الدمناتي: مسيرة FDT بطنجة ناجحة والاتحاد الاشتراكي سيظل دائما في صفوف النضال مدافعا عن حقوق الشغيلة    تيزنيت: الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ينظم تظاهرته بمناسبة فاتح ماي 2025 ( صور )    عندما يهاجم بنكيران الشعب.. هل زلّ لسانه أم كشف ما في داخله؟    وزراء خارجية "البريكس" وشركاؤهم يجتمعون في ريو دي جانيرو    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي يدشن مشاركته بفوز صعب على كينيا    في عيد الشغل.. أمين عام حزب سياسي يتهم نقابات بالبيع والشراء مع الحكومة    صادرات الفوسفاط بقيمة 20,3 مليار درهم عند متم مارس 2025    تنفيذ قانون المالية لسنة 2025.. فائض خزينة بقيمة 5,9 مليار درهم عند متم مارس    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينتصر على كينيا ويشارك الصدارة مع نيجيريا قبل المباراة المرتقبة بينهما    أمطار طوفانية تغمر زاكورة.. وسيول كادت تودي بأرواح لولا تدخل المواطنين    الشرطة الإسبانية تعتقل زوجين بسبب احتجاز أطفالهما في المنزل ومنعهم من الدراسة    كلية الناظور تحتضن ندوة وطنية حول موضوع الصحة النفسية لدى الشباب    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فرنسا.. ضبط 9 أطنان من الحشيش بعد سطو مسلح على شاحنة مغربية قرب ليون (فيديو)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    نشرة إنذارية: زخات رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    كرة القدم.. برشلونة يعلن غياب مدافعه كوندي بسبب الإصابة    توقيف لص من ذوي السوابق لانتشاله القبعات بشوارع طنجة    لماذا أصبحت BYD حديث كل المغاربة؟    عمر هلال يبرز بمانيلا المبادرات الملكية الاستراتيجية لفائدة البلدان النامية    موخاريق: الحكومة مسؤولة عن غلاء الأسعار .. ونرفض "قانون الإضراب"    رحيل أكبر معمرة في العالم.. الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس توفيت عن 116 عاما    المركزيات النقابية تحتفي بعيد الشغل    "تكريم لامرأة شجاعة".. ماحي بينبين يروي المسار الاستثنائي لوالدته في روايته الأخيرة    باحثة إسرائيلية تكتب: لايجب أن نلوم الألمان على صمتهم على الهلوكوست.. نحن أيضا نقف متفرجين على الإبادة في غزة    اتحاد إنجلترا يبعد "التحول الجنسي" عن كرة القدم النسائية    المغرب يجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 9.16 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تقرير: المغرب بين ثلاثي الصدارة الإفريقية في مكافحة التهريب.. ورتبته 53 عالميا    الحكومة تطلق خطة وطنية لمحاربة تلف الخضر والفواكه بعد الجني    تراجع طفيف تشهده أسعار المحروقات بالمغرب    أمل تيزنيت يرد على اتهامات الرشاد البرنوصي: "بلاغات مشبوهة وسيناريوهات خيالية"    المملكة المتحدة.. الإشادة بالتزام المغرب لفائدة الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل خلال نقاش بتشاتام هاوس    معرض باريس.. تدشين جناح المغرب، ضيف شرف دورة 2025    عادل سايح: روح الفريق هل التي حسمت النتيجة في النهاية    العثور على جثة مهاجر جزائري قضى غرقاً أثناء محاولته العبور إلى سبتة    تسارع نمو القروض البنكية ب3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب    الإسباني لوبيتيغي يدرب منتخب قطر    السكوري بمناسبة فاتح ماي: الحكومة ملتزمة بصرف الشطر الثاني من الزيادة في الأجور    أغاثا كريستي تعود للحياة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي    دول ترسل طائرات إطفاء إلى إسرائيل    الإعلان في "ميتا" يحقق نتائج أرباح ربعية فوق التوقعات    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو الحكومة إلى تحسين الأجور بما يتناسب والارتفاع المضطرد للأسعار    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    أكاديمية المملكة تشيد بريادة الملك محمد السادس في الدفاع عن القدس    الدار البيضاء ترحب بشعراء 4 قارات    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من معجزات الإسلام التي ساهمت في تقدم الفكر الإنساني ..
نشر في تطوان بلوس يوم 27 - 02 - 2014


القرآن تحدانا في حدود الوظيفة التي جاء من أجلها ..
