من داخل الطابق السفلي لقيسارية الأزهر، خرج الدخان كثيفا قبل أن تُرى النيران. فقد كان الفضاء مغلقا بالكامل، لا تهوية، لا مخارج طوارئ، ولا حتى منفذين للفرار. في الداخل، تراكمت السلع الموسمية، من الأدوات المدرسية إلى الأجهزة المنزلية وأكياس التغليف، وسط ظروف لا تسمح سوى باشتعال شامل في حال وقوع أي تماس أو شرارة. هذا ما حدث فجر الإثنين 15 شتنبر، حين اندلع حريق داخل أحد المحلات، وخلف خسائر مادية جسيمة دون تسجيل إصابات في الأرواح. ووفق المعطيات الأولية، فإن السبب يعود إلى تماس كهربائي، لكن ما ساهم في تفاقم الحريق هو طبيعة الفضاء نفسه، الذي تحول تدريجيا من مرأب للسيارات إلى طابق تجاري مغلق خارج شروط التهيئة والسلامة. وغير بعيد عن المشهد التقني، تبرز خلفية عمرانية وإدارية تضيء مسار القيسارية ذاتها. فقد ظل العقار الذي شيد فوقه المركب التجاري في وضعية إهمال لسنوات، ويُرجح، وفق روايات محلية، أنه كان ضمن الأملاك التي وضعت السلطات المحلية اليد عليها في عهد وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، في سياق عمليات مصادرة واسعة خلال التسعينات. ولم يُدمج في الدورة الاقتصادية للمنطقة إلا سنة 2006، حين خضع لإعادة التهيئة، ليُفتح بعدها كمرفق تجاري جديد. ومع ذلك، لم يُواكب هذا الإدماج التنظيمي بملاءمة كاملة مع واقع الاستغلال. فبينما بقي التصميم الأصلي يحتفظ بوظيفة مرأب تحت أرضي، استغلت المساحة تدريجيا كمخازن ومتاجر موسمية، في غياب نظام تهوية أو إنذار أو مخارج طوارئ، رغم تزايد الحمولة الكهربائية والضغط التجاري خلال المواسم. في المقابل، لا تنفصل القيسارية عن محيطها المجالي والاجتماعي. فهي تطل على شارع مولاي سليمان، عند الحد الفاصل بين مقاطعتي مغوغة والسواني، لكنها، في تمثل السكان، تظل جزءا من مركز بني مكادة، الذي يشمل أيضا سوق بئر الشعيري المقابل. هذا الأخير، بحضوره التاريخي، ظل محور النشاط التجاري في الحي، بينما شكلت القيسارية محاولة تنظيم عمراني تأخر استكماله. وبالتوازي مع هشاشة الطابق السفلي، يُضاف عنصر مجاور يزيد من تعقيد المشهد: مبنى إداري تابع لوزارة المالية، يلاصق القيسارية من الجهة الخلفية، ظل مهملا ومغلقا منذ سنوات. ورغم تطويقه بسور، فإن محيطه ظل مفتوحا، ويُستعمل أحيانا من طرف متشردين، بحسب شكاوى السكان، ما جعل البعض يتخوف من الخطر الخارجي أيضا. في هذا السياق، لا يبدو الحريق الأخير حالة معزولة. ففي فبراير الماضي، اندلع حريق في سوق القرب بني مكادة، وفي الصيف سُجلت حرائق متفرقة قرب سوق كسبراطا. وعلى اختلاف الأسباب، فإن القاسم المشترك بينها هو تشابه الشروط: كثافة سكانية، استغلال تجاري سريع، وخصاص في البنيات الوقائية. ومع فتح السلطات لتحقيق لتحديد المسؤوليات، تبرز تساؤلات أعمق حول مدى تطابق الفضاءات التجارية النشيطة مع الضوابط التقنية والتصاميم الأصلية. كما يتصاعد النقاش في أوساط المهنيين حول الحاجة إلى مراجعة شاملة لا تكتفي بالمعالجة بعد الكارثة، بل تستبقها بإعادة تأهيل فعلي. فالذي احترق لم يكن فقط محلا مليئا بالسلع، بل مسارا من التساهل التدريجي مع معايير التهيئة. وما اندلع فجر الإثنين لم يكن شرارة طارئة، بل نتيجة صامتة لفراغ تنظيمي اشتد حتى انفجر.