إسبانيا توقف تصدير الأبقار الحية إلى المغرب    12 قتيلا و2983 جريحا في حوادث السير    دار الشعر بتطوان تستضيف الدورة العاشرة من ملتقى الشعر العربي    الأنثروبولوجيا الإعلامية ودورها في فهم الصحافة في العصر الحديث    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الدنماركي سوروب مدربا للأهلي المصري    المناظرة الوطنية حول الإشهار ترفع رهان السيادة ومواجهة المنصات العالمية    بعد أيام من الإعفاءات والتوقيفات.. وفاة جديدة لحامل بمستشفى أكادير ووزارة الصحة تفتح تحقيقا    تأكيد تعيين سفير أمريكا في المغرب    "جيل زد" تعلق الاحتجاجات يوم الجمعة    انطلاق موسم التكوين للصناعة التقليدية    بنكيران يتبرأ من أفتاتي بعد التوقيع على رسالة موجهة للملك ويدعو لعدم الانخراط في أي مبادرة مماثلة    مونديال الشباب: المنتخب المغربي ينهي تحضيراته تأهبا لمواجهة كوريا الجنوبية في ثمن النهائي    رونالدو أول ملياردير في عالم كرة القدم    إحداث أكثر من 72 ألف مقاولة في المغرب خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025    القطاع البنكي يقود نمو أرباح الشركات داخل البورصة خلال النصف الأول من 2025    المكتب الوطني للمطارات يسرع وتيرة التحول الرقمي لمطارات المملكة    إسرائيل تختطف سفن «أسطول الحرية» المتجهة إلى غزة اليوم وتعتقل 150 ناشطا    محامي: غالي وبن ضراوي يخوضان إضرابا عن الطعام وإجراءات ترحيلهما جارية    القاهرة تستضيف مباراة السوبر الإفريقي بين نهضة بركان وبيراميدز    الركراكي يوجه الدعوة لأنس باش لمباراتي البحرين والكونغو    ثلاثة باحثين بينهم الأردني، من أصل فلسطيني، عمر ياغي يفوزون بنوبل الكيمياء    ابتداء من يومه الخميس وإلى غاية يوم الأحد الجديدة تحتضن الدورة 14 من مهرجان «الأيام السينمائية لدكالة»    إسني ن ورغ 16 بأكادير: تاج ذهبي جديد يتوج إبداع السينما الأمازيغية والعالمية    فاجعة مروعة بالحسيمة : مختل عقلي يصب البنزين على الفنان «سوليت» ويضرم فيه النار        أتلتيكو مدريد يعيّن ماتيو أليماني مديرا لكرة القدم    رسميا.. أهلي بنغازي يعلن التعاقد مع يحيى جبران    تشخيص وضعية قطاع الصحة كشف أوجه قصور استدعت إصلاحا هيكليا (التهراوي)    "حكومة شعبية" وحسابات سياسية    مؤسسة وسيط المملكة تطلق مبادرة خاصة بالتنظيمات الشبابية الحزبية ضمن برنامج "منتديات الحكامة المرفقية"    انطلاق الدورة الخامسة للمعرض المغاربي للكتاب "آداب مغاربية"    ولد الرشيد يستقبل مديري وأصحاب المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية ورؤساء جمعيات الآباء في حوار جاد ومفتوح    انتحال صفة شرطيين يوقف شخصين بطنجة                أول ظهور لباسم يوسف على الشاشات المصرية بعد 11 عاما    الحجمري: الترجمة ضمن الاستشراق أداة لمساءلة الحاضر واستشراف المستقبل    أردني من أصل فلسطيني وياباني وبريطاني يفوزون بنوبل الكيمياء    الجامعة الوطنية للتعليم بالحسيمة تحمّل المديرية الإقليمية مسؤولية ارتباك الدخول المدرسي    "سبيس إكس" تطلق 28 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    وزير الصحة: مديرية الأدوية تعرف اختلالات تدبيرية وأخلاقية والتلاعب بالصفقات إشكالية كبيرة    براهمة: غالي وبن ضراوي لا يزالان في حالة اختطاف ومصيرهما مجهول حتى الآن    استمرار احتجاز إسرائيل لنشطاء مغاربة يصل إلى البرلمان.. ومطالب لبوريطة بتدخل عاجل    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    "فيفا": أكثر من مليون شخص يتقدمون لبرنامج المتطوعين الخاص ب"مونديال" 2026    مارين لوبان تنتقد خطة ماكرون لتشكيل حكومة جديدة: "مسرحية بلا نهاية"    تبادل المعطيات.. توقيع اتفاقية شراكة بين كتابة الدولة المكلفة بالتجارة الخارجية ومكتب الصرف والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي    لماذا لا تكفي إقالة الوزير لإصلاح التعليم في المغرب؟    انتشال جثة من حوض مائي بإقليم سيدي بنور.. نازلة غرق أم بفعل فاعل؟    الياسميني يترجم للفيلسوف "براندوم"    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"قلعة مكونة ليل أوسع من قصيدة شعر

في العتمة تبدو التفاصيل مثل جرح، لا أحد يوقظها، لا أحد يبحث عن نُدب الألم فيها أو تجاعيد الآثار التي يرسمها الزمن. شيء واحد يقترب، يحرّكها فتفيق أو لا تفيق، ثم يتمدد إلى يمينها ويطلق خيوط الرحيل.. شيء واحد اسمه "منتصف الليل".