و هو تحقيق الهداية و الإحياء على مستوى الروح و الوجدان
كثيرا ما يتساءل المتأمل و هو يستقري الحقائق الكونية و الطبيعية المصرح بها في القرآن الكريم و السنة النبوية ما إذا كان ذلك يعتبر إعجازا علميا ينضبط بالشروط المؤسسة لمفهوم الإعجاز ، أم أن المسالة لا ترقى إلى هذا المستوى من التحدي الذي يصطلح عليه العلماء في العادة بالإعجاز ، و إنما المسالة في مضمونها هي عبارة عن سبق معرفي كبير تميزت به المعرفة الإسلامية منذ الفترة الأولى لنزول الوحي و بدء الدعوة ، و قبل هذا الانفجار العلمي الكبير الذي عرفته البشرية من خلال مراكز البحث في الفترة الحديثة و المعاصرة ؟ و من أجل تدقيق المفارقة في سياق التساؤل المطروح لا بد من التمهيد بالعنوان التالي :
الإعجاز العلمي و السبق المعرفي
هناك طبعا فرق بين مسمى الإعجاز العلمي و ما يمكن أن نصطلح عليه بالسبق المعرفي في نظرنا، ذلك ان الإعجاز العلمي ينبغي في البداية ان ينضبط بمفاهيم البحث العلمي التي تأسست ثم تطورت مع تقدم المناهج البحثية في الحقول العلمية المختلفة ما بعد فترة الوحي في الإسلام ، لأن صفة (( العلمي )) التي تضاف في الاستعمال إلى الإعجاز عند المشتغلين بهذا المجال تحيل في الواقع إلى تلك الحقول المعرفية التي اعتمدت المنهج التجريبي في كشف الحقيقة العلمية المختبئة وراء الأشياء . و هو ما يجعل من الإعجاز العلمي من حيث المبدأ تحديا موجه ضد صنف العلماء التجريبين و المختبريين الذين يشتغلون ضمن مختلف الحقول العلمية التي اتخذت من التجربة المختبرية منهجا و أساسا لها . و هذا يفترض أن القرآن الكريم اثناء نزولاته عاصر الكثير من مظاهر التقدم العلمي التجريبي ، بل عاصر وجود باحثين متخصصين في العلوم التجريبية ، و بالتالي عمل على تعجيزهم و تحداهم على أن يأتوا بمثل ما أتى به من معارف علمية لصيقة باختصاصاتهم فعجزوا عن ذلك مما يعطي إمكانية وقوع ما نسميه (( بالإعجاز العلمي)) . تماما كما فعل ما فصحاء و بلغاء العرب ، حيث تحداهم بمثل اختصاصهم و لغتهم فعجزوا عن محاكاته ، فكان ذلك إعجازا لغويا بما في الكلمة من معنى و إن كان هذا النوع من الإعجاز اللغوي ليس هو أولوية القرآن الأولى فيما أطلقه من تحد و إعجاز ، و إنما أو لويته بالمقام الأول هو الإعجاز المرتبط بتحقيق الهداية و القدرة على الإحياء الروحي و الدلالة على معرفة الله لأن تلك هي الوظيفة الأساسية التي جاء من أجلها الوحي، و هي موضوع تحد قائم و باق إلى يوم الدين . و لكن الواقع على مستوى الإعجاز العلمي يثبت أن تحدي القرآن لعلماء مختصين في علوم تجريبية لم يحدث زمن نزول الوحي، و لا حينما كان النبي (ص) يكاشف الناس بأسرار الكون و الطبيعة عن طريق علم النبوة من أجل إقامة الحجة على حقائق الألوهية و المساعدة على هداية البشرية .. لأن علماء مختصين من هذا الصنف لم يكن لهم وجود حتى يوجه لهم التحدي القرآني أو النبوي . الشيء الذي يجعلنا نخلص إلى أن الإعجاز العلمي بالمعنى الذي يقاس على شروط الإعجاز اللغوي استعمال في غير محله . و أن الأليق بالاستعمال هو السبق المعرفي أو العلمي . بمعنى أن المعرفة القرآنية التي هي الجزء التأسيسي للمعرفة الإسلامية قد سبقت علماء البشرية و سبقت المعرفة العلمية الحديثة إلى الكشف عن كثير من الحقائق الكونية و الطبيعية التي ظلت مجهولة عند الإنسان إلى أمد بعيد . كما في حالة هذا النص الكريم الدال بعبارته على تكور الليل و النهار في قوله تعالى : (( خَلَقَ السماوات وَالأرض بِالْحَقِّ . يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ . وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجل مسمى. أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ )) الزمر / الاية 5 . فقد يؤخذ منه أن عملية تعاقب الليل و النهار هي أثر حتمي لعملية تكورية التي هي من خصائص دوران كوكب الأرض حول نفسه . و هو الشيء الذي لم يستطع العلم التجريبي المتخصص في دراسة الفضاء و حركة الأرض بعد تطوره فيما تلا من العصور أن يثبت عكسه أو يتجأو زه . فكان هذا فعلا سبقا معرفيا للقرآن الكريم لم يتم عن طريق البحث و الرصد التجريبي و إنما عن طريق الوحي الإلهي الصادر عمن أحاط بكل شيء علما .
