قدّمت جماعة طنجة مساهمة مالية لتغطية تدخل صحي استعجالي لفائدة نازحي قطاع غزة، في خطوة تنسجم مع موقع المدينة التاريخي كإحدى أبرز واجهات الدعم الشعبي والمؤسساتي للقضية الفلسطينية. وبحسب معطيات رسمية وفّرتها جماعة طنجة، بلغ الغلاف المالي للمبادرة 50 ألف دولار أمريكي، تم رصده بالكامل من ميزانية الجماعة، في إطار شراكة مؤطرة مع وكالة بيت مال القدس الشريف، تهدف إلى دعم السكان المتضررين من الوضع الإنساني المتدهور جنوب القطاع، خصوصا داخل مخيمات "مواصي خان يونس". وجرى تنفيذ المشروع ميدانيّا خلال شهر نونبر 2024، بتنسيق مع جمعية "ارتقاء للتنمية المجتمعية"، التي تولّت توزيع مساعدات طبية ودوائية، وتنظيم ورشات في الدعم النفسي والصحة الوقائية، مع تركيز خاص على فئة النساء والأطفال. كما أشرف الفريق الطبي على إنجاز مسح وبائي حول الأمراض الجلدية، أتاح إنتاج قاعدة بيانات موجّهة للفاعلين في القطاع الصحي الفلسطيني، في سياق يتسم بنقص حاد في الموارد، وتدهور شبه كامل للبنيات الاستشفائية. لكن في خلفية هذا التدخل الصحي، تقف طنجة بما تمثّله من رمزية، ليس فقط كمدينة متوسطية ذات امتداد تاريخي في التواصل مع الشرق، بل كأرض شكّلت لعقود منصّة صريحة لتعبيرات الشارع المغربي المناصر لفلسطين. فمن ساحات "الأمم" و"إيبيريا" و"بني مكادة"، إلى المسيرات الكبرى التي احتضنتها المدينة عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، والانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، ظلّت طنجة محافظة على نبض احتجاجي يزاوج بين الذاكرة الوطنية وروح التمرّد المدني. وترى أصوات محلية أنّ ما قامت به جماعة طنجة ليس تدخلا فوقيّا معزولا، بل خطوة منسجمة مع بيئة مدنية طالما عبّرت عن التزامها العفوي والمنظّم بالقضية الفلسطينية، في الجامعات، والمدارس، والنقابات، وحتى في الجمعيات الثقافية التي دأبت على إدراج فلسطين كرمز ثابت في فعالياتها. في هذا السياق، لا تنفصل مساهمة الجماعة عن ما يوصف ب"الزمن السياسي الجديد للمجالس المحلية"، حيث تتحوّل بعض الجماعات، لا سيما في المدن ذات الوزن الرمزي والتاريخي، إلى فاعل في الدبلوماسية الاجتماعية. وضمن هذا المنظور، تؤكّد مصادر من جماعة طنجة أنّ المشاركة في المبادرات الميدانية لوكالة بيت مال القدس الشريف تنبع من وعي بضرورة أن تمتد المسؤولية الجماعية إلى ما وراء التدبير المحلي، لتشمل المساهمة في جهود التضامن الدولي، خاصة حين يتعلّق الأمر بقضية تتقاطع مع الإجماع الوطني المغربي. وتراهن وكالة بيت مال القدس الشريف، التي تشتغل تحت إشراف لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس، على تعزيز هذا النوع من الشراكات الترابية، عبر دعم مشاريع مباشرة الأثر في الميدان الصحي والاجتماعي، استنادا إلى مقاربة تعتمد التنسيق مع الفاعلين المحليين، وتراكم الخبرة الميدانية، وتثبيت حضور مغربي ملموس في مناطق الأزمات.