جماعة إيحدادن بالناظور تودع السيدة ثريثماس سقالي فداش إلى مثواها الأخير    كيوسك الأربعاء | إطلاق 694 مشروعا جديدا لتعزيز خدمات الصرف الصحى    الصين تسجل "الصيف الأكثر حراً" منذ بدء رصد البيانات    جبل جليدي عملاق عمره 39 عاما يذوب بعيدا عن القطب الجنوبي    في حضور بوتين وزعيم كوريا الشمالية.. الصين تقدم استعراضاً عسكرياً ضخماً في ذكرى الانتصار على الفاشية    الرئيس الصيني: لا سلام عالمي دون اقتلاع جذور الحروب وبناء علاقات متوازنة    بوتين يلتقي كيم جونغ أون في بكين    سانشيز: حرب غزة تؤكد فشل أوروبا    الحارس البرازيلي إيدرسون ينتقل لفنربهتشه قادما من مانشستر سيتي    اتحاد طنجة يحقق انتصارًا كاسحًا على السعيدية في البطولة الوطنية لكرة القدم الشاطئية    في الذكرى الثانية للزلزال المدمر.. هزة أرضية ترعب ساكنة الحوز    شابة تضرم النار في جسدها بطنجة في محاولة لوضع حد لحياتها في مشهد مأساوي    هزة أرضية بقوة 4.5 درجات تضرب ضواحي مراكش    طقس الأربعاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    كشك بساحة إيبيريا.. كان الأجدر أن يستفيد منه شاب يبحث عن فرصة شغل لا علامة تجارية تملك القدرة على الكراء    الدرك الملكي يتصيد الدراجات النارية المخالفة للقانون بالقصر الصغير وقصر المجاز وملوسة وأنجرة    المعهد الوطني للجيوفيزياء: هزة أرضية بقوة 4,6 درجة سجلت فجرا في ثلاث نيعقوب بالحوز    دراسة تكشف أهمية لقاح فيروس الجهاز التنفسي المخلوي لكبار السن    شرب كمية كافية من السوائل يساعد على تخفيف التوتر    الولايات المتحدة تعلن تحييد "قارب مخدرات" قادم من فنزويلا                    "الإصلاح" تتضامن مع ضحايا الكوارث    ماكرون: ممارسات إسرائيل لن توقف الاعتراف بفلسطين.. و86 شهيداً في يوم دامٍ بالقطاع    غموض مستقبل حمدالله بعد رغبته في الرحيل عن الشباب السعودي    أمينوكس سعيد بالحفاوة الجماهيرية في مهرجان السويسي بالرباط    القنوات الناقلة لمباراة المغرب والنيجر    تكهنات بانفصال لامين يامال عن نيكي نيكول بعد حذف الصور المشتركة    وجبات خفيفة بعد الرياضة تعزز تعافي العضلات.. الخيارات البسيطة أكثر فعالية    أعراس .. اسم عابر في سجل الخيانة وصوت يائس في جوقة الانفصال    "الأسود" يرفعون من وتيرة الاستعدادات    بدء الأشغال لإنجاز مشروع القطار فائق السرعة القنيطرة–مراكش        الولايات المتحدة.. قاض فدرالي يعتبر نشر عناصر من الجيش في كاليفورنيا "غير قانوني"    كرة القدم .. حفل تكريمي على شرف المنتخب الوطني للاعبين المحليين المتوج بلقب بطولة إفريقيا    عبد اللطيف الجواهري ضمن أفضل محافظي البنوك المركزية في العالم    الدورة الثانية لمهرجان «سينما الشاطئ» تحط الرحال بالصويرة    الدورة ال 25 من «ملتقى الشارقة الدولي للراوي» ما بين 22 و26 شتنبر الجاري بمشاركة المغرب    المنتخب المغربي يواصل استعداداته لمواجهة النيجر    – كيف كتبت لوموند «تحقيقها»؟ لمن كتبته؟    