وظيفة النص القرآني و تأكيد نظرية السبق المعرفي
إنه انطلاقا من واقع وظيفة النص القرآني و سياق نزوله و مقاصده الأساسية حينما قصد بالتدريج إلى إثبات عجز الإنس و الجن على أن يأتوا ولو بسورة أو حديث مثله (1) يكون على منواله في تحقيق الهداية للبشرية و دلالة الناس على معرفة خالقهم عبر إخراجهم من الظلمات إلى النور ، و هذا طبعا هو (( المِثْل المعجز )) الذي تم التحدي به من قبل القرآن في مناسبات مختلفة (1) ، لأن المثل المقصود هو ذاك الروح القرآني المعلن عنه بقوله تعالى في سورة الشورى : (( وكذلك أو حينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( 52 ) ( صراط الله الذي له ما في السمأو ات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ( 53 ) )) الشورى / الآيتان 52 و 53 .
فهذا (( الروح القرآني )) بمعنى القوة الروحية المودعة في الكتاب و المتحولة على هيأة الإيمان و الذي يصفه رب العزة بأنه نور يهدي به من يشاء من عباده هو موضع التحدي و الإعجاز أو لا و آخرا أما باقي الإعجازات المتحدث عنها من لدن العلماء إنما هي ثانوية و ليست مقصودة بشكل رئيسي ، فلا أحد بمستطيع أن يأتي بمثل الروح القرآني لأنه شان إلهي محض ، و لأنه الروح الذي يحيي الهياكل الجامدة الغافلة عن معنى العبودية و المعرضة عن الاتصال بخالق الكون ، فكما ان الأنس و الجن عاجزون على نفخ الروح في الأجساد ، فكذلك هم عاجزون على نفخ روح الهداية فيما يمكن أن يأتوا به من أنواع الكلام و نظمه يضاهون به القرآن و لسان النبي (ص)، بل و نفخه في أنواع معارفهم مهما تقدمت في الطبيعيات و العقليات وأنواع التشريعات التي كان يوجد الكثير منها عند اهل الكتاب أو يمكن لهم ان يسنوه للناس أو يطوروه مع الزمن بفعل التطور التشريعي و العلمي و المعرفي .. كما فعل القرآن و فعل النبي (ص) من خلال سنته حيث انتعشت بهما حياة الناس الروحية و استضاء وجدانهم و انتقلوا من الظلمات إلى النور ، و هي تجربة لا يعرف حقيقتها إلا من كابدها ، و لا يدرك غورها إلا من شهدها و تفاعل معها . و هو الواقع ذاته الذي يمكن أن نحمل عليه مجمل التحدي و الإعجاز الوارد في نصوص الشرع المختلفة .
