مرة أخرى يعود السيد حداد وزير السياحة إلى طنجة. و مرة أخرى يعقد نفس الاجتماع، ومع نفس الوجوه، و بنفس المبنى، و يعيد نفس الخطاب: مدينة طنجة تعتبر من بين أبرز المدن المغربية فيما يخص السياحة الثقافية ! مدينة طنجة الساحلية لها كل المواصفات لكي تصير من بين أبرز المدن السياحية العالمية ! المآثر التاريخيية بطنجة تستقطب عشرات الآلاف من السياح سنويا ! جهة طنجةتطوان أو ما يسمى ب" كاب نور " أو رأس الشمال لها خاصية سياحية لا تتوفر عليها أبرز المدن العالمية ! كان هذاكلامك سيادة الوزير، و كان من الحضور التصفيق الحار، و لنا عليك حق التعقيب. سيادة الوزير بْلِيييزْ ! هذه نفس الأسطوانة التي سمعناها منك منذ سنة مضت، و هي نفسها التي ربما سنسمعها منك العام المقبل إذا كان في العمر بقية، و إذا لم تسقطكم رياح شباط من على كرسي وزارتكم. و حتى إذا حدث ذلك، فإننا متأكدون أن الذي سيخلفك لن يقول أكثر مما قلته، لأن الذين سبقوك أيضا قالوا نفس الكلام. و كما أن لك رؤيتك التي رقمتها ب 2020، فرؤيا 2010 لواحد ممن سبقوك لم تتضح بعد، وربما كانت تلزمها نظارات تصحيحية، لأن صاحبها كان يطمع في الوصول إلى عشرة مليون سائح، غير أنه صرف عشرات الملايين من الدراهم دون تحقيق ذلك. تشابهت لديه الأرقام في الملايين و اختلفت، و تشابهت رؤى الوزراء ثم فشلت. كلامك سيادة الوزير عن السياحة الثقافية يكشف عن جهلك التام بالمدينة التي تتحدث عنها. فطنجة لم يعد يربطها بالثقافة إلا الخير و الإحسان، و ذكريات جميلة لمسرح منهار، وقاعات سينمائية مقفلة، و كُتاب و شعراء دُفنوا و نسيت قبورهم، و آخرون يموتون كل يوم حسرة على مصيرهم البئيس، الذي ركنهم في رفوف التجاهل بين كتاباتهم. لا ندري أيها الوزير عن أي ثقافة تتحدثون في مدينة بلا مكتبات، و بلا قاعات للندوات، و لا متاحف، و لا حتى نشاط ثقافي واحد يرقى إلى مستوى جلب السياح. آسف، إنه الهذيان بعينه. و كيف لطنجة أن تصير من أبرز المدن السياحية العالمية، و قد حُرمت من شاطيء صنف من بين العشرة الأفضل في العالم سنوات الستينات و السبعينات، قبل أن تغزوه المياه العادمة الملوثة بكل سموم الدنيا. و خليج هو الأجمل في الحوض المتوسط، قبل أن يلتهمه آجور بنوا إسمنت، بتواطئ مع ذوي المسؤوليات، و السلطات، و القرارات، الذين نخروا المنطقة، و حجبوا رؤية البحر من البر، لا سامحهم الله. ألم تعلم بعد سيادة الوزير أنه و على مسافة خمسة و ثلاثين كيلوميترات من طنجة في اتجاه القصر الصغير، لم يعد هناك شاطئ صالح للسباحة؟، فقد حصرت المدينة ما بين المنائين، طنجة الترفيهي، و المتوسطى التهريبي، و ما بينهما من مشاريع سكنية فاخرة لذوي الحظوظ، أهذا ما تقصده بالعالمية ؟ أما عن المآثر التاريخيية التي تستقطب عشرات الآلاف من السياح سنويا، فإنك تذكرني بالذي قال لصاحبه أنه وجد قطا بذيل طوله عشرة أمتار، و أمام صخرية صاحبه، صار ينقص من الطول من عشرة أمتار، إلى تسعة، ثم ثمانية...، و هكذا حتى و صل إلى النصف المتر، و رغم ذلك لم يقتنع صاحبه بالأمر، فثار في وجهه و هو يقول " أتريدني أن أجعل القط بدون ذيل؟". فلا تدعنا نسخر منك سيد حداد. كيف تعدون عشرات الآلاف من السياح الذي يتوافدون على المدينة؟ و عن أي مآثر تتحدثون؟ هل هي القصبة و مرافقها و أبراجها المهملة، و المليء سفحها بالأزبار و رائحة البول؟، أم المدينة القديمة المهددة دورها بالانهيار، و المنبعث منها رائحة الرطوبة، و المتفشية فيها كل مظاهر الانحراف؟ أم مغارة هرقل المتصدعة؟، أم قبر ابن بطوطة المجهول في وطنه، و المشهور خارج حدوده؟... " منطقة " كاب نور" أو رأس الشمال، لها خاصية سياحية لا تتوفر عليها أبرز المدن العالمية ". هذا هو الكلام الصحيح الوحيد الذي قلتموه في مداخلتكم، رغم أنه مستلك. لكن حبذا لو أكملت العبارة، و أضفت أن بالمنطقة أيضا مسؤولون لا يوجدون في العالم كله، أميون، انتهازيون، استغلاليون، استرواقيون، اجتمعت فيهم كل الصفات التي يستحيل معها تنمية أية منطقة مهما كانت مؤهلاتها. جميل أن تُشَيَّد فنادق من الدرجة الأولى بالمدينة، لكن من يضمن لها ليالي المبيت، التي لا يرفع نسبتها إلا من تلفظهم الحانات و العلب الليلة مع صلاة الفجر، من النّْشَايْطِيَّة و بائعات الهوى؟. فطنجة لم تعد قبلة للسياح كما كانت من قبل، و لا حتى محطة عبور للمدن الأخرى، في وجود الرحلات الجوية المنخفظة التكلفة ، و التي استحوذت عليها مدن مراكش، أكادير، فاس، الدارالبيضاء... طنجة سيادتكم لم يعد يربطها بالسياحية غير معهدكم العالي، و لم تعد مدينة ملاحية بميناء يبعد عنها بأكثر من ثلاثين كيلوميترات، و لم تعد فلاحية لأنها لم تكن كذلك، و أن الأراضي التي تصلح لذلك النشاط غزاها الإسمنت و تحولت إلى إسطبلات للآدميين. و لم تعد مدينة ثقافية بفعل سيطرة التفاهة على الثقافة. فعن أي مدينة تتحدثون إذاً ؟