حين انتصر لوبي النفوذ على وعود الدولة. عندما عُيّن عبد الرحمان الجوهري عاملاً على إقليمتيزنيت، لم يقدّم نفسه كموظف إداري عادي، بل كرجل مواجهة، رجل "الملفات الثقيلة"، ورجل المرحلة التي ستضع حداً لسنوات من العبث والفساد باقليم تيزنيت..خطاب بدا في حينه غير مسبوق في جرأته، خاصة حين اختار العامل أن يخاطب المواطنين بلهجة مباشرة. "أي ملف فيه رائحة فساد، مرحبا به... وهذا رقم هاتفي". كلمات لم تكن عابرة، بل وعوداًعلنية أمام منتخبين وفعاليات وساكنة وُثّقت في لقاءات رسمية، وجعلت الرأي العام المحلي يعتقد أن زمن الإفلات من المحاسبة قد ولى. بداية صاخبة... ونهاية باردة في الأسابيع الأولى، بدا أن العامل عازم فعلاً على تنفيذ وعوده. حركة داخلية، قرارات تأديبية، ومسّ ببعض مراكز النفوذ الإدارية ورجال السلطة..لحظة قصيرة شعر فيها لوبي الفساد بالارتباك، واعتقد المواطن أن "العجلة بدأت تدور". لكن ما لم يكن في الحسبان، هو السرعة القياسية التي توقفت بها تلك العجلة..فجأة، اختفت الصرامة، جُمّدت المتابعات، وتبخّرت القرارات التأديبية، وكأنها لم تكن سوى عرض افتتاحي سرعان ما أُسدل عليه الستار. من عامل ميداني إلى مسؤول معزول الأخطر من التراجع عن القرارات، هو التراجع عن المبدأ نفسه. العامل الذي قال إن باب مكتبه مفتوح، أصبح مكتبه مغلقاً أمام ملفات بعينها..الهاتف الذي وُزّع على المواطنين تحوّل إلى رقم صامت. والشكايات التي قيل إنها ستُناقش "دون خوف أو تردد"، باتت حبيسة الرفوف. ملف مهاجر يفضح واقع التعاطي قصة مهاجر مغربي حاول مقابلة عامل الإقليم ليست سوى نموذج صارخ. طلب رسمي، ثم انتظار طويل، ثم إعادة إرسال الطلب مباشرة إلى مقر إقامة العامل للتأكد من وصوله. وبدل أن يُستدعى المعني إلى العمالة لمناقشة مضمون ملف فساد، جرى تحويله إلى رئيس دائرة، حيث لم يُسأل عن الملف، بل عن "سبب جرأته" في طلب مقابلة العامل. منطق يطرح أكثر من سؤال: هل أصبح طلب محاربة الفساد تهمة؟؟؟وهل تحوّل العامل من مسؤول مفترض في حماية المبلغين إلى حاجز إداري جديد؟؟؟ شباب المشاريع والمنتخبون... ضحايا الصمت شباب استفادوا من برامج الدولة لتمويل المشاريع وجدوا أنفسهم وسط اختلالات واضحة، راسلوا العامل، وانتظروا، لكن دون جواب. منتخبون وضعوا ملفات ومعطيات، لكن الأبواب ظلت موصدة..وحده الصمت كان الجواب المشترك..لوبي الفساد…عاد أقوى!!!! مصادر تيزبريس تحدث عن "رسالة" وصلت العامل من طرف لوبي الفساد مفادها:"دخل سوق راسك... راه ما غاديش يعجبك الحال". سواء صحت هذه الرواية أو لم تصح، فإن الواقع على الأرض يوحي بأن لوبي الفساد لم يُهزم، بل استعاد أنفاسه، وربما فرض منطقه من جديد…تيزنيت تعود إلى نقطة الصفر…هكذا، وجد إقليمتيزنيت نفسه من جديد تحت رحمة شبكات النفوذ، بعد أن اعتقد لفترة قصيرة أن رياح التغيير هبّت أخيراً. الآمال التي عُلّقت على العامل الجوهري تبخّرت، والتشبيهات التي وُضعت له إلى جانب هدان وبن عدو سقطت سريعاً أمام واقع التراجع….اليوم، لم يعد السؤال: لماذا لم تُفتح ملفات الفساد؟؟؟؟ بل أصبح…من منع فتحها؟ ولماذا صمت من وعد بفتحها؟؟؟؟ إلى أن تأتي حركة عمال جديدة، يبقى مواطن تيزنيت أمام واقع قديم متجدد..فساد يُعرف، وملفات تُعرف، لكن لا أحد يجرؤ على الذهاب بها إلى النهاية.