في زقاق ضيق داخل المدينة العتيقة بطنجة، يسير فوج من السياح الأجانب خلف مرشد سياحي يشير بيده إلى تفاصيل معمارية عمرها قرون، بينما يروي حكايات عن الحضارات التي تعاقبت على المدينة. يتوقف لحظة أمام باب خشبي مزخرف، يشرح رمزية نقوشه، قبل أن يواصل السير وسط الأزقة الملتوية حيث تختلط روائح التوابل بدخان مشاوي الأسماك. لطالما كان المرشد السياحي في طنجة حلقة الوصل بين الزائر والمكان، لكنه اليوم يواجه منافسة شديدة من التكنولوجيا. تطبيقات الخرائط التفاعلية، الأدلة الصوتية، ومنصات التقييم مثل "تريب أدفايزور" و"غوغل مابس"، باتت توفر للسياح معلومات وافية دون الحاجة إلى دليل بشري. "قبل سنوات، كان السياح يعتمدون علينا لاكتشاف المدينة، أما اليوم، فأجد الكثيرين يسيرون وعيونهم مشدودة إلى هواتفهم، يتابعون تعليمات تطبيق إلكتروني بدلًا من الاستماع إلى رواياتنا"، يقول أحد المرشدين بنبرة لا تخلو من الحنين إلى الماضي. ورغم هذه التحديات، لم يستسلم المرشدون السياحيون لهذا التحول الرقمي، بل بدأوا في تكييف عروضهم لتقديم تجارب لا يمكن للتكنولوجيا توفيرها. وبات البعض منهم يركز على جولات متخصصة تستكشف الجوانب المخفية للمدينة، مثل الأزقة غير المعروفة، أو ورشات الحرف التقليدية التي لا تظهر في الأدلة الرقمية. فيما لجأ آخرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإنشاء محتوى جذاب، ينقل روح طنجة بطريقة أكثر حيوية، ويجذب الزوار الباحثين عن تجارب أصيلة. وبالنسبة للعديد من السياح، لا تزال التجربة التي يقدمها المرشد السياحي لا تُضاهى، إذ توفر تفاعلًا إنسانيًا مباشرًا وقصصا حية لا يمكن لأي تطبيق رقمي تعويضها. "يمكنني العثور على المعلومات عبر الإنترنت، لكني أفضّل الاستماع إلى شخص يرويها لي بأسلوب شخصي، ويجيب عن أسئلتي"، تقول سائحة فرنسية خلال جولة في أسواق المدينة. وبينما تستمر التكنولوجيا في إحداث تغييرات عميقة في قطاع السياحة، يبدو أن المرشدين السياحيين في طنجة لن يختفوا، بل سيتطورون ليواكبوا العصر، مقدمين تجربة تجمع بين المعرفة الرقمية ولمسة إنسانية تبقى ضرورية لاكتشاف روح المكان.