أثافي الشعرية الأمازيغية من خلال كتاب «الشعرية الأمازيغية الحديثة» للناقد الأمازيغي مبارك أباعزي    "الحر" يطلق جديده الفني "صرا لي صرا"    تصريحات عنصرية في حق اهل الريف تثير استنكاراً واسعاً ومطالب بفتح تحقيق        المغرب يواصل الصعود بينما الجزائر تَتَداعَى نحو السقوط    حملات سياسية مغرضة تستهدف مجموعة الخير وحزب الاستقلال يرد بالحقائق    80 فنانًا من دول مختلفة يشاركون في المعرض الجماعي للفن التشكيلي بتطوان    اختصاصي في جراحة العظام يكشف فوائد المشي حافي القدمين    سماعة طبية معززة بالذكاء الاصطناعي تكتشف أمراض القلب في 15 ثانية        الإخوان المسلمون والحلم بالخلافة    الأوقاف تعلن موعد أداء مصاريف الحج للائحة الانتظار من 15 إلى 19 شتنبر    ليالي العام الهجري    دخول القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي حيز التنفيذ    جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رشيد بن لحاج يرصد مشاهد من ليلة عرس "صاخبة" بأحد شوارع طنجة
نشر في طنجة 24 يوم 21 - 08 - 2016

ليلة عرس في طنجة
كثيرا من أجدني مضطرا لإعفاء نفسي من الاستجابة لحضور حفلات الزفاف في مدينة طنجة بالرغم من أنني حريص على مشاركة الآخرين سعادتهم وسرورهم. وكنت دوما أنأى بنفسي عن حضور حفلات الأعراس جهد ما أستطيع لا لشيء إلا للتأخير الذي تشهده تلك الحفلات التي جرت العادة أن تمتد أنشطتها في المدينة في أغلب الأحايين حتى الساعات الأولى من الصباح .
خلال مستهل الأسبوع الماضي وجه لي صديق لا أرد له طلبا دعوة لحضور حفل عرس شقيقه الذي يصغره ببضع سنوات والذي يقطن في حي غير بعيد عن الحي الذي أسكن فيه. وبما أنني لا أستسيغ التأخير الذي تشهده عادة الأعراس في مدينتي فقد رفعت له عبارات التهنئة المشفوعة بالأدعية، غير أني التمست منه إعفائي من حضور الحفل الذي قد يرهقني من أمري عسرا. ولأن صديقي ألح علي إلحاحا شديدا على الحضور ورفض تقبل أي عذر ما دام السهر لن يتخطى جزءا من الليلة الواحدة بحسب قوله فإنني رضخت لإلحاحه و لم أجد عن تلبية دعوته بعد ذلك من محيص ، غير أني انتزعت منه تعهدا يقضي بأن يأذن لي بالانصراف من الحفل بعيد منتصف الليل .
وحينما حلت الليلة الموعودة ، انتظرت حتى تصرمت ساعة ويزيد بعد صلاة العشاء ثم قصدت المنزل الذي سيحتضن الحفل. وحينما وصلت وجدت المصابيح المضيئة تجلل واجهة ذلك المنزل، غير أنني فوجئت حينما لم أجد أي مستقبل في بابه الذي كان مواربا ولم ألحظ أي حركة تدب بجواره، كما أن أي صوت للأناشيد أو الموسيقى لم يطرق سمعي. وعلى الفور اتصلت بصديقي عبر الهاتف فأنبأته بوصولي ... وما هي إلا لحظات حتى رأيت صديقي قادما بلباسه التقليدي والابتسامة تعلو وجهه.
وبعد أن بش في وجهي ولقيني بحفاوة وغبطة ، مسك بيدي ثم صاحبني نحو خيمة كبيرة تم نصبها بلا تحرج وسط شارع متوسط العرض يوجد خلف منزله . كانت تلك الخيمة التي ستحتضن المدعوين للحفل تقطع ذلك الشارع على السيارات في مشهد غير حضاري بل وتغلقه في وجه سكان الحي الذين لم تترك لهم فيه منفذا للمرور أو فجوة للعبور . لم يفاجئني ذلك المشهد المقرف الذي بدأ يثبت حضوره بشكل لافت خلال مناسبات الأفراح والأتراح التي تشهدها أحياء مدينة طنجة لاسيما في فصل الصيف .
