من وجدة إلى بريتوريا.. المغرب يستعيد ذاكرة التحرر الإفريقي: زوما يدعم مغربية الصحراء ويستحضر احتضان الرباط لمانديلا    نقاش مفتوح حول إشكالية نزع الملكية والاعتداء المادي: محكمة الاستئناف الإدارية تسعى لصون الحقوق وتحقيق التوازن.    شراكات إقليمية قوية ورابحة تدعم التنمية المشتركة إقليميا وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والدولي    بورصة الدار البيضاء تبدأ التداولات بالارتفاع    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    إسبانيا.. قادة الجالية المغربية في توري باتشيكو يدعون للتهدئة بعد اشتباكات مع اليمين المتطرف    باريس سان جيرمان يضم الموهبة المغربية محمد الأمين الإدريسي    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    كيوسك الأربعاء | معالجة نصف مليون طلب تأشيرة إلكترونية خلال ثلاث سنوات    جثة مجهولة تستنفر الأجهزة الأمنية بجماعة أيت يوسف وعلي    تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن    تقرير: المغرب بين أكبر 3 مصدّري الفواكه بإفريقيا.. ويحافظ على حصته في السوق الأوروبية حتى 2034    ارتفاع أسعار النفط وسط مؤشرات على زيادة الطلب العالمي    لقجع: المداخيل الجبائية ترتفع ب25,1 مليار درهم حتى متم يونيو 2025    فضيحة دولية تهز الجزائر: البرلمان الأوروبي يحقق في "اختطاف" للمعارض أمير دي زاد    أزيد من 4 ملايين أسرة استفادت من التأمين الإجباري عن المرض وما يقرب منها استفادت من الدعم المباشر    زوما يصفع من الرباط النظام الجزائري: ندعم مغربية الصحراء ونرفض تقسيم إفريقيا تحت شعارات انفصالية    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    قراءة في التحول الجذري لموقف حزب "رمح الأمة" الجنوب إفريقي من قضية الصحراء المغربية    تعاون صحي متجدد بين المغرب والصين: لقاء رفيع المستوى يجمع وزير الصحة المغربي بعمدة شنغهاي    تعاون جوي مغربي-فرنسي: اختتام تمرين مشترك يجسد التفاهم العملياتي بين القوات الجوية    مشروع ضخم لتحلية المياه يربط الجرف الأصفر بخريبكة لضمان استدامة النشاط الفوسفاطي    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين تنتقد الحصيلة الاقتصادية للحكومة وتدعو إلى إصلاحات جذرية    الدفاع الجديدي يرفع شعار التشبيب والعطاء والإهتمام بلاعبي الأكاديمية في الموسم الجديد …    لقاء تنسيقي بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة استعداداً للدخول المدرسي 2025-2026 واستعراضاً لحصيلة الموسم الحالي    طنجة ضمن المناطق المهددة بحرائق الغابات.. وكالة المياه والغابات تدعو للحذر وتصدر خرائط تنبؤية    ميناء أصيلة يسجل تراجعاً في مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي خلال النصف الأول من 2025    مطار طنجة: إحباط محاولة تهريب أزيد من 32 كيلوغرام من الحشيش داخل حقائب سفر            إشادة فلسطينية بدور جلالة الملك في الدفاع عن القضية الفلسطينية    المهاجرون المغاربة في مرمى العنف العنصري بإسبانيا    "أكسيوس": أمريكا طلبت من إسرائيل التوقف عن مهاجمة القوات السورية    وسط إشادة المؤسسات المالية الدولية.. أخنوش يعبر عن فخره بوضعية الاقتصاد الوطني وتدبير المالية العمومية    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    الاتحاد صوت الدولة الاجتماعية    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    مورسيا تحقق في "جرائم الكراهية"    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    لامين جمال يثير تفاعلاً واسعاً بسبب استعانته ب"فنانين قصار القامة" في حفل عيد ميلاده    حكيمي يختتم الموسم بتدوينة مؤثرة    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    قارئ شفاه يكشف ما قاله لاعب تشيلسي عن ترامب أثناء التتويج    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي        الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انهزام أطلال التاريخ

في مغرب الحداثة تنهزم أطلال التاريخ أمام سطوة الجرافات. فالمواقع الأثرية تتيتم ولا من مغيث. أشهر موقع أثري في المغرب هو مدينة وليلي الرومانية التي تنال اهتماما ملحوظا من طرف وزارة الثقافة. لكن مواقع أخرى لا تقل أهمية منها، يحضنها أديم الأرض ولا تجد من يزيل عنها تراب النسيان. وهناك مواقع أخرى أسوأ حظا من غيرها، تنهال عليها حفارات المنعشين العقاريين لتطمرها إلى الأبد. من هذه المواقع مدينة المزمة، إحدى أولى الحواضر الإسلامية في المغرب.
