على أطراف مدينة طنجة، يسابق الأسمنت الزمن، مبتلعا المساحات الخضراء بوتيرة تفوق قدرة المسالك القروية القديمة على التحمل. ففي الضواحي الجنوبية والشرقية لعاصمة البوغاز، لم تعد الطرق الضيقة مجرد معابر موسمية للفلاحين، بل تحولت إلى شرايين متصلبة تحاول مواكبة حركة مرور متنامية تتجاوز قدراتها الاستيعابية الفعلية. في هذا المشهد المتحرك، تبرز جماعتا "العوامة" و"سبت الزينات" كمرآة عاكسة لتحولات عميقة، حيث تفرض دينامية المدينة التي لا تتوقف واقعا جديدا على بنية تحتية متهالكة. من الأسواق الأسبوعية إلى المناطق الصناعية في جماعة العوامة، تغير إيقاع الحياة بشكل جذري. لم تعد الحركة الصباحية مرتبطة بالتنقل الهادئ نحو الأسواق الأسبوعية كما كان الحال قبل عقدين. واليوم، تكتظ المسالك بآلاف المستخدمين المتجهين نحو الوحدات الصناعية العملاقة في مناطق "مغوغة" و"أكزناية" و"الشرفات". ومع تمدد المشاريع السكنية الاقتصادية والمتوسطة بالقرب من المحاور الرئيسية، تضاعفت أعداد الوافدين الباحثين عن سكن قريب من المدينة، مما زاد من حدة الضغط على شبكة طرقية لم تصمم أصلا لاستيعاب هذا الكم الهائل من العربات. وتظهر البيانات الرسمية أن الطريق الإقليمية رقم 4602، التي تعد الشريان الرئيسي الرابط بين العوامة ومدينة طنجة، باتت ترزح تحت وطأة ضغط يومي خانق. وتشير معطيات رسمية إلى أن العوامة تحولت فعليا إلى خزان بشري لليد العاملة الوافدة على طنجة، ما يجعل أي تأخر في صيانة أو توسعة الطرق سببا مباشرا في شلل مروري يعيق تدفق البضائع والأشخاص، ويؤثر حتى على خدمات النقل المدرسي في أحياء سكنية لا تزال تفتقر للكثير من الخدمات الأساسية. سبت الزينات.. صراع الجرار والحافلة وغير بعيد، وتحديدا في جماعة "سبت الزينات"، ورغم استمرار الطابع الفلاحي للمنطقة المحيطة بحوض سد "ابن بطوطة"، إلا أنها لم تسلم من "جاذبية" المدينة. فلقد أصبح التنقل نحو طنجة للدراسة أو العلاج جزءا لا يتجزأ من اليوميات، مما فرض نمطا هجينا من الحركة المرورية. ويرسم فاعلون محليون صورة قاتمة لوضعية المسالك التي تشهد "تعايشا قسريا" بين الجرارات الزراعية البطيئة، وشاحنات التموين الثقيلة، وحافلات نقل المستخدمين السريعة. هذا المزيج غير المتجانس حول الطرق القروية، التي تضررت بفعل الانجرافات والتقلبات المناخية الأخيرة، إلى مسارات محفوفة بالمخاطر، خاصة في فترات التساقطات المطرية الغزيرة. وقد بدأت الجماعة تستقطب فئات سكانية جديدة تبحث عن القرب من المدينة دون تحمل تكاليف العيش بداخلها، وهو ما عمق الحاجة إلى تدخلات جذرية تتجاوز الإصلاحات الترقيعية. 15,5 مليون درهم لردم الفجوة وأمام هذا الواقع، تمت تعبئة غلاف مالي إجمالي قدره 15,5 مليون درهم لتمويل برنامج استثماري عاجل تشرف على تنفيذه شركة التنمية الجهوية "طنجة الجهة للتهيئة". ويروم هذا التدخل الميداني، الذي يؤطره اتفاق متعدد الأطراف، تهيئة ثلاثة محاور طرقية حيوية تمتد على طول 8,7 كيلومترات بتراب جماعة سبت الزينات، إضافة إلى تشييد منشأة فنية بجماعة العوامة لفك العزلة وضمان انسيابية الحركة. ويعكس هيكل التمويل طبيعة الشراكة المؤسساتية لمواجهة هذا التحدي، حيث ساهم مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة بالحصة الأكبر البالغة 10 ملايين درهم، يليه مجلس عمالة طنجة-أصيلة ب 4 ملايين درهم. فيما توزعت باقي المساهمات بين جماعتي سبت الزينات بمليون درهم، والعوامة ب 0,5 مليون درهم. وتكشف أرقام التمدن في عمالة طنجة-أصيلة، التي تجاوزت سقف 94 بالمئة، أن المنطق التقليدي في الفصل بين "الحضري" و"القروي" لم يعد صالحا لتفسير ما يجري على الأرض. فالمسالك التي سيتم تعبيدها بهذا الغلاف المالي لن تخدم العربات التقليدية فحسب، بل ستكون عصب الحياة لشبكة معقدة من الخدمات اللوجستية، وتسهل ربط المرافق العمومية والخدماتية المنجزة بالمنطقة. وتنظر السلطات إلى هذا الاستثمار في البنية التحتية، ليس كعملية هندسية معزولة، بل كخطوة استراتيجية لضمان اندماج هذه الهوامش في الدورة الاقتصادية لطنجة، وتقليص الفوارق المجالية، محولة بذلك مناطق الظل والعزلة السابقة إلى امتدادات حيوية لمدينة تسعى للعالمية.