ولذلك فقد أحسست في نفسي الضيق لما دلفت إلى الخيمة ، وكيف لا يراودني ذلك الإحساس إن كنت لا استمرئ مشاركة المدعوين في احتلال الملك العام ؟. والحقيقة أن آيات السرور والحبور التي قرأتها في وجوه الحاضرين وأهل العريس بددت ذلك الإحساس .
وحتى لا أكون تحت مرمى أي إزعاج قد ينغص علي قعدتي داخل الخيمة طلب مني صديقي أن أتخذ مجلسي في ركن يبعد إلى حد ما عن مكبر الصوت ...كانت الخيمة في تلك الأثناء ما تزال خاوية على عروشها ومؤثثة بموائد مغطاة بمناديل مطرزة تحيط بها المقاعد الحمراء التي كانت شاغرة باستثناء مقعدين كان يجلس عليهما رجلان قد بلغا من الكبر عتيا ، بينما أبصرت في إحدى زوايا الخيمة أعضاء فرقة موسيقية وهم منهمكون في دوزنة آلاتهم ...أدركت بعد ذلك أن ليلة العرس لم تنطلق فعاليتها بعد، وأنها ستطول بلا شك وقد تمتد حتى الصباح على عادة معظم أهل المدينة الذين يقطنون في الأحياء الشعبية ، لكنني كنت قد وطدت عزمي على الانصراف بعد منتصف الليل بساعة على أكبر تقدير ، فذلك منتهى مقاومتي لسلطان الأرق .
بعد مرور نصف ساعة ويزيد بدأ المدعوون يتوافدون تباعا فرادى ومثنى وثلاث إلى قاعة الحفل ويأخذون لأنفسهم مقاعدهم. كانت الفرقة الموسيقية قد شرعت في العزف والغناء، وكان أغلب الحاضرين من الشبان الذين كانوا يتجاوبون بالترديد تارة وبالرقص طورا مع أصوات الأغاني التي كان في الحقيقة صخبها يكاد يزلزل نوافذ بيوت الحي بأكمله . في تلك الأثناء كنت أجلس في مقعدي ساكنا ، ولعل ذلك السكون قد انتقلت عدواه إلي من خلال رجل كان يجلس بجانبي كتمثال لا يتكلم ، ولا يتحرك ولا يلتفت يمنة ولا يسرة كأن على رأسه طائر ... كنت بدوري مثله أكتفي بإرسال طرفي ليسرح في مشاهد الفرح التي كانت تبدو من حولي ، وكنت أسلي نفسي بالنظر في حركات المدعوين وبتصفح وجوههم وضحكاتهم التي كان صداها الممزوج بأصوات الموسيقى يلف فضاء الخيمة الذي كان يجود بسخاء بحرارته على الحاضرين ...
وبعد منتصف الليل بساعة ويزيد بدأت وطأة السهر تثقل علي ، وشرع الأرق في اجتياح أطرافي والتضييق علي بلا استئذان حتى أحسست لوهلة أن سنة من النوم بدأت تأخذني وأن صدري ضاق عن احتمال السهر ، فناديت صديقي واستأذنته بالانصراف التزاما بشرط الحضور بعد أن هببت واقفا وتهيأت لمبارحة الخيمة ، إلا أن صديقي ترجاني وأصر على مكوثي ولو لأقل من ساعة وهو موعد تناول العشاء ... ورغم محاولتي إقناعه بأني في حاجة إلى أخذ قسط كاف من النوم لأنه يلزمني النهوض باكرا لقضاء بعض الأعمال إلا أن إصراره كان أقوى من رغبتي ... لكنني لم أستسلم لإلحاح الصديق هذه المرة ، إذ ملأ جوانحي ساعتها إحساس بالإرهاق الذي لم أستطع له غلابا ، كما شعرت بأنه لم يعد في مقدوري متسع للسهر والسمر ، ثم إنني تملكني حينها شعور بأن إذعاني لإلحاحه معناه أني سأصير إما ضيفا ممجوجا أو أني سأغدو أشبه بمحاصر لا يملك حرية المغادرة ولا قرار الانصراف ، وذاك الشعور لا أرتضيه لنفسي في كلتا الحالتين ، لذلك تغلبت إرادتي على إصرار صديقي بعد أن عيل صبري فودعته بجميل القول والدعاء ومضيت قدما نحو باب الخيمة من غير أن ألتفت خلفي .
