لاشك أن عبارة زواج امرأة بامرأة تثير في نفوسنا شيئا غير قليل من الدهشة. وقد تحمل البعض منا على المسارعة إلى الظن بأن المقصود منها لابد أن يكون شيئا آخر غير الزواج بمعناه الدقيق. فالزواج بمفهومه الاجتماعي والقانوني المألوف لنا هو عبارة عن رابطة تقوم بين رجل وامرأة. فهو يفترض بالضرورة أن يكون أحد طرفيه ذكرا وأن يكون الطرف الآخر أنثى. ومع ذلك فإن هناك شعوبا إفريقية تسمح تقاليدها بقيام رابطة بين امرأتين لها صفة الزواج العادي. فهي تنعقد بنفس الكيفية التي ينعقد بها الزواج العادي، وتترتب عليها نفس الآثار التي تترتب عليه. فالمرأة التي ترغب في الزواج من فتاة أو امرأة تدفع من أجلها مهرا، ويؤول المهر إلى أهل الفتاة أو المرأة تماما كما يحدث في الأحوال العادية. وتتبع في إتمام الزواج نفس الطقوس والمراسم فيما لو كان الراغب في الزواج رجلا. وتكتسب المرأة الزوج على الفتاة أو المرأة التي تزوجتها نفس الحقوق التي يكتسبها الرجل على زوجته. فالأولاد الذين يولدون من الزوجة يعتبرون أولاد المرأة التي دفعت المهر. كذلك للمرأة الزوج مقاضاة أي رجل يتصل بالزوجة اتصالا جنسيا دون موافقتها، تماما كما يفعل الرجل بالنسبة لمن يزني بزوجته. وجه الخلاف بين نوعي الزواج ينحصر في المعاشرة الزوجية، حيث يعترف للمرأة الزوج بالحق في أن تختار رجلا من قرابتها أو من قرابة زوجها أو حتى رجلا غريبا تخوله الاتصال بالزوجة. ولا يستتبع ذلك اكتساب مثل هذا الرجل حقوق الزوج على هذه الزوجة بل تظل هذه الحقوق بين يدي المرأة الزوج. كذلك الحال بالنسبة للحق في الأولاد. فالأولاد الذين يولدون من علاقة الرجل بالزوجة لا يعتبرون من الناحية القانونية أولاده وإنما يعتبرون أولاد المرأة الزوج. والمرأة التي تلجأ إلى أن تكون زوجا في مثل هذا الزواج قد تكون متزوجة وقد لا تكون. وتلجأ المرأة المتزوجة إليه إذا كانت عاقرا مضت السنون على زواجها دون أن تتمكن من إنجاب ذرية لزوجها. فهي تتوسل بهذا الزواج إلى تحقيق الغاية التي عجزت عن تحقيقها بنفسها. فالأولاد الذين تلدهم الزوجة باعتبارهم أولاد المرأة العاقر يعتبرون في نفس الوقت أولادا لزوجها. وقد تلجأ المرأة المتزوجة إلى هذا النوع من الزواج إذا كانت مئناثا أملا في الحصول على ذرية من الذكور. غير أن هذا النوع من الزواج لا يقتصر، كما سبق القول على النساء المتزوجات. فللمرأة غير المتزوجة أيضا أن تتخذ لنفسها زوجة. ويحدث ذلك، أغلب ما يحدث، في حالة الأرملة العاقر أو التي جاوزت سن الحمل. وقد تلجأ إليه امرأة لم يسبق لها الزواج رغبة في الحصول على ذرية لجماعة قرابتها إذا لم يكن لهذه الجماعة ذرية كافية أو كانت ذريتها من الإناث، حتى تكفل لسلسلة نسبها الدوام. ولا تقتصر الشعوب التي تسمح تقاليدها بهذا النوع من الزواج على جهة دون أخرى من جهات القارة الإفريقية، ولا على جنس دون آخر من أجناسها. فمن الشعوب التي تمارس هذا النوع من الزواج (أو كانت تمارسه) شعوب تقطن جنوب القارة ومنها شعوب في شرقها ووسطها وأخرى حامية وثالثة نصف حامية ورابعة زنجية. ويحدث هذا الزواج لدى الجوسي (في كينيا وتنزانيا)، وعند النوير (في جنوب السودان). وفي قبائل نيجريا، وكذلك السنغال. أضف إلى ذلك المرأة إذا كانت ثرية أمكنها اتخاذ عدة زوجات،. وتكون هي زوجهن القانوني وتستطيع المطالبة بتعويض إذا اتصلن برجال دون موافقتها. وهي أيضا أبو أولادهن، وتحصل عند زواج بناتهن على الماشية التي يحصل عليها الأب، ويحصل إخوتها وأخواتها على الماشية الأخرى التي تؤول إلى الجانب الأبوي حين يوزع المهر. ويسمى أولادها بالانتساب إليها كما لو كانت رجلا، وقيل أنهم يخاطبونها بوصفها أبا. وتدير بيتها وترعى حوشها كما يفعل الرجل. وتعامل من جانب زوجاتها وأولادها بنفس الاحترام الذي يبدونه نحو زوج وأب ذكر. إن زواج المرأة بالمرأة أيسر تحققا وأوفى بالغرض المقصود فذلك لأن التبني يفترض استعدادا لدى أحد الآباء للتخلي عن أحد أبنائه لصالح أسرة أخرى وهو أمر ليس من السهل تحققه دائما. وإذا تحقق مرة فقد لا يتحقق ثانية وثالثة. بينما الحصول على ذرية عن طريق الزواج أمر سهل ميسور، ومن الممكن الحصول عن طريقه على ابن وأكثر، وكيفما كان هذا الأمر فإنما هو مأخوذ من قوانين الغاب. وهذا أقل سوءا من المعمول به اليوم في البلاد الغربية (المصنفة بالعالم الأول مع الأسف الشديد)، فبعد هولندا، بلجيكا وكندا في يوم 30 يونيو 2005، وافق مجلس النواب الإسباني (187 صوتا مؤيدا ضد147) على القانون الذي يسمح بالزواج في إسبانيا من نفس الجنس. والغريب في الأمر أنه كثيرا ما تصلنا أنباء من الغرب عن علاقات جنسية حتى بين القساوسة مع أشخاص من بني جنسهم. والله الموفق 24/03/2012