مع تزايد إقبال الكفاءات الرقمية ورواد الأعمال المستقلين حول العالم على أوروبا، برزت إسبانيا كإحدى الوجهات الأكثر جذبًا بفضل برنامج "فيزا العمل الحر" أو Autónomo Visa، الذي يمنح حق الإقامة والعمل المستقل لمدة سنة قابلة للتجديد، تمهيدًا للحصول على الإقامة الدائمة ثم الجنسية بعد بضع سنوات. تُعد هذه الفيزا من أكثر البرامج المرنة في أوروبا، إذ تتيح لحاملها تأسيس مشروعه الخاص أو تقديم خدماته الرقمية عن بُعد داخل الأراضي الإسبانية، دون الحاجة إلى عقد عمل من شركة محلية، وهو ما يجعلها خيارًا مثاليًا للمصممين والمطورين والمسوّقين ورواد الأعمال الأحرار. شروط وإجراءات الحصول على الفيزا يتطلب التقديم إعداد خطة عمل واقعية ومفصلة تشرح نوع النشاط المزمع إنشاؤه، ودراسة مختصرة للسوق المحلي توضح الجدوى الاقتصادية، مع ترجمة الوثائق إلى اللغة الإسبانية. كما يُلزم المتقدم بإثبات امتلاكه رصيدًا بنكيًا يتراوح بين 9.000 و12.000 يورو لتغطية مصاريف السنة الأولى من الإقامة، إضافة إلى تأمين صحي شامل داخل أوروبا. ويُشترط كذلك تقديم ما يثبت الخبرة أو الكفاءة المهنية في المجال المختار، سواء عبر شهادات أو أعمال سابقة، إلى جانب سجل جنائي نظيف وشهادة عدم السوابق. بعد تجهيز الملف، يُقدَّم الطلب في سفارة إسبانيا في بلد الإقامة مرفقًا بخطة العمل، كشف الحساب البنكي، التأمين الصحي، والسجل العدلي. وفي حال الموافقة، يحصل المتقدم على تأشيرة دخول قصيرة (90 يومًا)، تتيح له استكمال إجراءات الإقامة فور وصوله إلى إسبانيا عبر مكاتب الهجرة، ليُمنح إقامة مدتها سنة قابلة للتجديد سنويًا. مسار واضح نحو الإقامة الدائمة والجنسية تتيح الإقامة عبر فيزا العمل الحر الانتقال لاحقًا إلى وضع قانوني مستقر، إذ يمكن لحاملها التقدم بطلب الإقامة الدائمة بعد خمس سنوات، ثم الجنسية الإسبانية بعد عشر سنوات. أما مواطنو بعض الدول الناطقة بالإسبانية أو من جنسيات محددة، فيحق لهم التقدم للجنسية بعد سنتين فقط من الإقامة القانونية. مزايا متعددة للمستقلين والعائلات توفّر الفيزا الجديدة لحامليها حرية التنقل في فضاء شنغن، وإمكانية استقدام أفراد العائلة بعد تسوية الوضعية القانونية، فضلًا عن إمكانية التحويل لاحقًا إلى إقامة استثمارية أو تجارية موسعة. ويرى خبراء الهجرة أن البرنامج الإسباني يمثل تحولًا نوعيًا في سياسات الاستقطاب الأوروبية، إذ يوازن بين جذب المواهب الرقمية وضمان الرقابة القانونية، مؤكدين أن "إسبانيا تسعى لخلق بيئة اقتصادية حديثة قائمة على ريادة الأعمال والعمل المرن". وتسعى مدريد، من خلال هذه الآلية، إلى تعزيز موقعها كمركز أوروبي للابتكار الرقمي وريادة الأعمال المستقلة، مستفيدة من مناخها المتوسطي المميز وتكلفتها المعيشية المنخفضة مقارنة بدول أوروبا الغربية.