسية كليا مع ايران فورا ودون تردد، ولتعتب أو تغضب في حال اقدام مصر او غيرها على اقامة علاقات مع ايران، أو اجتمع وزير خارجيتها مع نظيره الايراني.
الحكومة المصرية الجديدة قالت أكثر من مرة، ان أمن الخليج 'خط أحمر'، وأكدت على لسان وزير خارجيتها السيد نبيل العربي ان أي علاقات دبلوماسية مع ايران لن تكون على حساب الدول الخليجية.. فما هو المطلوب أكثر من ذلك: أن تعلن مصر الحرب على ايران؟
' ' '
من الغريب ان نرى ايران اكثر ترحيبا من دول الخليج العربية بعودة مصر الى دورها في هذه المنطقة الحساسة من العالم، مع ان عودة مصر الى الخليج يجب ان تكون مصدر قوة للطرف العربي والاهم عامل استقرار لمنطقة تعصف بها التوترات الطائفية والعسكرية.
ومن الاولى بدول الخليج، ومن قبيل مصلحتها الذاتية قبل اي شيء اخر ان تتسابق الان الى ضخ الاستثمارات في مصر الثورة، ودعم الاقتصاد المصري بكل السبل بدلا من دفع 'الاتاوات' بلا جدوى لامريكا واوروبا.
ولا شك ان علاقات مصرية ايرانية طبيعية يمكن ان تشكل شبكة امان سياسية واستراتيجية لدول الخليج. ولتتذكر السعودية والامارات على سبيل المثال انهما هرعتا الى طلب قوات مصرية فور وقوع الاجتياح العراقي للكويت، وان ايران التي كافحت لعقود من اجل تطبيع العلاقات مع مصر نظرا لما تعرفه وتقدره لاهميتها لن تفعل ما يعيد تلك العلاقات الى خانة القطيعة والتوتر.
لقد تغير الزمن واختلفت الحسابات، الا ان البعض في دول الخليج لايزال يعتقد ان أمريكا يمكن ان تغامر بارسال مئات الالاف من جنودها ليكونوا هدفا سهلا للقاعدة وغيرها كما حدث في العراق.
وللاسف ايضا ان دول الخليج تبدو وكأنها اخر من يدرك الاهمية الاقليمية لتغير السياسة الخارجية المصرية رغم انه لا يكاد يمر يوم الا ونسمع فيه تصريحات امريكية او اسرائيلية تعبر عن الزلزال الاستراتيجي الذي احدثته الثورة المصرية في المنطقة.
حكومات دول الخليج التي تشهد نهضة معمارية وادارية يجب ان تتبنى سياسة حداثية بالقدر نفسه، سياسة تتناسب مع القرن الواحد والعشرين، وتنظر الى الامام لا الى الخلف. فمن الخطأ ان تكون بوصلة التحركات الدبلوماسية لهذه الدولة ممثلة برئيس مخلوع وكيفية تعاطي نظام منبثق من رحم ثورة الشعب المصري معه.. رئيس مدان بالفساد والقمع وتهميش دور بلاده وترك عصابات رجال الأعمال تنهب ثرواتها.
العلاقات بين الدول لا تتمحور حول أشخاص، ناهيك اذا كانوا فاسدين، منبوذين من شعوبهم، بل حول المصالح الاستراتيجية المشتركة، فمصير الرئيس المخلوع بات مسألة مصرية داخلية بحتة، ومن الخطأ محاولة التأثير على سير تعاطي العدالة معها وفق المعايير القانونية النموذجية التي نراها حاليا.
ترتكب حكومات دول الخليج كارثة أخرى اذا حاولت ان تعادي مصر بعدم هروعها لنجدتها اقتصاديا في مثل هذا الوقت الحرج، وعليها في الوقت نفسه أن تدرك ان عجلة التغيير في مصر انطلقت وبسرعة، وان عقارب الساعة لن تعود الى الوراء.. القيادة ستعود الى مصر الثورة... والمارد المصري كسر قمقم الفساد والتبعية، والحكيم هو من ضبط ساعته وتحركاته وفق هذه الحقيقة الناصعة الوضوح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.