انصرفت بعد ذلك تحت إيقاع أصوات الموسيقى الصاخبة التي صاحبت سمعي حتى قفلت إلى بيتنا ... كان الوقت قد بدأ يزحف نحو الساعة الثانية صباحا ... دخلت بعد ذلك إلى غرفتي واستلقيت فوق فراشي في ارتخاء وإعياء ....ولأن منزلنا لم يكن يبعد كثيرا عن خيمة الحفل فإن أصوات الموسيقى كانت ماتزال تطن في سمعي و تخترق نوافذ منزلي و جدرانه ... لبثت بعد ذلك ساهر الطرف أتقلب ذات اليمين وذات الشمال أملا في تلمس أسباب النوم ، غير أنني لم يغمض لي جفن ، وكيف يغمض وقد شعرت حينها وكأن مكبر الصوت قد وضع على مقربة من نافذتي ؟ .
والحق أن أصوات الموسيقى كانت أقوى من أن تدع النوم يصافحني ...صرفت ساعة ويزيد أنتظر خفوت تلك الأصوات لكن من غير أن أفيئ إلى النوم ... وفي لحظة هدأت حدة الصخب ، فتنفست الصعداء ثم أسلمت رأسي للوسادة تحت رحمة هدوء أوحى لي بأن المدعوين يتهيأون لتناول وجبة العشاء ...غير أنني لم أكن لأمني نفسي بأن يذعن لي النوم أو يمتثل ، ذلك أنني كنت أضع في الحسبان أن الهدوء الذي تزامن مع تناول المدعوين لوجبة العشاء الدسمة خلال ذلك الهزيع الأخير من الليل ، وهو الموعد الذي يتناول فيه البعض وجبة الإفطار ، إنما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة ... وبالفعل فبعد انصرام ما ينيف عن ساعة بدأت تصل مسمعي أصوات أهازيج حفل حناء العريس ، وهي الأهازيج التي انتهت بالزغاريد و بإطلاق أصوات الدقة المراكشية وموسيقى كناوة و بعض الألعاب النارية .... خيل إلي في تلك اللحظات أن الحي يحتضن فعاليات مهرجان موازين لكن بإيقاعات وطنية لا عالمية ... كان صوت آذان الفجر قد بدأ ينطلق من صوامع المدينة ، وكانت أنشطة الحفل ما تزال متواصلة بأصواتها التي تعلو ولا يعلى عليها بينما كنت ما أزال أستعطف النوم الذي أبى إلا أن يتدلل علي ... وفي تلك الأثناء برقت في خاطري أحوال المرضى والأطفال والعمال والموظفين الذين يسكنون الحي والذين لم يقم لهم المحتفلون وزنا. و لا شك أن هؤلاء حرموا بدورهم من حقهم في النوم الهادئ وكانت أمانيهم منحصرة في تلك الليلة في أن ينتهي الحفل عند منتصف الليل لينعموا بقسط من الراحة استعدادا لمجابهة متاعب اليوم الموالي.
ومع انبثاق تباشير الصباح ، اكتمل المشهد الصاخب حيث تجمع عدد من المدعوين والمدعوات في تصايح وتضاحك وتذاكر في أحد الشوارع ، ثم بدأت أصوات منبهات طوابير السيارات والدراجات النارية تطلق زعيقا مفزعا ومروعا كان وقعه كفيلا فيما بدا لي بأن يصم آذان سكان الحي ويوقظ من ظفر منهم بقسط من النوم ... وبعد أن انطلق موكب الزفة غاض اللغط وسكنت الجلبة فلم ألبث أن أرخيت جفني و غصت في لجة النوم بعد أن أنهك الأرق أطرافي بسبب صخب حفل زفاف كان من باب الرأفة والرفق بالمدعوين وبسكان الحي أن يسدل الستار عنه عند منتصف الليل لا في الصباح .
إقرأ أيضا: خيام الأعراس بالشارع تشارك المنازل والقاعات في احتضان الأفراح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.