يمتد السكون، ينشر عباءته التي ينسجها الليل حيث لا شيء يهمد أو تغريه الإغفاءة، فالنبض كله لليل، والليل وحده يُنبت الألم والجوع وحكايات الجنس والذكريات الموجعة..
قالت امرأة عابرة: ما أقسى السجن في معتقل بعساكر وأوجاع، وما أقسى السجن بين وردتين.. وما أعمق الليل هنا في دربٍ تتكدس فيه الحمّى والحلمات وضحكات غنج رخيص.
لكزني مرافقي في الكتف وقال: "أفِقْ قد أفاق العاشقون". وأكملتُ البيت وضحكنا.
فتمايلتِ المرأة العابرة وتكسرت في مشيها وانصرفتْ.
***
ما تزال التلة التي لا شأن لي بها تحمل على ظهرها ليلا من ليالي قلعة مكونة، الليل المسكون بالرصاص والجراح، محاطا بسور وهالة، ومطلاًّ على الناس والورد كشيخ نَبَذته القبيلة فجلس بعيدا مستندا إلى شجرة موغلة في الدمع يرقب المدينة بمرارة ونُدب كثيرة تسري في الدم والصوت.
والطريق طويل ممتد يقطع المدينة بقسوة ليرتب الورد وفناجين القهوة ومحلات عديدة مثل حبات غير متناغمة في عقد طويل بلا قلادة.
قبل أن تغلق المقاهي أبوابها وينسحب المارة والعربات الصغيرة وتنزلق المدينة رويدا رويدا تحت الغطاء الفاحش والقاسي لليل ثم تهمد ضجّاتها، قبل هذا يكون رفاقٌ لي هناك في مقهى قد أثخنهم الشعر وأخبار الثقافة وعويلٌ وصراخٌ وطعناتٌ في قصائد جديدة، وتكون كؤوس الشاي الخفيف بالنعنع قد امتصت كثيرا من سكّر الشعراء وهدوئهم ليقتربوا أكثر من الليل أو يسكنهم بعض منه فيفترقون.
أعود إلى جبلي محملا بمرايا آهلة بالقصائد، مرايا متقابلة لا تنتهي رؤاها ولا تبشرني في الغالب بميلاد جديد. وسأكون ملزما أن أفرد الكلام حرفا حرفا أعيد ترتيب العالم بعينيّ. وأشعل فأسا في كل ما قيل، فأطرد ستالين وماركس والثوريين والليبراليين العرب، وأبعد بمسافة لا يحسبها الذراع عن أساطير اليونان واجترار العالم في "إسهال" لا ينتهي، وأقترب أكثر من أساطيري ومن الوحش الذي يسكنني وينتفض كلّ مساء داخل جسدي بقوة حتى تتشقق بشرتي، وأقترب من صرختي وأنصت لحماقاتي فأكتب قصائد رديئة وأكدّسها في انتظار وجبة الوحش الذي يسكنني، أو تقضمها حشرات الشعر حين تتعفن.
في الجبل، كانت القصيدة الوحيدة التي لا تتعفن هي سهرات الرفاق وجرعات الخطيئة اليومية التي نختلسها في غمضة القبيلة والجوار.
ولأن الحكمة تقتضي أن لا يصرخ أحد في وجه نافورة "لن أشرب ماءك !" فإني مثل لقلاق يحترف الرحيل كنت أرحل وأعود فأجد المقهى أكثر لذة، ليس لأن حياة ما انبعثت بل لأني كنت أضرب موعدا للموت وموعدا للنفي في كل لقاء. فأصدقائي الشعراء –الذين كانوا كتلة من تصوف وكفر وبوذية وأشياء أخرى- علّموني الخطوة الأكبر والقفز اللازم باتجاه الشعر، علموني كيف "أمزق قصائدي" حين لا تتشبث بالصحو، وحين تنغرس عتمة مخبأة في فكرة أو عبارة.. لذا كان النفي والقتل أكثر لذة، وما كان هزائم أليمة، كان ارتقاء يخلف فوضى وخدوش أنساها بسرعة في قمة الجبل وقمم الخطيئة.
اكتشفت لاحقا أن قصائدي لم تكن رديئة فقط، بل برية. وعليّ أن أوسع القفز بحذائي المشبع بالألوان باحثا عن غُرف أوسع "للوحش" الذي كبر، وقفزت. فوجدتني فجأة خارج قلعة مكونة أكتب قصصا قصيرة، وهُيِّء لي أن ذاكرة الجمر والاعتقال وأرواح الذين قُتلوا هناك رحّلوني قسرا، وودعوني بصوت واحد:
"القلعة ليل أوسع من قصيدة شعر"
فأيقنتُ أن لوجه المدينة حارسان: عتمة الليل، وشيخ منبوذ في أعلى التل لا شأن لي به.
ليل مكونة صخب في لوحة. كأنما يشوش عبير الورد فيها ضجيج ألوان ولطخات. لطخة تاريخ معتم ولطخة حَلَمة نافرة، وألوان من هامش. صخب يتوهج في جمر ورصاص لا تنسيك قسوتَه أهزوجةٌ أمازيغية معتقة أو فورة الجمال التي تنثرها رقصة أحواش في قصبة أو فندق أو منبسط في محاذاة النهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.