استغلال رغبة
توالت الزيارات الملكية للريف منذ أن دخل محمد السادس أرض الريفيين، مع بداية وصوله إلى الحكم، محطما بذلك سور العزلة العالي الذي وضع أسسه والده الملك الحسن الثاني ورعاه طيلة عقود حكمه. سُر الريفيون بمقدم الملك، لأن زياراته عادة ما تصاحبها "مشاريع" إنمائية. وكان زلزال الحسيمة (2004) إشارة واضحة لانطلاق "برامج" فك العزلة عن الريف وربطه بالمركز.
ولكون موقع الريف الساحلي مؤهل لإقامة مشاريع سياحية راهن عليها المغرب لتنمية موارده المالية، فإن الشهية انفتحت أمام المنعشين العقاريين، مغاربة وأجانب، مستغلين الرغبة الرسمية في مواكبة تطلعات الملك. فتقدموا إلى الميدان مسلحين بمشاريع طموحة ستغير وجه المنطقة. وهنا مربط الفرس: تغيير وجه المنطقة يعني تغيير مآثرها التاريخية. وهذا ما أثار قلق جمعيات أهلية تعمل بإمكانياتها الذاتية المحدودة، للمحافظة على ما تبقى من معالم ذاكرة المنطقة الجماعية.
أطلال تشهد
عرف الساحل الريفي عبر تاريخه الطويل، تأسيس حواضر ما تزال أطلالها إلى اليوم، تشهد على ما وصلته المنطقة، في الزمن الغابر من تحضر، قبل أن تعود إليها البداوة والانعزال والانغلاق على الذات، كما تصفها كتابات المستكشفين الأوربيين منذ القرن السابع عشر الميلادي. فإمارة النكور في الريف الأوسط التي أسسها صالح بن منصور الصنهاجي مع نهاية القرن الأول الهجري، تعد من أولى الحواضر الإسلامية في المغرب.
تقول مصنفات التاريخ إن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك "أقطع" المنطقة للأمير صالح بن منصور، ثم توارثها أبناء هذا الأخير إلى أن دمرها القائد المرابطي المشهور يوسف بن تاشفين (ق. 11م)، ليستأثر بطريق التجارة نحو الأندلس، ويوطد بالتالي أركان إمبراطوريته. وما تزال أضرحة "سيدي صالح" و "سيدي إدريس" و "سيدي شعيب" تزار من قبل السكان المحليين للتبرك بها والتمسح بأهدابها والتقرب عبرها إلى الله.
لم يبق من إمارة النكور اليوم إلا بعض القطع الفخارية التي تعلق بمحاريث الفلاحين. كما أن الدولة أقامت، أواسط السبعينات من القرن الماضي، على جزء من مجال "العاصمة" النكور سد عبد الكريم الخطابي. ثم هناك مدينة غساسة قرب مليلية (شرق الريف). ولعل أهم حدث تاريخي ارتبط بهذه الحاضرة قبل أن تغوص تحت التراب، هو حدث انطلاق مؤسسي الدولة المرينية (1244- 1465) منها. وهناك مدينة بادس (الريف الأوسط) التي لم يبق منها اليوم إلا اسم المكان المقابل للجزيرة المسماة باسمها؛ وهي صخرة بادس المحتلة من طرف الإسبان إلى اليوم.
