بحلول السابع من يوليوز، تستقبل قرى الشمال يوما له نكهة خاصة. الأسر تخرج من منازلها في صمت منظم، كأن بينها موعدا غير مكتوب مع الطبيعة. من الدواوير المحاذية للشريط الساحلي، تتحرك الخطى نحو العيون الباردة ومجاري الماء، لإحياء طقس العنصرة، كما فعل الآباء والأجداد من قبل، بلا زينة ولا إعلان. الطريق معروف مسبقا. لا حاجة للوصف أو الإشارة. الكل يعرف إلى أين يتجه. العين التي يقصدونها هي نفسها منذ سنين، والموقع نفسه يُعاد اكتشافه كل عام. قرب الماء، يفترش الناس الأرض، يوزعون الخبز والزيتون، يهيئون الشاي، ويتبادلون النظرات. لا صوت يعلو على خرير الجدول أو هبة نسيم تهز أوراق الدوم. في بعض المواقع، تمتد الحصير تحت ظلال التين والدفلى. في مواقع أخرى، يختار البعض المكوث قرب مجرى الماء مباشرة. لا برنامج ولا ترتيب. فقط عفوية منسجمة، تُعيد للجماعة إحساسها القديم بالتشارك والبساطة. الأطفال يركضون حفاة على الحصى، النساء يضحكن بهدوء، والرجال يجمعون الحطب دون استعجال. طقس العنصرة ليس وليد اليوم. بل يرجعه مؤرخون إلى عادات حملها الأندلسيون معهم بعد سقوط غرناطة، حين استقروا في مناطق الجبل والساحل شمال المغرب. هناك، أعادوا تشكيل احتفالات الماء والربيع في طقوس محلية، ارتبطت بمواسم الزرع والحصاد، ثم استقرت في الذاكرة كطقس صيفي لا يُحدّده التقويم بل تستدعيه العادة. لا تُقرأ في العنصرة خطب ولا تُرفع فيها شعارات. يكفي أن يبلل الشخص وجهه أو يديه بماء العين، حتى يشعر وكأنه دخل مرحلة جديدة. بعض الأسر تكرر هذا الطقس سنويا بنفس الطقوس، وكأنها تُعلن من طرفها عن نهاية فصل وبداية آخر، حتى وإن لم يرد ذلك في نشرات الطقس ولا في أجندات الدولة. في دواوير مثل تمرابط، قاع أسراس، بوقرة، واد لاو، أو أطراف الجبهة، ما تزال العنصرة تحافظ على روحها. الناس يتجهون نحو عيون معروفة كعين بوعنان أو عين تاقوبيت، دون صخب ولا بهرجة. لا مكان هناك للموسيقى الصاخبة، ولا لمن يلهثون خلف الصور السريعة. كل شيء بسيط وواضح، كأن الزمن توقّف عن الركض. الماء في هذا الطقس ليس مجرد عنصر طبيعي. له معنى. يُغسل به الجسد وتُصفّى به النية. في بعض الحالات، يُرمى الأطفال في المياه الباردة ضحكا أو خوفا، ويُقال إن ذلك يجلب الصحة ويطرد النحس. ليس في الأمر تعاقد ولا طقس مكتوب، فقط موروث يعيش في التفاصيل الصغيرة. السلطات لا تتدخل عادة في تنظيم العنصرة. تراقب عن بعد، أحيانا تسهل المرور نحو المواقع المعروفة، وأحيانا توجّه أعوانها إلى الطرقات المؤدية إلى العيون. الجمعيات القروية بدورها لا تعلن عن احتفال، لكنها تواكب في صمت، إما بجمع النفايات بعد المغادرة أو بتوثيق الصور قبل الغروب. ما يُبقي العنصرة حيّة ليس الدعم ولا الدعاية. بل تمسك الناس بها رغم كل ما تغير. في زمن يتقلص فيه المشترك، وتخفت فيه الملامح المحلية، تظل هذه العادة شاهدة على ما بقي من الصلة بين الناس وأرضهم. يوم واحد يكفي لاستعادة هذا الرابط، ولو مؤقتا، قبل أن تعود العجلة إلى دورانها المعتاد.