اعتبارا لهذا الواقع، يمكن أن نقرر أن القرآن الكريم لم يأتي من أجل الإعجاز العلمي بالمفهوم المتداول ، و لا انه تحديدا جاء ليعلمنا المعارف العلمية التي يتم اكتسابها عن طريق التجربة و الاختبار و إنما جعل ذلك موكولا إلى اجتهاداتنا في مجال البحث و الدراسة و حث على ذلك من خلال آيات كثيرة ، و كما قال النبي (ص) : (( أنتم أعلم بأمور دنياكم )) رواه مسلم . و بالتالي فإن مختلف الحقائق الكونية الثابتة بالقرآن و السنة إنما هي سبق معرفي على الوجه الأصح ، و نقول سبقا معرفيا و ننسبه إلى المعرفة و ليس إلى العلم ، لأن المعرفة في التداول المعاصر قد تكون تجريبية و قد تكون عقلية كالمنطق و الرياضيات ، و قد تكون ثابتة بالوحي ، بينما مفهوم العلم اليوم أصبح يحيل على المعرفة التجريبية المعززة بمعايير العقل . و الحقائق الكونية المصرح بها في الكتاب و السنة هي سبق معرفي ثبت بالوحي دون التجربة و العقل و تم توظيفه قرآنيا و على لسان النبي (ص) لتحقيق الهداية و دعم العقيدة الصحيحة و ليس من أجل الإعجاز و التحدي نظرا لهذه الوظيفة الطبيعية الأو لى للقرآن ، و أيضا نظرا لانعدام الشرط الأساس في كل إعجاز أو تحد ألا و هو وجود الطرف المراد إظهار عجزه و توجيه التحدي له اي المجتمع العلمي أثناء البعثة و نزول الوحي ، و الذي يفترض فيه اكتسابه كل الوسائل والقدرة على المحاكاة و الإتيان بالمثل فيعجز عن ذلك . و لاعتبار آخر هو هذا التقدم العلمي الذي تمكن فعلا من قبول التحدي و اكتشاف ما لا يحصى من الحقائق الكونية التي لم يشر إليها القرآن أصلا مما يعرض مفهوم الإعجاز العلمي للانهيار . بل قد يعتبر تفوقا لعلماء البشرية و مواجهة للإعجاز القرآني و تحديا في الاتجاه المعاكس إذا سرنا مع أصحاب نظرية الإعجاز العلمي فيما تلا من العصور مما يطعن في أساس هذه النظرية و يفرض علينا العودة إلى نظرية الإعجاز في المجالات الحقيقية التي قصدها القرآن بإعجازه في مقدمتها الاتيان ب (( المثل في القدرة على الهداية و إحياء النفوس بالإيمان و الدلالة على الله )) من مثل قوله تعالى : أو مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. [الأنعام:122] فهذه هي المعجزة القرآنية الخالدة .. و هذا هو سر معجزة أحاديث النبي (ص) المقصودة و هي إحياء القلوب بالإيمان و الطاعة و إنعاش الحياة الروحية . و هي معجزة جارية مجرى الدهر و لا أحد يستطيع أن يجاريها.
من السبق المعرفي إلى الإعجاز المعرفي
و لكن مع هذا، فإن هناك شيئا يمكن أن نعتبره إعجازا معرفيا تحديدا بهذا الاسم يقوم حجة قاطعة تزيد من الصفة المعجزة للقرآن و سنة النبي (ص) و على أن الذي جاء به سيد البشر محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام هو كلام من عند الله تعالى و خرق للعادة دون أدنى مراء، و لكن بغير المفهوم المتداول الذي يقاس على الإعجاز اللغوي و البياني أو الإعجاز الرئيسي الذي يتسق مع الوظيفة و الحالة القرآنية المتمثلة في القدرة على الهداية و الإحياء الروحي ، ويتمثل ذلك في كون القرآن نطق بكثير من الحقائق العلمية، بالرغم من كون مبلغه وهو الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن قد تخرج من معهد علمي أو تمرس على آليات البحث العلمي المفضية في العادة إلى اكتشاف مثل تلك الحقائق، اذ كيف يمكن لرجل (( أمي )) يعيش في مجتمع صحروي يتميز بانتشار الأمية و بساطة المعرفة، بل وفي فترة تاريخية كانت المعرفة العلمية جد متخلفة في العالم فيصرح بحقائق مذهلة سبق بها العلم الحديث بقرون عدة، بل كان على البشرية أن تنتظر كل هذه القرون الطويلة، و تنتظر بالتالي تطور إمكانيات البحث العلمي ومؤسساته ومناهجه كي تكتشف في النهاية أن بعض ما انكشف لها قد سبق إليه القرآن الكريم بالرغم من انعدام الشروط الموضوعية اللازمة لمثل تلك الكشوفات، إن هذا حقا هو ما يمكن أن يجسد المعجزة القرآنية و معجزة النبوة من خلال نصوص السنة بكل معاني الإعجاز، بمعنى أن لا أحد يستطيع أن يوجد الشيء مع انعدام أسبابه و شروطه ، و النبي (ص) من خلال القرآن و السنة قد فعل ذلك وهو ما يؤيد أنه مبعوث من عند الله تعالى ، و أن القرآن الذي جاء به هو وحي و معرفة من لدن خالق الكون ، و أن ما أخبر به إنما هو إخبار من عنده تعالى من غير أن يكون هناك مصدر آخر لذلك.