ثغر مزدهر
لا يعرف بالضبط متى أسست المزمة. ولكن كتب المسالك والممالك تصنفها كأحد أقدم الثغور التجارية على الضفة الجنوبية للأندلس. ازدهرت مع ازدهار إمارة النكور، ولكنها استمرت في الحياة بعد تدمير الأخيرة. تعرضت المزمة بدورها للتخريب عدة مرات، وفي كل مرة تعود إلى الحياة متحدية رغبة التدمير التي تسكن بعض الحكام، قبل أن يجهز عليها نهائيا مؤسس الأسرة العلوية الحاكمة في المغرب الآن، وذلك في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي.
ظلت المزمة تحت أديم الأرض باستثناء أجزاء من سورها الخارجي، وبقايا مسجدها الذي بني على نمط مسجد الإسكندرية في رأي المؤرخ المغربي د. أحمد الطاهري. وفي بداية الستينات من القرن الماضي منحت الدولة ترخيص استغلال الشاطئ المقابل لجزيرة النكور (احتلها الإسبان سنة 1673 إلى اليوم) لشركة نادي البحر الأبيض المتوسط. وباستثناء بعض البنايات الإسمنتية القليلة، اختارت الشركة الفرنسية آنذاك إقامة أكواخ خشبية محترمة، على ما يبدو، رمزية المكان في التاريخ الوطني.
نهاية
بعد تخلي الفرنسيين عن "استغلال" المكان قبل بضع سنوات، حل محلهم مستثمرون مغاربة، حاملين معهم مشروع "السواني – ميديتراني". ومع أن الهاجس الرئيسي من المشروع هو تحقيق "الرغبة الملكية" في تنمية المنطقة وفك عزلتها وإنعاش السياحة فيها، فإن نشطاء المجتمع المدني أزعجتهم الشراسة التي تعامل بها المنعشون العقاريون الجدد، مع الموقع الأثري لحاضرة المزمة. فقد شرع في غشت 2008 في اقتلاع الأشجار وتهيئة المجال "دون إجراء أية دراسة قبْلية للمكان ولا مسح أركيولوجي لموقع المزمة"، بحسب منشور وزعته لجنة الهيئات المدنية المتابعة لملف المدينة المندرسة.
أجرت اللجنة المنبثقة عن هيئات المجتمع المدني في الريف لقاءات مع ممثلي السلطات وممثل الشركة المكلفة بتنفيذ المشروع الاستثماري. ويؤكد السيد عمر لمعلم، رئيس جمعية ذاكرة الريف وأحد المبادرين إلى الدفاع عن المزمة، إن اتفاقا جرى بين جميع الأطراف من أجل الاستعانة بخبرة أحد المختصين في علوم الآثار لإجراء حفريات وتقييم وفهرسة ما يتم اكتشافه. تمكنت تحركات المجتمع المدني من إيقاف عمليات التجريف، ولكن إلى حين.
تدخل الملك
وفي تصريح لإذاعة هولندا العالمية، أكد السيد عمر المعلم، رئيس جمعية ذاكرة الريف، أن لجنة متابعة ملف المزمة بصدد تهيئ رسالة إلى الملك محمد السادس لينقذ ما تبقى من آثار المدينة. كما ستعمل على مراسلة منظمة اليونسكو في الموضوع.
ويتأسف الأستاذ عبد الرحمن الطيبي المختص في تاريخ الريف من جهته على مآل المزمة. وفي سؤال حول ما إذا كان الريف في الوقت الراهن بحاجة إلى أطلال تاريخية أم مشاريع إنمائية مستقبلية، أكد لنا الأستاذ الطيبي أن الريف بحاجة إلى الجمع بين الاثنين، دون الحاجة إلى تدمير جانب لحساب جانب آخر. ويأمل أن يسفر تدخل الملك في إطالة عمر المدينة المحتضرة.
يبدو أن المزمة دخلت مرحلة الموت السريري، وتنتظر تشييعا رسميا إلى سباتها الأبدي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.