مع نهاية العام 2025، تبدو طنجة أنها لم تتزحزح عن مكانتها كعصب رئيسي للاقتصاد الوطني ومنصة عالمية تفرض إيقاعها على حركة الملاحة والصناعة في حوض المتوسط. وتظهر قراءة تحليلية لبيانات الأسواق الدولية أن المدينة لم تكتفِ بالحفاظ على مكتسباتها، بل تحولت إلى الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في الاستراتيجية المغربية الرامية لإنتاج مليون سيارة سنويا بدءا من العام المقبل. وتقاطعت مؤشرات اقتصادية حديثة نشرتها منصات متخصصة في رصد بيانات السوق مثل "فوكوس تو موف" و"موردور إنتليجنس" عند التأكيد على أن البنية التحتية الصناعية في شمال المملكة نجحت في الحفاظ على جاذبيتها الاستثمارية رغم الاضطرابات التي ميزت الاقتصاد العالمي. وتفيد هذه البيانات أن منطقة "طنجة أوتوموتيف سيتي" لم تعد مجرد قاعدة للتجميع النهائي للمركبات، بل تحولت بفضل تراكم الخبرات طيلة العقد الماضي إلى مركز متكامل يضم سلاسل توريد معقدة وعالية الدقة تغطي مختلف مراحل التصنيع، مما جعلها "العمود الفقري" الذي تستند عليه الرباط في مفاوضاتها التجارية مع الشركاء الدوليين. ويربط محللون اقتصاديون استطلعت التقارير الدولية آراءهم بين الطفرة المرتقبة في 2026 وبين التحول الاستراتيجي الجريء نحو صناعة السيارات الكهربائية. وتشير التوقعات إلى أن استقرار شركات عملاقة لإنتاج البطاريات ومكونات المركبات النظيفة في المناطق الحرة بطنجة سيسرع من وتيرة الانتقال الطاقي للصناعة المحلية، ويرفع من القيمة المضافة للصادرات بشكل غير مسبوق. هذا التحول النوعي ينقل المدينة من وضعية "المناول الصناعي" الذي يعتمد على اليد العاملة المنخفضة الكلفة، إلى شريك تكنولوجي موثوق لأوروبا، قادر على مواكبة المعايير البيئية الصارمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على وارداته الصناعية. ولا يمكن قراءة هذه الدينامية الصناعية بمعزل عن الأداء اللوجستي الاستثنائي، حيث يؤدي المركب المينائي طنجة المتوسط دورا حاسما في هذه المعادلة الاقتصادية بفضل قدرته على معالجة تدفقات التصدير بكفاءة عالية وضعت الميناء ضمن الخمسة الأوائل عالميا حسب مؤشرات الأداء لسنة 2025. وتوضح البيانات اللوجستية أن الارتباط الوثيق والآلي بين المصانع وأرصفة الشحن يمنح المصنعين ميزة تنافسية حاسمة تتيح الوصول السريع إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية في زمن قياسي، مما يقلل من تكاليف التخزين ومخاطر تأخر التوريد، وهو عامل جذب رئيسي للشركات متعددة الجنسيات التي تبحث عن بدائل آمنة وقريبة من أسواق الاستهلاك الكبرى. وعلى صعيد التكامل الاقتصادي، تبرز التقارير أن نسبة الإدماج المحلي في المنظومة الصناعية بطنجة تجاوزت التوقعات، حيث باتت المكونات المصنعة محليا تشكل النسبة الأكبر في السيارة النهائية. هذا المعطى يعزز السيادة الصناعية للمملكة ويقلل من التبعية للاستيراد، مما يجعل القطاع أكثر قدرة على امتصاص الصدمات الخارجية. ويرى المراقبون أن نجاح طنجة في بناء نسيج من الشركات المحلية المناولة التي تواكب الشركات الكبرى، قد خلق دورة اقتصادية مستدامة تحمي المدينة من تقلبات الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي المحصلة، تخلص القراءات الاستشرافية لعام 2026 إلى أن هدف "المليون سيارة" الذي وضعه المغرب لم يعد مجرد طموح سياسي، بل أصبح واقعا صناعيا قيد التنفيذ بفضل القاعدة الخلفية الصلبة التي توفرها طنجة. فالمدينة التي بدأت كبوابة جغرافية، تنهي عام 2025 وهي تتربع على عرش الصناعة في القارة الإفريقية، مقدمة نموذجا تنمويا يجمع بين الكفاءة اللوجستية والتطور التكنولوجي، لتؤكد بذلك أنها حجر الزاوية الذي لا يتزحزح في بناء مغرب المستقبل الصناعي.