السبق المعرفي في الإسلام و مساهمته في تقدم الفكر الإنساني
على أن الذي لا يستطيع أي باحث منصف إنكاره هو هذا الأثر البالغ الذي أحدثه الإسلام بسبوقاته المعرفية من خلال نصوص القرآن و السنة على مستوى تحفيز الفكر الإنساني خلال الفترة الوسيطة لمتابعة البحث و الاكتشاف العلمي مما جعل المسلمين يتقدمون أشواطا في مختلف الحقول المعرفية ، و يصححون الكثير من الأخطاء في علوم الأقدمين ، كما أتاح لهم ذلك تمهيد الطريق لكل هذه الحضارة العلمية التي غدا ينعم بها الإنسان المعاصر اليوم .. و نعتقد أن تلك كانت نتيجة طبيعية نظرا للهيكلة الجديدة التي عرفها الفكر الباحث و المتأمل في أسرار الكون ، بعد أن انتشرت معارف الوحي الجديد ، و أمده الإسلام برؤية جديدة عن كثير من مظاهر الكون و الطبيعة ، رؤية واقعية موضوعية ، شاملة و متوازنة تجمع بين الإيمان و الحقيقة المطابقة التي ينبغي أن يقوم عليها العلم ، و بين النقل و العقل فيما يؤسسه من تفسيرات مادية و روحية ، و كل ذلك على قاعدة أن هذه الظواهر مهما اختلفت طبيعتها و مناهج دراستها تعود في الأصل و النشأة الى خالق واحد أبدي أزلي ألا و هو الله تعالى في علاه . إن ما يشد الانتباه حقا ، و يدخل الإنسان في عالم من الدهشة هو كيف أن البشرية لم يسبق لها أن تهيأت لها ظروف التقدم العلمي الكبير و الهائل إلا بعد هذه الفترة التي ستعقب مجيء الاسلام و نزول الوحي القرآني ، و أما قبل ذلك فقد ظلت المعرفة بالرغم من تطورها في حدود ضيقة و مقيدة ، مثقلة بكثير من الاخطاء و المغالطات العلمية كما في حالة نظرية الأرض المنبسطة مثلا ، أو أنها هي مركز الكون ، و هي النظرية التي استطاع علماء الاسلام باعتمادهم على إفادات القرآن و العلم النبوي عن الكون أن يعيدوها الى الصواب و يؤسسوا بدلها نظرية أخرى ، تلك النظرية العلمية التي تقول بكروية الارض في هيأتها ، و أنها ليست هي مركز الأرض كما ذهب الى ذلك العديد من علماء الاسلام نذكر من بينهم ابن حزم الأندلسي (ت 456ه/1064 م ) في كتابه " الفصل في الملل و الاهواء و النحل " حيث سجل له التاريخ قوله و هو يشير الى دور القرآن الكريم و حديث النبي في تثبيت اجماع أئمة المسلمين حول كروية الارض : (( قالوا ان البراهين قد صحت بأن ارض كروية ، والعامة تقول غير ذلك وجوابنا و بالله تعالى التوفيق : إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الامامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض، و لا يُحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة ، بل البراهين من القرآن و السنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز و جل: (( يكور الليل على النهارو يكور النهار على الليل )) وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض،مأخوذ من : تكور العمامة و هو إدارتها ، و هذا نص على تكوير الارض)) .
1 النصوص المختلفة الواردة في الإعجاز و التحدي هي اربعة حسب المختصين ، و هي :
قوله تعالى : (( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)) الاسراء . الاية 88
قوله تعالى (( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) سورة البقرة الاية 23
قوله تعالى : (( أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ )) سورة هود الاية 13 .
قوله تعالى : ((أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين)). سورة الطور الاية 34 .
2 من انواع الإعجاز التي قصدها القرآن الكريم ما يتمثل في المجالات التالية : الأو ل : في حسن النظم، وبديع الرصف، وعجيب السرد، وغرابة الأسلوب وإيجازه وإتقان معانيه. الثاني: في غيوبه من إخباره بما كان ، وبما يكون. الثالث: في احتوائه على الأمر و النهي، والوعد والوعيد، والحكم والمواعظ، والقصص والأمثال. الرابع: في صدقه وسلامته من التبديل والتحريف. الخامس: في أنه لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تمله الأسماع، ولا يمحوه الماء ، ولا تفنى عجائبه ، ولا تنتهي غرائبه. السادس : في دوام آيات ه، وكثرة معجزاته.
ذ/ السعيد ريان ابو خير الدين
من علماء خريجي دار الحديث الحسنية
باحث في قضايا الشأن التربوي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.